الكافي في شرح قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية

تمهيد

سريان قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد

من حيث الزمان

نصت المادة (293) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 على أنه (يعمل به بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ). وقد نشر القانون في العدد (38) من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 5/9/2001 ، وبذلك فإنه واجب التطبيق اعتبارا من 5/12/2001. وقد نشر القانون في العدد ذاته الذي نشر فيه قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001، ونص في ذلك القانون على أنه يعمل به بعد ثلاثين يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (مادة 42)، وذلك حتى يتاح وقت كاف لإعادة ترتيب المحاكم خلال فترة الأشهر الثلاثة اللازمة لسريان قانون أصول المحاكمات ، نظرا لأن هذه المحاكم تفتقر إلى العدد الكافي من القضاة ولاستكمال المحاكم بتشكيل المحكمة العليا بشقيها محكمة النقض ومحكمة العدل العليا ، فبدون ذلك يتعذر تطبيق قانون الأصول الجديد .

كما أن الأشهر الثلاثة ضرورية لإتاحة الفرصة للقضاة والمحامين لدراسة القانون والتعرف على ما ورد فيه من أحكام جديدة وآلية تطبيقه في العمل ، وبخاصة أنه تضمن تغييرا جذريا وكبيرا في طريقة سير الدعوى بهدف تحقيق العدالة وسرعة الفصل في الدعاوى .

أما من حيث الدعاوى والإجراءات التي يسري عليها القانون الجديد فقد تناولتها المادة الأولى من القانون حيث نصت على أنه :

مادة 1 – يسري هذا القانون على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به ويستثنى من ذلك :
1- النصوص المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى.
2- النصوص المعدلة للمواعيد متى كان الميعاد قد بدأ سريانه قبل بدء تاريخ العمل بها.
3- النصوص المنظمة لطرق الطعن بالنسبة إلى ما صدر من أحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت هذه النصوص ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق.
2- كل إجراء تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقى صحيحا ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
3- لا يجري ما يستحدث في مواعيد السقوط أو غيرها من مواعيد الإجراءات إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها “.

يتبين أن هذا النص قرر قاعدة عامة وعددا من الاستثناءات على تلك القاعدة على النحو التالي :

أولا : القاعدة العامة – مبدأ الأثر المباشر للقانون ومبدأ عدم رجعية القانون

نصت هذه المادة على سريان القانون على كل دعوى منظورة أمام المحاكم

ولم يكن قد فصل فيها، وعلى كل إجراء لم يتم قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد وتكون بذلك قد أخذت بمبدأ الأثر المباشر للقانون الذي تخضع له سائر القوانين من حيث سريانها، فهي كغيرها ذات أثر فوري أي أنها تطبق على الدعاوى المستقبلة التي ترفع بعد سريانها، كما تطبق على الدعاوى التي رفعت قبل نفاذها ولم يتم الفصل فيها وكذلك على ما لم يكن قد تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها.

وعلى ذلك يسري القانون الجديد اعتبارا من 5/12/2001 على كل دعوى منظورة أمام المحاكم ولم يكن قد فصل فيها وعلى الإجراءات التي لم تتم قبل هذا التاريخ، فلو كانت دعوى قيمتها (5000) خمسة آلاف دينار مثلا قد سجلت بتاريخ 1/9/2001 لدى محكمة البداية باعتبارها صاحبة الصلاحية بنظر هذه الدعوى وفق القانون القديم ، وكانت المحكمة قد استمعت جزءا من البينة ، فإنها وفق القانون الجديد تصبح غير مختصة بنظر الدعوى اعتبارا من 5/12/2001 ، وعليها وفق المادتين (60و93) إحالة هذه الدعوى إلى محكمة الصلح التي أصبحت مختصة بنظر الدعوى اختصاصا قيميا وفق المادة (39) .

وعلى المحكمة إحالة الدعوى إلى محكمة الصلح طالما لم يتم إقفال باب المرافعة في الدعوى ، أي حتى لو كانت المحكمة قد استمعت البينة كاملة ولم يبق سوى مرافعات الخصوم النهائية .

كما أخذ المشرع الفلسطيني بمبدأ الأثر المباشر للقانون في القانون رقم 5 لسنة 2005 لدى تعديل المادة 39 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية حين خفض الاختصاص القيمي لمحكمة الصلح إلى عشرة آلاف دينار بدلا من عشرين ألفا، فنص في المادة 3 منه على أن ( تحال جميع القضايا المنظورة حاليا أمام محاكم الصلح وأصبحت خارجة عن اختصاصها وفقا لأحكام هذا القانون إلى محكمة البداية إلا إذا كانت محجوزة للمرافعة النهائية أو إصدار الحكم ).

ويلاحظ أن المشرع قد اكتفى بحجز الدعوى للمرافعة النهائية ولو لم تكن قد قدمت فعلا، خلافا لما كان عليه النص الأصلي من ضرورة أن يكون باب المرافعة قد أقفل بحيث أصبحت الدعوى محجوزة للحكم فيها

كما يتبين من هذا النص أيضا أن المشرع أخذ بمبدأ عدم رجعية القوانين صيانة للمراكز القانونية والحقوق المكتسبة التي تمت في ظل القانون القديم، حيث بين في الفقرة الثانية أن كل إجراء تم صحيحا في ظل القانون القديم يبقى صحيحا، حتى لو اعتبره القانون الجديد غير صحيح ما لم ينص القانون الجديد صراحة على خلافذلك.(1) وهذا تطبيق لمبدأ الأثر المباشر للقانون وعدم رجعيته الوارد في صدر الفقرة الأولى من المادة الأولى، فصحة أو بطلان أي إجراء من إجراءات المحاكمة وما يترتب عليه من آثار يكون وفق القانون الساري المفعول بتاريخ اتخاذ هذا الإجراء وتمامه، فإذا كان الإجراء قد تم صحيحا وفق القانون القديم وفي ظله فإن أي تعديل أو تبديل في هذا الإجراء ينص عليه القانون الجديد لا ينطبق على هذا الإجراء الذي تم صحيحا في ظل القانون القديم. أما إذا كان الإجراء قد وقع باطلا في ظل القانون القديم فإنه لا ينقلب صحيحا ولو أصبح كذلك وفق نص القانون الجديد، بل ينبغي اتخاذه مجددا في ظل القانون الجديد ووفقا لأحكامه ، ما لم يرد في القانون الجديد نص صريح على خلاف ذلك ، أي على اعتبار الإجراء الباطل القديم صحيحا .

فمثلا لم يكن قانون أصول المحاكمات الحقوقية لسنة 1952 الملغى يحدد ساعات معينة للتبليغ فكان التبليغ صحيحا حتى لو تم التاسعة ليلا مثلا أو يوم عطلة رسمية ، ولكن المادة (8) من القانون الجديد أوجبت أن يتم التبليغ ما بين السابعة صباحا والسابعة مساء في يوم عمل رسمي ، لذلك إذا جرى التبليغ الساعة التاسعة مساء أو يوم الجمعة مثلا فإنه يكون باطلا . ولكن هذا الحكم لا يسري على التبليغ الذي جرى يوم 4/12/2001 أي قبل بدء سريان القانون الجديد، بل يبقى هذا التبليغ صحيحا وفق القانون القديم لعدم سريان القانون الجديد عليه بأثر رجعي .

ومثال ذلك أيضا أن المادة 61 من القانون الجديد تنص على أنه لا تقبل دعوى في محاكم البداية دون محام مزاول ولم يكن قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يشترط مثل هذا الحكم، فكان يجوز للمدعي تقديم الدعوى لمحكمة البداية والسير فيها بنفسه. لذلك تعد الدعوى المقدمة للمحكمة من غير محام قبل 5/12/2001 صحيحة لأنها كانت صحيحة وفق القانون الذي تمت في ظله، ولكن على الخصم المدعي أن يوكل عنه محاميا مزاولا لمتابعة السير في الدعوى اعتبارا من 5/12/2001 ، ولا يجوز له بعد هذا التاريخ السير في الدعوى بنفسه دون محام .

ويجدر التنبيه هنا إلى الدعاوى التي كانت المحكمة قد قررت السير فيها بحق المدعى عليه غيابيا، حيث يسري عليها القانون الجديد الذي ألغى المحاكمات والأحكام الغيابية ، وأصبح من اللازم أن تصدر الأحكام فيها حضوريا . وهذا يستلزم أن تدقق المحكمة في تبليغ المدعى عليه، فإذا كان المدعى عليه قد تبلغ لائحة الدعوى بالذات تستمر المحكمة في نظر الدعوى وتصدر حكمها حضوريا . أما إذا كان المدعى عليه الغائب لم يتبلغ بالذات، فإن على المحكمة أن تطبق عليه قواعد الحضور والغياب الواردة في القانون الجديد فتعيد تبليغه ثانية. وإذا كانت قد حجزت الدعوى للحكم عليها أن تعيد فتح باب المرافعة من جديد عملا بالمادة (166) من القانون الجديد ، ثم تقرر تبليغ المدعى عليه ثانية للحضور .

أما بخصوص الإجراءات التي تمت في الدعوى قبل حضوره فإنها تعد صحيحة، فإذا كان المدعي قد ختم بينته تكلف المحكمة المدعى عليه بتقديم بينته الدفاعية، ثم تعطي المدعي حق تقديم بينته المفندة (م 119). أما إذا كان المدعي لم يختم بينته بعد، تعد البينة التي قدمها صحيحة وتستمر الدعوى من النقطة التي وصلت إليها .

وكذلك إذا كانت محكمة الاستئناف قد أعادت ملف الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى لسماع بينات إضافية ورفع استنتاجاتها، ورفعت محكمة الدرجة الأولى استنتاجاتها فعلا عملا بالمادتين 224 و225 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية قبل نفاذ القانون الجديد الذي يوجب على محكمة الاستئناف سماع البينات والدفوع عملا بالمادة 220 منه، فإن هذا الإجراء يكون صحيحا ويبقى صحيحا وتفصل محكمة الاستئناف في الطعن وفق الاستنتاجات المرفوعة لها من محكمة الدرجة الأولى إلا إذا قررت عدم الأخذ بها.(2) أما إذا بدأ سريان القانون الجديد قبل أن تسمع محكمة الدرجة الأولى البينات أو بعد سماع البينات وقبل رفع استنتاجاتها لا يكون الإجراء قد تم قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد لذلك فإن عليها أن تعيد ملف الدعوى إلى محكمة الاستئناف لتقوم هي بسماع البينات، فإن خالفت ذلك ورفعت استنتاجاتها لمحكمة الاستئناف على هذه المحكمة أن تصرف النظر عنها وتسمع البينات من جديد بما لها من صلاحية وإلا كان حكمها باطلا. كما لا يجوز لمحكمة الاستئناف بعد سريان القانون الجديد أن تعيد الدعوى لمحكمة الدرجة الأولى لسماع البينات ورفع استنتاجاتها لأن القانون الجديد أوجب عليها أن تسمع هي البينات وتفصل في الدعوى.

وإذا كانت محكمة البداية بصفتها الاستئنافية تختص بنظر الاستئناف المقدم للطعن في حكم صادر عن محكمة الصلح ، ثم صدر قانون جديد ( قرار بقانون) يجعل الاختصاص بنظر هذا الاستئناف لمحكمة الاستئناف ، فإن على محكمة البداية وقد أصبحت لا تملك حق نظره ، إحالة ملف الدعوى إلى محكمة الاستئناف بعد أن أصبحت الجهة المختصة بنظره ، فإن لم تفعل فإن حكمها يغدو واجب النقض لصدوره من غير جهة اختصاص . وتتصدى محكمة النقض لهذه المسألة من تلقاء ذاتها لتعلقها بالنظام العام لما لها من مساس مباشر بالتنظيم القضائي ، ولا يغير من الأمر شيئا أن يعاد الاختصاص لمحاكم البداية بإلغاء القانون ( القرار بقانون) المشار إليه طالما أن الإلغاء أصبح نافذا قبل أن تفصل محكمة البداية في الطعن .(3)

أما بخصوص الاختصاص، إذا قررت محكمة البداية إحالة الدعوى إلى محكمة الصلح نتيجة قواعد الاختصاص الجديدة بأن كانت قيمة الدعوى عند بدء سريان القانون الجديد تقل عن عشرين ألف دينار، فإن محكمة الصلح تسير في الدعوى من النقطة التي وصلت إليها قبل الإحالة. وكذلك الحال إذا قررت محكمة الصلح إحالة الدعوى إلى محكمة البداية نتيجة تعديل قواعد الاختصاص بالقانون رقم 5 لسنة 2005 بأن كانت قيمة الدعوى تزيد على عشرة آلاف دينار، فإن محكمة البداية تسير في الدعوى من النقطة التي وصلت إليها قبل الإحالة عملا بالمادة (124) التي تنص على أنه ” إذا تغير تشكيل هيئة المحكمة أثناء المحاكمة تواصل الهيئة الجديدة النظر في الدعوى من النقطة التي وصلت إليها “. ويجدر الإشارة هنا إلى أن العمل جرى على أن تدون هيئة المحكمة الجديدة قرارا في محضر المحاكمة يقضي بأنه ( نظرا لتبدل الهيئة الحاكمة تقرر المحكمة السير بالدعوى من النقطة التي وصلت إليها ) وهذا القرار هو ترداد لحكم القانون ولا يترتب على إغفاله أي أثر ذلك أن نص المادة 124 المذكور إنما يبين للمحكمة كيفية السير بالدعوى عند تغير الهيئة الحاكمة فيوجهها إلى السير فيها من النقطة التي وصلت إليها دون حاجة لإعادة الإجراءات من جديد، وهذا الأمر ليس بحاجة لقرار من الهيئة، فإذا استمرت الهيئة الجديدة في نظر الدعوى من النقطة التي وصلت إليها دون قرار منها بذلك تكون الإجراءات صحيحة وسليمة.

ويلاحظ أن المادة الأولى تشتمل على فقرة ثالثة تنص على أنه ” لا يجري ما يستحدث في مواعيد السقوط أو غيرها من مواعيد الإجراءات إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها”.

وهذه الفقرة كما يبدو تؤكد المبدأ العام السابق وهو سريان القانون بأثر مباشر، فإذا استحدث القانون الجديد ميعادا للسقوط لم يكن معروفا في القانون القديم فإن هذا الميعاد لا يبدأ سريان مدته إلا من تاريخ سريان القانون الجديد ولا يضاف إليها ما يكون قد انقضى من مدة سابقة وقعت في ظل القانون القديم. والمقصود بمواعيد السقوط المعنى الأعم الذي يشمل كل جزاء من شأنه زوال أثر الإجراء ما دام مترتبا على مخالفة ميعاد.(4)

(1) نقض مدني 7/2008 تاريخ 6/3/2008 ج 4 ص 552 .

(2) نقض مدني 47/2008 تاريخ 29/12/2008 ، مجموعة المبادئ ج 4 ص 250.

(3) نقض مدني 20/2007 ، 22/2007، 33/2007 ، 35/2007 تاريخ 4/2/2008 ، ونقض مدني 16/2007 تاريخ 6/2/2008 ، ونقض مدني 30/2007 تاريخ 7/2/2008 ، ونقض مدني 24/2007 تاريخ 10/7/2008 ، ونقض مدني 19/2007 تاريخ 2/9/2008 ، مجموعة المبادئ ج 4 ص 65 – 87 . وقد صدرت هذه الأحكام بمناسبة إلغاء القرار بقانون رقم 9 لسنة 2006 المعدل لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية المنشور في العدد 64 من الوقائع الفلسطينية ، والذي أصبح نافذا بتاريخ 31/5/2006 وألغي نفاذه بتاريخ 11/6/2007 .

(4) أحمد المليجي، الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، طبعة نادي القضاة، سنة 2005 ، صفحة 123.