تعليق على المادة 16 من قانون التنفيذ

أ.د. عثمان التكروري

تنص المادة 16 من قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005 على أنه (لا يجوز للغير أن يؤدي المطلوب بموجب السند التنفيذي ولا أن يجبر على أدائه إلا بعد إخطار المدين بالعزم على التنفيذ قبل وقوعه بسبعة أيام على الأقل).

وهذا النص منقول عن المادة 285 من قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنى 1968 التي تنص على أنه (لا يجوز للغير أن يؤدي المطلوب بموجب السند التنفيذي ولا أن يجبر على أدائه إلا بعد إعلان المدين بالعزم على هذا التنفيذ قبل وقوعه بثمانية أيام على الأقل).

ويقصد بالغير في هاتين المادتين، المحجوز لديه في حجز ما للمدين لدى الغير، فالمال محل التنفيذ يكون في ذمة هذا الشخص للمحجوز عليه، وتؤدي إجراءات الحجز إلى إلزامه بعدم الوفاء للمحجوز عليه.

حيث نصت المادة 70 من قانون التنفيذ على أنه (1- يجوز لكل دائن بيده سند تنفيذي أن يطلب من دائرة التنفيذ حجز ما يكون لمدينه من نقود وأموال وديون لدى شخص ثالث)

ونصت المادة 325 مرافعات على أنه (يجوز لكل دائن بدين محقق الوجود حال الأداء أن يحجز ما يكون لمدينه لدى الغير من المنقولات أو الديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط).

ويتناول الحجز وفق نص المادتين (كل دين ينشأ للمدين في ذمة المحجوز لديه إلى وقت التقرير بما في ذمته ما لم يكن موقعا على دين بذاته).

ويجري الحجز وفق المادة 72 تنفيذ والمادة 328 مرافعات بإخطار/ إعلان المحجوز لديه ورقة حجز تشمل بيانات معينة منها؛ منعه من الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه إياه، وتكليفه بالتقرير بما في ذمته خلال مدة معينة، هي عشرة أيام وفق قانون التنفيذ خمسة عشر يوما وفق قانون المرافعات.

ويكون إبلاغ الحجز إلى المدين وفق المادة 74 من قانون التنفيذ، بورقة تبليغ تشتمل على صورة من ورقة الحجز المبلغة إلى الشخص الثالث المحجوز لديه، خلال السبعة أيام التالية لتبليغه إلى المحجوز لديه. بينما يكون إبلاغ الحجز إلى المحجوز عليه وفق المادة 332 من قانون المرافعات بنفس ورقة الحجز بعد إعلانها إلى المحجوز لديه خلال الثمانية أيام التالية لإعلانه إلى المحجوز لديه وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن.

وبالرجوع إلى المادة 16 محل التعليق، نجد أن عبارة (لا يجوز للغير أن يؤدي المطلوب.. ولا أن يجبر على أدائه) تفيد بأن للمحجوز لديه أداء المطلوب إراديا، كما قد يجبر على أدائه شرط أن يبلغ المحجوز عليه بالعزم على هذا الأداء الإرادي أو الجبري؛ قبل مدة معينة من التنفيذ.

غير أنها لا تبين الشخص أو الجهة التي يعزم الوفاء لها، ما يستوجب البحث عنها في نصوص القانون الأخرى.

وبالتدقيق في قانون التنفيذ لا نجد نصا واضحا، في حين أوجبت المادة 339 من قانون المرافعات المصري على المحجوز لديه أن يقرر بما في ذمته في قلم كتاب محكمة المواد الجزئية التابع هو لها خلال الخمسة عشر يوما التالية لإعلانه بالحجز. ونصت المادة 344 منه على أنه (يجب على المحجوز لديه بعد خمسة عشر يوما من تاريخ تقريره أن يدفع إلى الحاجز المبلغ الذي أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز وذلك متى كان حقه وقت الدفع ثابتا بسند تنفيذي وكانت الإجراءات المنصوص عليها في المادة 285 قد روعيت).

ومن ناحية أخرى أجازت المادة 335 للمحجوز عليه أن يرفع الدعوى بطلب رفع الحجز أمام قاضي التنفيذ الذي يتبعه ورتبت على إبلاغ المحجوز لديه بالدعوى منعه من الوفاء للحاجز إلا بعد الفصل في الدعوى. كما نصت المادة 336 على أن الحجز لا يوقف استحقاق الفوائد على المحجوز لديه، ولا يمنعه من الوفاء ولو كان الحجز مدعى ببطلانه، ويكون الوفاء بالإيداع في خزانة المحكمة التابع لها المحجوز لديه. وهذا الإيداع وفق المادة 337 يغني عن التقرير بما في الذمة إذا كان المبلغ المودع كافيا للوفاء بدين الحاجز.

وقررت محكمة النقض في الطعن رقم 460 تاريخ 5/1/1977 سنة 42 قضائية بأن (مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 336 من قانون المرافعات أنه وإن كان من آثار حجز ما للمدين لدى الغير منع المحجوز عليه من تسلم المال من المحجوز لديه، إلا أن ذلك لا يقضي منعه من اتخاذ الوسائل التحفظية للمحافظة عليه، فأجيز للمحجوز عليه مطالبة المحجوز لديه بأن يودع ما في ذمته خزانة المحكمة التي يتبعها كي يأمن من إعساره مستقبلا، كما أجيز للمحجوز لديه أن يقوم بهذا الإيداع من تلقاء نفسه إبراء لذمته وتفاديا لسريان الفوائد عليه، مما مفاده أن الإيداع ليس وجوبيا على المحجوز لديه، وإنما هو أمر جوازي له أن يتبعه متى اقتضت مصلحته ذلك).

ويستفاد مما تقدم أن قانون المرافعات المصري يوجب على المحجوز لديه بعد أن يقرر بما في ذمته للمحجوز عليه، يدفع إلى الحاجز المبلغ الذي أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز، ما لم يرفع المحجوز عليه دعوى لرفع الحجز حيث يمتنع على المحجوز لديه الوفاء للحاجز الذي تبلغ بالدعوى إلا بعد الفصل في الدعوى. وأجازت له أن يودع المبلغ في خزانة المحكمة حتى يبرأ ذمته ويتفادى سريان الفوائد عليه.

فإذا عدنا إلى قانون التنفيذ نجد أن المادة 76/1 توجب على الشخص الثالث أن يقر بما في حيازته من أموال المدين وبما في ذمته من ديون بمقتضى محضر يجري تحريره في دائرة التنفيذ خلال العشرة أيام التالية لتبليغه بالحجز. وأن المادة 78/1 توجب عليه بعد سبعة أيام من تاريخ إقراره أن يسلم إلى دائرة التنفيذ الأموال والديون التي أقر بها أو ما يفي منها بحق الحاجز.

وبالمقارنة بين القانونين، نجد أن قانون المرافعات المصري يجيز للغير المحجوز لديه أن يؤدي ما في ذمته للحاجز أو أن يودعه خزانة المحكمة وهذا الإيداع يغني عن التقرير بما في الذمة إذا كان المبلغ المودع كافيا للوفاء بدين الحاجز. كما يجيز له أن يكتفي بالتقرير بما في ذمته حتى انتهاء الدعوى وفي هذه الحالة فإن الحجز لا يوقف سريان الفوائد عليه. في حين أن قانون التنفيذ يوجب على الغير المحجوز لديه أن يسلم ما أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز إلى دائرة التنفيذ، ولا يجيز له أداء ما في ذمته للحاجز. بمعنى أن المادة 16 من قانون التنفيذ المنقولة عن المادة 285 من قانون المرافعات المصري زائدة ولا تطبيق لها في الواقع ويجب حذفها.