الفصل السادس – المواعيد الإجرائية

      حدد المشرع في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية مواعيد تلزم مراعاتها عند مباشرة الإجراءات أمام القضاء ، بحيث يمكن القول إن قوام أصول المحاكمات إجراء وميعاد ، وإن هناك تلازما بينهما ، بحيث لا يعد الإجراء صحيحا إلا إذا اتخذ في الميعاد الذي قرره المشرع . وقد راعى المشرع في هذه المواعيد التوازن بين ما يقتضيه حسن سير القضاء من تعجيل الفصل في الخصومات بحيث لا تتراخى الإجراءات وتتأخر على نحو لا مبرر له استجابة لمبدأ تركيز الخصومة ورعاية للخصوم حتى تستقر مراكزهم القانونية من ناحية ، وما يقتضيه مبدأ حرية الدفاع من منح الخصوم فرصة كافية لإعداد وسائل دفاعهم وتحضير ما يرون اتخاذه من إجراءات التقاضي من ناحية أخرى ، وتسمى هذه المواعيد بالمواعيد الإجرائية ، وهي تعد من صور التنظيم الشكلي للإجراء القضائي بحيث لا يكون الإجراء صحيحا كقاعدة ويرتب آثاره إذا لم يحترم ميعاده القانوني .

      ويحدد المشرع هذه المواعيد تحديدا جامدا بهدف تحقيق قدر من الاستقرار والانتظام في الإجراءات ، ولكنه يخفف من هذا الجمود بما يقرره من امتداد قانوني للمواعيد ، أو بما يعترف به للقضاء من سلطة تقديرية في تعديل هذه المواعيد ونبين أولا أنواع المواعيد الإجرائية ، ثم كيفية حسابها في مبحثين على التوالي .

المبحث الأول

أنواع المواعيد الإجرائية

تقسم المواعيد في قانون أصول المحاكمات إلى مواعيد حتمية ومواعيد تنظيمية. كما تنقسم من ناحية أخرى إلى مواعيد كاملة ومواعيد ناقصة ومواعيد مرتدة.

المواعيد الحتمية والمواعيد التنظيمية :

          الميعاد الحتمي هو الميعاد الذي يرتب المشرع على مخالفته جزاء إجرائيا كالبطلان أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء أو اعتبار الدعوى كأن لم تكن . وبعض المواعيد الحتمية يتعلق بالنظام العام كمواعيد الطعن ، ولكن أغلب هذه المواعيد لا تتعلق بالنظام العام بل تقررت لمصلحة الخصوم، ويجب أن يتمسك بها الخصم الذي تقررت لمصلحته مثل ميعاد تعجيل الدعوى بعد وقفها . والمواعيد الحتمية لا تتأثر بالوقف الاتفاقي للخصومة ، فإذا اتفق الخصوم على وقف الخصومة وتم هذا الاتفاق بعد صدور قرار في مسألة أو حكم في شق من الموضوع يقبل الطعن المباشر فإن هذا الوقف لا يؤثر في سريان ميعاد الطعن في هذا القرار أو الحكم.

          أما الميعاد التنظيمي أو غير الحتمي، فهو الميعاد الذي لا يرتب المشرع جزاء على مخالفته ، مثل ميعاد تبليغ لائحة الدعوى ، وميعاد تقديم اللائحة الجوابية ، وميعاد تسليم لائحة الدعوى لقلم المحضرين ، ومواعيد الحضور.

          ويلاحظ أن أغلب المواعيد الحتمية هي المواعيد الموجهة إلى الخصوم حيث يجب عليهم مراعاتها. أما المواعيد الموجهة إلى القاضي والموظفين القضائيين فهي في أغلبها مواعيد تنظيمية .(1)

الميعاد الكامل والميعاد الناقص والميعاد المرتد

أولا : الميعاد الكامل ، وهو الفترة الزمنية التي يجب أن تنقضي بالكامل ثم يتخذ الإجراء بعدها، بمعنى أنه لا يجوز اتخاذ الإجراء إلا بعد انقضاء الميعاد . ومثالها مواعيد الحضور ، فالمشرع يقرر أنه يجب منح مهلة زمنية للمدعى عليه للاستعداد للحضور أمام المحكمة ، وهذه المهلة يجب أن تمضي بين تاريخ التبليغ وتاريخ الجلسة ، فلا يجوز أن تحدد الجلسة إلا بعد فواتها وإلا قررت المحكمة التأجيل لاستكمال الميعاد إذا طلب الخصم ذلك ، من ذلك ما نصت عليه المادة 65 من أنه يعرض ملف الدعوى على رئيس المحكمة أو القاضي المختص بعد إقامتها لتعيين جلسة للنظر فيها ، ويبلغ موعد هذه الجلسة إلى الخصوم مع مراعاة أحكام المادة 62 من هذا القانون .

    والمادة 62 تحدد مدة خمسة عشر يوما للمدعى عليه لتقديم لائحته الجوابية، وتبدأ هذه المدة من اليوم التالي لتاريخ التبليغ ، بمعنى أنه إذا تم التبليغ في اليوم الأول من الشهر فلا يجوز أن يكون موعد الجلسة إلا بعد تمام اليوم السادس عشر ، أي ابتداء من اليوم السابع عشر .

  وقد سمي هذا الميعاد كاملا لأنه يجب أن ينقضي بالكامل دون اتخاذ الإجراء.

ثانيا : الميعاد الناقص، وهو الميعاد الذي يجب أن يتخذ الإجراء خلاله وقبل انقضائه، ويترتب على عدم الالتزام به سقوط الحق في الإجراء . ومثاله مواعيد الطعن ، فميعاد الاستئناف 30 يوما وفي المواد المستعجلة 15 يوما (م 205) ، وميعاد الطعن بالنقض 40 يوما (م 227)، ويجب أن يرفع الاستئناف أو النقض خلال هذا الميعاد فإذا انقضى اليوم الأخير منه لم يعد الطعن مقبولا .

     وقد سمي هذا الميعاد بالناقص لأن اليوم الأخير يحتسب ضمن الفترة التي يجب اتخاذ الإجراء خلالها ، وبالتالي فإن من تقرر الميعاد لصالحه لا يستفيد بهذا اليوم كاملا حيث عليه إذا أراد أن يتخذ الإجراء في اليوم الأخير أن يتخذه أثناء النهار فلا يستفيد ببقية اليوم . وأغلب المواعيد الإجرائية ناقصة لأن القانون يوجب اتخاذ الإجراء خلالها .

ثالثا : الميعاد المرتد ، وهو الميعاد الذي يجب اتخاذ الإجراء قبل بدئه ، ومثاله ما نصت عليه المادة 72/2 من قانون البينات الجديد من أنه فيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب تبليغ الشاهد قبل الموعد المحدد لأداء الشهادة بثمان وأربعين ساعة على الأقل (1).

     ويتفق الميعاد المرتد مع الميعاد الكامل في أنه لا يجوز اتخاذ الإجراء خلاله ، ولكنه يختلف عنه في أن الميعاد الكامل يتخذ الإجراء بعد نهايته بينما الميعاد المرتد يتخذ الإجراء قبل بدايته .


(1) د. أحمد الهندي ص 673- 676 .

(1) يرجع كذلك إلى المادة 86 من قانون البينات في المواد المدنية والتجارية رقم 4 لسنة 2001 .