الفصل السابع – البطلان

المبحث الثالث

طرق التمسك بالبطلان

      الأصل أن البطلان لا يقع بقوة القانون ، بل يبقى الإجراء المعيب قائما منتجا لكل آثاره إلى أن يحكم ببطلانه(1). فإذا كان البطلان متعلقا بالنظام العام يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، كما يجوز التمسك به من أي خصم ذي مصلحة في أي حالة كانت عليها الإجراءات ، وفي أي درجة من درجات التقاضي .

     أما إذا كان البطلان خاصا، فإنه يلزم للحكم ببطلان الإجراء أن يتمسك به الخصم الذي شرع لمصلحته ولم يتسبب فيه أو يتنازل عنه (م 24)، وفي الوقت الذي حدده القانون . وهناك وسيلتان للتمسك بالبطلان سواء كان الإجراء خاصا أم عاما وهما :

  1. الدفع بالبطلان إذا كان الإجراء المعيب من إجراءات الخصومة ، وهو دفع شكلي يقدم إلى المحكمة التي يتخذ الإجراء أمامها أثناء سير الخصومة وقبل الحكم في موضوعها .
  2. الطعن في الحكم إذا كان البطلان واردا على حكم من الأحكام ، سواء كان سبب البطلان عيب لحق الحكم ذاته أم كان سببه بطلان إجراء سابق من إجراءات الخصومة أدى إلى بطلان الحكم .

      فإذا انقضى ميعاد الطعن ترتب على ذلك تصحيح الحكم والإجراءات السابقة عليه وزوال كل الشوائب التي تعيبه .

  • إذا كان البطلان واردا على إجراء من إجراءات التنفيذ ، فإن التمسك ببطلان الإجراء يكون عن طريق المنازعة في التنفيذ برفع دعوى مبتدأة .

      وفي هذا المجال اختلف الفقه في مسألة موضع الدفع بالبطلان في الورقة إذا قدم للمحكمة خطيا ،

      فذهب رأي إلى أنه يجب أن يرد الكلام عن البطلان قبل التكلم في الموضوع ، أي أن يسبق الدفع بالبطلان الكلام في الموضوع من الناحية المكانية في الورقة .

      بينما ذهب رأي آخر إلى أنه إذا حدث أن قدم الخصم في ورقة واحدة دفوعه الموضوعية وتمسك بالبطلان وجاء التكلم في الموضوع قبل الدفع بالبطلان فإنه لا يفقد حقه . ويبرر رأيه بأن المشرع وهو يوجب الدفع بالبطلان قبل التكلم في الموضوع إنما يرمي إلى تخليص الخصومة من المسائل الشكلية وعدم إعطاء الفرصة للخصم سيئ النية للتمسك بالبطلان في مرحلة متأخرة ، فإذا كان قد أبدى الدفع في نفس الورقة التي تكلم فيها في الموضوع فإنه لا يفقد حقه ، وأن الكلام في الموضوع الذي يفقد الحق في التمسك بالبطلان هو الذي يتم في عمل مستقل (1).

          ونحن نرى أن المشرع عندما نص في المادة 91/1  على وجوب إبداء الدفع بالبطلان قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيه ، لم يفرق بين إبداء هذا الدفع شفاهة أو كتابة  ، غير أنه منح الفرصة للخصم الذي لم يفطن إلى ترتيب الدفوع في لائحته الجوابية أو لائحة طعنه ، أو غفل عن إثارة الدفع فيها ، لكي يتدارك هذا الأمر قبل تكرار اللوائح ، بأن يتمسك بالدفع بالبطلان ( أو أي دفع شكلي آخر غير متعلق بالنظام العام ) قبل أن يكرر لائحته الجوابية أو لائحة طعنه ، أما إذا كرر هذه اللائحة ولم يكن قد كتب الدفع بالبطلان قبل الدفوع الأخرى  فإنه يفقد حقه في التمسك بهذا الدفع .

المبحث الرابع

آثار الحكم بالبطلان

      إذا كان البطلان عاما ، أو تمسك بالبطلان من شرع لمصلحته ، تفصل المحكمة في مسألة البطلان ، فإذا تحققت من توافر حالة من حالات البطلان وجب على المحكمة أن تقضي ببطلان الإجراء ، ويترتب على هذا الحكم الآثار التالية :

  1. اعتبار الإجراء كأن لم يكن ، وزوال آثاره ، فإذا قضي مثلا ببطلان لائحة الدعوى فإن ذلك يستتبع بطلان جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك الحكم الصادر في الدعوى . وإذا حكم ببطلان تقرير خبير فإنه يعد كأن لم يكن ويتم استبعاده من أوراق الدعوى التي يبنى عليها الحكم .

     غير أن الحكم ببطلان إجراء لا يمنع من تجديد الإجراء على نحو صحيح ما لم يكن الحق في إجرائه قد سقط لسبب من أسباب السقوط .

     وبطلان الإجراء لا يؤدي إلى انقضاء الدعوى أو الحق المدعى به ، ومع ذلك يؤثر البطلان على الحق بطريق غير مباشر ، كما لو حكم ببطلان المطالبة، فإن هذا يؤدي إلى اعتبارها كأن لم تكن وزوال آثارها بما في ذلك قطع التقادم . فإذا كانت مدة التقادم قد اكتملت أثناء سير الخصومة ، تصبح المطالبة بالحق من جديد غير مجدية لانقضاء الحق بالتقادم .

  • بطلان الإجراءات اللاحقة المبنية عليه :

     تنص المادة 26/3 على أنه ” إذا كانت الإجراءات السابقة أو اللاحقة غير معتمدة على الإجراء الباطل فلا تبطل “.

     وهذا النص يدل بمفهوم المخالفة على أن الإجراءات اللاحقة إذا كانت مبنية على الإجراء الباطل فإنها تبطل تبعا له لأن ما بني على باطل يكون باطلا مثله.

      أما الإجراءات السابقة فإنها تبقى صحيحة ، فالحكم ببطلان إجراء لا يستتبع بطلان ما تقدم عليه من إجراءات ، فلا يؤثر بطلان التبليغ أو بطلان الحكم على صحة المطالبة القضائية ، لأن المطالبة إجراء سابق على التبليغ والحكم .

      كما لا تبطل الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل إذا كان لها كيان مستقل بذواتها ولم تكن مبنية عليه ، فلا يترتب على بطلان شهادة شاهد بطلان شهادة لاحقة لشاهد آخر أو تقرير خبير لاحق ولو تعلق بالواقعة ذاتها .

      ولا تبطل الإجراءات المعاصرة للإجراء الباطل كذلك ما لم ترتبط به برباط لا يقبل التجزئة بسبب طبيعتها أو طبيعة موضوعها .

          ومتى خلصت المحكمة إلى بطلان الإجراء بناء على تمسك الخصم به، فإن لها أن تتصدى لكافة الإجراءات اللاحقة للوقوف على صحتها أو بطلانها من تلقاء ذاتها، إذ ينطوي التمسك ببطلان الإجراء على التمسك ببطلان الإجراءات اللاحقة المبنية عليه، ولا تكون المحكمة بذلك قد فصلت فيما لم يطلبه الخصوم.

          ويترتب على القضاء ببطلان الإجراء زوال آثاره القانونية ، فإن تمثل الإجراء في تبيلغ الحكم فلا يبدأ به ميعاد الطعن ، وإن تمثل في لائحة الدعوى لا ينقطع التقادم … وهكذا.


(1) د. فتحي والي ، نظرية البطلان ص 644 .

(1) د. فتحي والي ، المرجع السابق ص 577 و 578 .