المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني

الفرع الأول

علاقة المحامي بمن يمثله أمام القضاء

نفرق في هذه الحالة بين ما إذا كان العميل قد اختار محاميه بإرادته وتعاقد معه، أم أن المحامي قام بعمله دون الاتفاق مع من يمثله بتكليف من المحكمة أو نقيب المحامين.

البند الأول

الاتفاق بين المحامي والعميل

إذا قام المحامي بمهمة تمثيل عميله أمام الجهات القضائية بناء على تكليف من العميل واختياره له؛ فإن العلاقة بين المحامي وعميله يكون أساسها عقد الوكالة بالخصومة وفق ما نصت عليه المواد 1516 – 1520 من مجلة الأحكام العدلية. فالمحامي يمثل عميله بموجب وكالة بالخصومة، حيث يقوم برفع الدعوى باسم العميل؛ أو تقديم لائحة جوابية، ويقدم طلبات العميل ودفوعه في الدعوى، ويطعن في الأحكام التي تصدر؛ ويبرم الاتفاق مع خصم عميله كما إذا عقد معه صلحا، أو صدر منه إقرار أو تنازل؛ أو وجه يمينا حاسمة أو ردها على الخصم. وهي وكالة من نوع خاص تخوله رفع الدعوى ومتابعة إجراءاتها أمام المحاكم كافة على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وكذلك لدى المحكمين والنيابة العامة.

والتوكيل بالخصومة في المنازعات القضائية حكر على المحامين دون غيرهم وفق ما نصت عليه المادة (2) من قانون تنظيم مهنة المحاماة بقولها (…. ويزاول المحامون وحدهم مهنة المحاماة ….) . ونصت المادة 20/5 منه على أنه (ب- لا يجوز النظر في الدعاوى أمام محكمة العدل العليا دون محام مزاول ولا تقبل لائحة استئنافية أو لائحة دعوى أو لائحة جوابية أمام محكمة البداية دون أن تكون موقعة من محام مزاول).

كما أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 نص في المادة 61 منه على أنه (لا تقبل دعوى في محاكم البداية أو الاستئناف أو النقض دون محام مزاول).

ودراسة عقد الوكالة بالخصومة يتطلب بيان تكوين عقد الوكالة بالخصومة وخصائصهن والفرق بينه وبين عقد الوكالة العادية.

أولا: تكوين عقد الوكالة بالخصومة

عقد الوكالة بالخصومة كغيره من العقود يتكون بتوافر ثلاثة أركان، هي الرضا والمحل والسبب، فإن تخلف أحد هذه الأركان لا قيام للعقد ويعد باطلا.

1 : الرضا

يشترط أن تكون إرادة كل من العميل والمحامي حرة في قبول أو رفض التعاقد، واتجاه إرادتهما إلى إحداث أثر قانوني مثل قيام المحامي بالترافع أمام المحاكم سواء كان العميل مدعيا أو مدعى عليه. فالموكل يختار المحامي الذي يريد التعاقد معه، ويحق للمحامي قبول أو رفض التوكل. ولكن حرية كل من الموكل والمحامي مقيدة وليست مطلقة في حالتين:

الحالة الأولى: حالة الإجبار التعاقدي، وذلك في حالة التزام المحامي لصالح مجموعة من الشركات أو الجمعيات، كما في حالة وجود عقد بين مؤسسة تجارية للدفاع عنها وعن موظفيها، فبمجرد تعاقد المحامي مع المؤسسة أو الشركة تقيد حريته في حق القبول أو الرفض، إلا في حالة الاعتزال. بينما الموكل حر مطلق في تعيين من يشاء للدفاع عنه.

الحالة الثانية: حالة الإجبار المهني، حيث يجبر المحامي على تقديم المساعدة أو المشورة القانونية دون اختيار من جانبه، لما تفرضه عليه واجبات المهنة؛ إما من نقابة المحامين؛ أو بتكليف من المحكمة في حالة من ثبت فقره.

2 : محل عقد الوكالة بالخصومة

يشترط في التصرف القانوني محل عقد الوكالة بالخصومة ما يأتي:

  1. أن يكون التصرف القانوني ممكنان فإذا كان مستحيلا كانت الوكالة باطلة، كأن يوكله بالطعن في حكم بالاستئناف أو النقض بعد مرور المدة القانونية، أو الطعن في حكم بالاستئناف أو النقض لا يقبل الطعن بحكم القانون.

ما لا يجوز التوكيل في تصرف قاني ممكن ولكن طبيعته لا تقبل التوكيل فيه؛ بل يوجب القانون أن يقوم به صاحبه شخصيا؛ مثل حضور الخصم أمام القضاء للاستجواب أو لحلف اليمين، أو حضور الشخص لأداء الشهادة.

  1. أن يكون التصرف القانوني معينا تعيينا نافيا للجهالة، فمع أنه يجوز في الوكالة العادية أن يكون محل الوكالة قابلا للتعيين، فإن ذلك لا يصلح في وكالة المحامي.
  2. أن يكون التصرف القانوني مشروعا، والتوكيل بالخصومة جائز، وقد حصر القانون الحضور أمام القضاء في المحامين المزاولين في محاكم البداية والاستئناف والنقض والعدل العليا.

غير أن قانون تنظيم مهنة المحاماة ولائحة آداب مهنة المحاماة منعا المحامي من أن يقبل الوكالة عن طرفين متخاصمين في دعوى واحدة، وضد موكله بمقتضى وكالة عامة، وضد شخص كان وكيلا عنه؛ في ذات الدعوى أو الدعاوى المتفرعة عنها ولو بعد انتهاء وكالته، وضد جهة سبق أن أطلعته على مستنداتها الثبوتية ووجهة دفاعها مقابل أتعاب استوفاها منها سلفا.

كما حظر على المحامي السعي لجلب أصحاب القضايا أو الزبائن بواسطة الإعلانات أو باستخدام الوسطاء مقابل أجر أو منفعة، وكذلك إعطاء رأي أو مشورة لخصم موكله في دعوى سبق له أن قبل الوكالة فيها أو في دعوى ذات علاقة بها؛ ولو بعد انتهاء وكالته.

3 :السبب في عقد الوكالة بالخصومة

لا يختلف عقد الوكالة بالخصومة عن غيره من العقود في أن يكون له سبب، حيث يسعى الموكل إلى أن يمثله المحامي في الدفاع عنه وعن مصالحه وحمايته. كما أن السبب بالنسبة للمحامي يتمثل في الأتعاب التي يهدف الحصول عليها من العميل.