المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني

ثانيا: خصائص عقد الوكالة بالخصومة

يتبين من طبيعة عقد الوكالة بالخصومة أنه يتسم بعدد من الخصائص وذلك:

  1. من حيث تنظيم عقد الوكالة بالخصومة، فرغم أنه من العقود التي يكثر تداولها بين الناس؛ إلا أن المشرع لم ينظمه بقواعد تفصيلية كباقي العقود، بل اكتفى بوضع بعض القيود التي يجب مراعاتها عند إبرام العقد وتنفيذه من قبل المحامي والعميل.
  2. من حيث طريقة تكوينه، فهو عقد شكلي يوجب القانون إفراغه في سند مكتوب؛ رغم أنه عقد رضائي، فلا يسمح للمحامي بالترافع أمام المحاكم دون إبراز وكالة مكتوبة. رغم وجود حالات استثنائية لا تشترط فيها الشكلية مثل حالة الاستشارة القانونية.
  3. من حيث آثاره، فهو عقد غير لازم بحيث يستطيع المحامي أن يعتزل عن العمل المتفق عليها دون أن يبدي الأسباب لذلك؛ ودون أن يقوم بإرجاع المبالغ التي قبضها من العميل؛ وإن كان مقيدا في حالة واحدة فقط وهي أن لا يتم الاعتزال في وقت غير مناسب. كما أن للعميل الحق في عزل المحامي بإرادته المنفردة، وفي هذه الحالة يلتزم بدفع الأتعاب المتفق عليها.
  4. عقد الوكالة بالخصومة من عقود المعاوضة، لأن كلا من الطرفين يقدم للآخر عوضا عما يأخذه منه، فالعميل يلتزم بدفع الأتعاب المتفق عليها، مقابل قيام المحامي ببذل العناية التي اتفق عليها مع العميل والتي تتطلبها القواعد القانونية والأصول والأعراف المهنية المتبعة في مهنة المحاماة.
  5. من حيث تنفيذه، فهو من العقود المستمرة؛ بمعنى أن تنفيذه لا يكون فورا، فالدفاع عن الموكل غالبا يستغرق فترة من الزمن تطول أو تقصر كرفع الدعوى والاستئناف والنقض والتنفيذ. بينما في حالة تقديم الاستشارة أو تنظيم عقد فإنه يكون عقدا فوريا.
  6. وهو من العقود الاحتمالية، لأن المحامي يقوم بجميع الإجراءات دون أن يؤكد للموكل ربح أو خسارة قضيته، لأن مهمة الفصل في الدعاوى هي وظيفة القضاء وليس المحامي.
  7. هو عقد مدني، لأن مهنة المحاماة من الناحية العملية هي مهنة حرة، وقانون تنظيم مهنة المحاماة يمنع المحامي من احتراف العمل التجاري، أو حتى تمثيل الشركات في أعمالها التجارية.
  8. عقد قائم على الاعتبار الشخصي، حيث لشخص المحامي اعتبار في لجوء العميل له.

ثالثا: الفرق بين عقد الوكالة بالخصومة والوكالة العادية

يتميز عقد الوكالة بالخصومة عن غيره من عقود الوكالة العادية من نواح عدة منها:

  1. الأصل في الوكالة العادية أنها تبرعية ؛ كما في وكالة السيد لخادمه؛ وقد تكون مأجورة بالاتفاق. بينما وكالة المحامي مأجورة دائما.
  2. الوكالة العادية قد تكون ضمنية مثل وكالة الزوج لزوجته، بينما وكالة المحامي يجب أن يكون التعبير عن الإرادة صراحة.
  3. يكفي في الوكالة العادية التي يعمل فيها الوكيل باسم الموكل أن يكون الوكيل مميزا؛ فيجوز توكيل قاصر أو محجور عليه، بينما في الوكالة بالخصومة يجب أن يكون الوكيل كامل الأهلية وتتوافر فيه الشروط القانونية الأخرى لممارسة مهنة المحاماة.
  4. القاعدة العامة في الوكالة أن يخضع الوكيل لتعليمات وتوجيهات موكله؛ وأن من حق الموكل أن يملي على الوكيل شروطه بخصوص طريقة تنفيذ الوكالة. في حين أن المحامي كما سبق ورأينا – مستقل بعمله؛ ولا سلطان عليه في مزاولته لمهنة المحاماة إلا ضميره وأحكام القانون.
  5. استثناء من قاعدة التزام الوكيل حدود الوكالة يجوز للوكيل العادي الخروج عن حدود الوكالة المرسومة بشرطين: 1- أن الموكل ما كان إلا أن يوافق على تصرف الوكيل. 2- وأنه كان من المستحيل على الوكيل أن يخطر الموكل سلفا بخروجه عن الحدود المرسومة للوكالة؛ ولو أنه تراخى عن عقد الصفقة حتى يخطر الموكل لضاعت عليه؛ فأقدم على عقدها قبل هذا الإخطار حيث يعتبر الوكيل في هذه الحالة نائبا عن الموكل حتى فيما جاوز فيه حدود الوكالة بموجب إرادة مفترضة أقامها القانون. بينما يجب على المحامي أن يلتزم حدود الوكالة وأي تصرف خارج عنها يعتبر باطلا. (7)
  6. القاعدة العامة في النيابة الاتفاقية أن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، غير أن هذه القاعدة لا تصلح في حالة الوكالة بالخصومة، بل يعد كل إجراء يتخذه المحامي غير وارد في الوكالة باطلا.
  7. الوكالة العادية يمكن أن تنعقد شفويا مثل وكالة الشريك على الشيوع في إدارة المال الشائع؛ ويجوز إثباتها بمبدأ ثبوت بالكتابة معززا بالبينة أو القرائن؛ أو بالإقرار أو اليمين. بينما الوكالة بالخصومة يجب أن تكون مكتوبة ومصادقا على صحة توقيع الموكل فيها من قبل المحامي الوكيل، أي أنها تعد سندا رسميا. وفي ذلك نصت المادة 20/4 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه (… لا يحق لأي محام الظهور لدى أية محكمة إلا بموجب وكالة خطية موقعة من موكليه ومصادق عليها من قبله أو من قبل مرجع مختص قانونا …).
  8. في الوكالة العادية يختصم الوكيل نفسه مع ذكر صفته كوكيل فيقال (فلان الوكيل عن فلان)، أما في وكالة المحامي فيختصم الموكل نفسه ويحضر عنه المحامي بصفته وكيلا عنه فيقال (فلان …, وكيله المحامي فلان).
  9. عزل الوكيل المحامي يختلف أثره عن عزل الوكيل بأجر إذا لم يكن محاميا، ففي عزل الوكيل العادي يلزم الموكل بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحق به إذا عزله في وقت غير مناسب وبغير عذر مقبول. أما عزل المحامي دون سبب مشروع بعد المباشرة بعمله يترتب عليه وجوب دفع كامل الأتعاب المتفق عليها؛ كما لو كان قد أنهى العمل لصالح موكله.
  10. الوكالة العادية تخضع لأحكام القانون المدني، بينما أحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة وهو قانون يتضمن قواعد خاصة تقيد أحكام الوكالة في القانون المدني.

(7)(7) السنهوري صفحة 454.