المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني

الفصل الثاني

نطاق مسئولية المحامي عن أخطائه المهنية

ندرس في هذا الفصل أركان مسئولية المحامي، ومسئولية المحامي عن أعمال غيره، ومسئولية المحامي في علاقته بغيره من المحامين، ودعوى المسئولية في مباحث أربعة.

المبحث الأول

أركان مسئولية المحامي

يخضع المحامي في المسئولية عن خطئه المهني للأحكام العامة في المسئولية المدنية عن المسئولية العقدية أو المسئولية عن الفعل الضار، لذلك يلزم وجود خطأ مهني، وضرر، وعلاقة سببية بينهما.

المطلب الأول

الخطأ المهني

الخطأ في فقه القانون هو الإخلال بواجب قانوني؛ سواء كان التزاما بمعناه الدقيق – وهو ما يعنينا في مجال البحث في المسئولية العقدية- أو كان واجبا قانونيا عاما فتترتب المسئولية التقصيرية عن الإخلال به.

والخطأ العقدي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه سواء نتج ذلك عن عمد أو عن إهمال.

وخطأ المحامي المهني هو الخطأ الذي يصدر عن المحامي أثناء مزاولته لمهنته؛ ويترتب عليه مخالفة القوانين والأنظمة أو الجهل بها، وكل خرق لواجبات وآداب المهنة وتقاليدها وقواعد السلوك الملزمة، أو الإخلال بالمروءة والشرف والاستقامة والنزاهة، لحق بالعميل منه ضرر مادي أو معنوي.

والخطأ المهني للمحامي هو تقصير في مسلك المحامي لا يقع فيه محام يقظ وجد في ذات الظروف التي أحاطت بالمحامي المسئول.

وقد استقر القضاء على قيام مسئولية المحامي في حالة ارتكابه خطأ مهنيا، متى تحقق هذا الخطأ؛ دون النظر إلى صفته سواء كان جسيما أو يسيرا، متى كان ثابتا وواضحا.

وقد عدت محكمة التمييز الأردنية من الأخطاء المهنية ” كل سلك يعد خروجا عن المألوف من أهل الصنعة في بذل العناية التي تقتضيها أصول المهنة وقواعد المهنة وقواعد الفن). وعلى ذلك فإن خطأ المحامي المهني هو كل خطأ يأتيه المحامي يعد خروجا عن المألوف في مهنة المحاماة؛ وفي بذل العناية التي تقتضيها أصول وقواعد وأعراف مهنة المحاماة.

ومعيار خطأ المحامي المهني هو معيار موضوعي يتمثل في السلوك المألوف لمحام آخر متوسط دون النظر إلى ظروفه الشخصية. وقد نصت المادة الأولى من لائحة آداب مهنة المحاماة على أن الخطأ المهني والمسلكي يشمل:

  • كل مخالفة للقوانين والأنظمة و / أو الجهل بها إذا لحق بالموكل نتيجة لذلك ضرر مادي أو معنوي.
  • كل خرق لواجبات وآداب المهنة وتقاليدها، وقواعد السلوك الملزمة.
  • كل إخلال بالمروءة والشرف والنزاهة والاستقامة واللياقة، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن المهنة.

إثبات الخطأ المهني:

  1. في الالتزام ببذل عناية: وفق القاعدة العامة في الإثبات، على العميل أن يثبت عقد الوكالة وأن المحامي الوكيل لم يبذل العناية اللازمة في تنفيذ التزامه، وأنه قد أهمل أو انحرف عن القواعد والأنظمة والأصول والأعراف المتبعة في مهنة المحاماة، وأنه قد أصابه ضرر نتيجة ذلك، ومقدار هذا الضرر. ويجوز للمحامي أن ينفي مسئوليته بإقامة الدليل على قيامه ببذل العناية اللازمة المتفقة مع أصول مهنة المحاماة. أو أن عدم تنفيذ التزامه يرجع إلى سبب أجنبي أو خطأ الموكل. غير أنه غالبا ما لا يستطيع الموكل إثبات عدم بذل المحامي العناية الواجبة في مواجهة محام خبر العلوم القانونية وإجراءات التقاضي، لذلك يقترح البعض أن يكون الخطأ مفروضا من قبل القانون من جانب المحامي ولكنه قابل لإثبات العكس، بحيث يستطيع المحامي نفي الخطأ المفروض في جانبه بإثبات بذله العناية المطلوبة، وذلك بأن يثبت كفاية دفاعه في المرافعة أو صواب الاستشارة التي قدمها. (13)
  2. في الالتزام بتحقيق غاية/ نتيجة: يعد عدم تنفيذ المحامي لالتزامه خطأ مفترضا غير قابل لإثبات العكس، ويتحمل الموكل عب إثبات عدم تحقق النتيجة التي كان على المحامي القيام بها؛ وإثبات الضرر الذي لحق به نتيجة عدم تحقق النتيجة المرجوة. وينتقل عبء الإثبات للمحامي لإثبات إما أنه نفذ التزامه، أو أن عدم تنفيذ هذا الالتزام يرجع لسبب أجنبي لا يد له فيه.

أهم تطبيقات خطأ المحامي المهني:

  1. إفشاء سر العميل: عدم إفشاء سر المهنة واجب قانوني نصت عليه القوانين، فقد نصت المادة 28 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه يحظر على المحامي ….. (4) أداء شهادة ضد موكله بخصوص الدعوى التي كان وكيلا فيها أو إفشاء سر اؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته المتعلقة بأسرار الموكلين لدى القضاء في مختلف الظروف ولو بهد انتهاء وكالته). ونصت المادة 45 منها على أنه (يحظر على المحامي الجمع ما بين الشهادة والوكالة) بمعنى أنه لا يجوز له كوكيل أن يشهد حتى ولو لصالح موكله أو بموافقة الموكل.

كما نصت المادة 355 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من … (3) كان بحكم مهنته على علم بسر وأفشاه دون سبب مشروع).

غير أن بعض التشريعات المنظمة لمهنة المحاماة، كما في لائحة آداب مهنة المحاماة وقواعد السلوك للمحامين الأردنيين؛ حيث أجازت المادة 25 منها للمحامي إفشاء ما أسر إليه العميل من معلومات في حالات استثنائية هي:

  1. في حال قدم الموكل شكوى ضد المحامي، بالقدر الذي يقتضيه دفع هذه الشكوى.
  2. في حال نية الموكل المعلنة في ارتكاب جريمة بالقدر الذي يؤدي إلى منع ارتكاب الجريمة أو بالقدر الذي يحمي الشخص الذي قد يتعرض للأذى. (لا يوجد عندنا نص قانوني مماثل في لائحة آداب مهنة المحاماة).
  1. التنازل عن التوكيل في وقت غير مناسب: فقد نصت المادة 24 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه (لا يجوز للمحامي أن يتنازل عن التوكيل في وقت غير مناسب، ويجب عليه أن يخطر موكله بكتاب موصى عليه بتنازله عن التوكيل وأن يستمر في إجراءات الدعوى شهرا على الأقل متى كان ذلك لازما للدفاع عن مصالح الموكل).
  2. التراخي في إقامة الدعوى حتى تمضي المدة المسقطة للحق.
  3. إغفال بيان من البيانات الجوهرية في الدعوى أو الطعن التي يحتمها القانون.
  4. عدم حضور المحامي جلسات المحاكمة، ما فوت على موكله فرصة لتجنب الخسارة.
  5. عدم تقديمه دفوعا شكلية أو موضوعية في الدعوى في الوقت المناسب.
  6. عدم إبراز مستند في حوزته يؤثر في سير الدعوى.
  7. التنازل عن حكم صادر لصالح موكله.
  8. عدم إعلام الموكل نتيجة الدعوى.
  9. عدم قيامه بالطعن في الحكم في الميعاد القانوني.
  10. الحضور في دعوى واحدة عن خصمين مختلفي المصلحة.
  11. تصرفه في المبالغ التي تسلمها نيابة عن عميله وعدم تسليمها له. وفي ذلك نصت المادة 38 من لائحة آداب مهنة المحاماة على أنه ( يجب على المحامي إبلاغ موكله فورا بأي مبالغ يحصلها أو يقبضها نيابة عنه، وعليه ألا يتصرف بها، وأن يحافظ عليها محافظته على ماله لحين تسليمها لموكله أو من ينوب عنه، أو القيام بإيداعها باسم موكله في أحد المصارف؛ واحتفاظه بسندات الإيداع، وفي جميع الأحوال لا يقع على المحامي عبء الانتقال إلى موطن الموكل لتسليمه المبالغ الموجودة في حوزته إلا إذا وجد اتفاق على خلاف ذلك، وفي جميع الأحوال يعتبر المحامي قائما بواجبه مجرد إبلاغ الموكل بوجود هذه المبالغ وتبليغه لاستلامها).
  12. تواطئه مع خصم عميله، أو دفاعه عن مصالح متعارضة.
  13. عدم حفظ المستندات المسلمة إليه مما أدى إلى فقدها.
  14. ما نصت عليه المادة 33 من أنه يحظر على المحامي تضليل موكليه أو زملائه أو خصوم موكليه في أية دعاوى أو إجراءات يمثل فيها أو يقوم بها، أو ضرب وعود يعلم مسبقا بعدم إمكانية تنفيذها أو مخالفتها للقانون

(13)(13) المرجع السابق صفحة 163. وهو يرى أن مسئولية المحامي المدنية يجب أن تقوم بمهمتين رئيستين، أولاهما تعويضية هي إعادة التوازن إلى مراكز الأشخاص وذلك بتعويض المضرور على حساب المسئول. والثانية مهمة تربوية تهدف إلى رفع مستوى المحاماة وإدراك المنتسبين لها أهمية دورها في تحقيق العدالة والمصلحة العامة. وأن هذه المهمة الثانية تؤدي إلى زيادة الحرص على تنفيذ الالتزامات بدقة وتقضي على بوادر الإهمال واللامبالاة التي يتصف بها بعض المحامين. صفحة 164.