تعليق على حكم الهيئة العامة للمحكمة العليا رقم 4 لسنة 2015

المحامي أ.د. عثمان التكروري

قاضي المحكمة العليا سابقا

يتم تحديد أجر العامل في عقد العمل، وقد درج غالب أصحاب العمل عند إبرام عقود العمل؛ على تحديد هذا الأجر مبلغا واحدا دون تفصيل؛ سواء كان أجرا باليوم مثل 100 شيكل يوميا؛ أو بالشهر مثل 3000 شيكل شهريا. بينما نجد أن بعض أصحاب العمل كالبنوك وشركات التأمين والشركات الكبرى، والجامعات المحلية، تضع نظاما للعمل تحدد فيه جدولا للأجور يشمل الأجر الأساسي لكل عمل لديها؛ بالإضافة إلى علاوات وبدلات أخرى؛ مثل علاوة السكن؛ وعلاوة الزوجة والأولاد؛ وعلاوة غلاء المعيشة؛ وبدل المواصلات… وغيرها. وقد يربو مجموع هذه العلاوات والبدلات في قيمته على الأجر الأساسي.

لذلك عرفت المادة الأولى من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 الأجر الأساسي بأنه: هو المقابل النقدي و/أو العيني المتفق عليه الذي يدفعه صاحب العمل للعامل مقابل عمله، ولا تدخل في ذلك العلاوات والبدلات أيا كان نوعها. أما الأجر فيعنى به الأجر الكامل وهو الأجر الأساسي مضافا إليه العلاوات والبدلات.

وفي بيان مقدار التعويض عن إصابة العمل نصت المادة 120 من قانون العمل المذكور على أنه:

  1. إذا أدت إصابة العمل إلى الوفاة أو نتج عنها عجز كلي دائم استحق الورثة في الحالة الأولى والمصاب في الحالة الثانية تعويضا نقديا يعادل أجر (3500) ثلاثة آلاف وخمس مائة يوم عمل أو 80% من الأجر الأساسي عن المدة المتبقية حتى بلوغه سن الستين أيهما أكثر.
  2. إذا ترتب على إصابة العمل عجز جزئي دائم يستحق المصاب تعويضا نقديا يعادل نسبة العجز إلى العجز الكلي الدائم.
  3. إذا ترتب على إصابة العمل أكثر من عجز جزئي دائم يستحق المصاب تعويضا نقديا عن مجموع نسب العجز بما لا يتجاوز التعويض المقرر للعجز الكلي الدائم.

وتطبيق المعادلتين الواردتين في المادة 120 من قانون العمل؛ يفترض أن الأجر المتفق عليه في عقد العمل يتكون من أجر أساسي مضافا إليه علاوات وبدلات أخرى، وفي هذه الحالة يحسب التعويض مرتين الأولى وفق المعادلة الأولى وهي ( أجر العامل المصاب/ الكلي) × ( 3500 يوم عمل) × (نسبة العجز الدائم الجزئي)، والمرة الثانية وفق المعادلة الثانية وهي ( 80% من الأجر الأساسي) × المدة المتبقية حتى بلوغ سن الستين) × ( نسبة العجز الدائم الجزئي)، ويؤخذ بأيهما أكثر. ولا خلاف بين المحاكم في هذه الحالة.

ولكن تطبيق نص المادة 120 المذكورة كان محل اجتهاد في حالة كون الأجر المتفق عليه في عقد العمل هو مبلغ واحد دون تفصيل، وهل يعد هذا الأجر ( أجرا كليا) فتطبق المعادلة الأولى فقط، كما ذهبت إليه محكمة النقض في حكمها الصادر بتاريخ 18/12/2012 في النقض المدني رقم 785/2012 حيث جاء فيه (… ولما كان المدعي قد بين في البند الأول من لائحة الدعوى أن أجره الشهري هو 1000 شيكل دون تفصيل فيما إذا كان هناك أجر أساسي وعلاوات؛ فإن هذا الأجر يعد أجرا إجماليا – أي كليا- ، ويكون حساب التعويض المستحق له عن إصابة العمل وفقا للمعادلة الأولى فقط وليس وفق المعادلة الثانية…)؟ أم أنه يعد أجرا أساسيا كما جاء في حكم النقض رقم 889/2012 و7/2013 الصادر بتاريخ 19/5/2015 ، والذي جاء فيه ( إن الأصل في ما يتقاضاه العامل بدل أجر هو الأجر الأساسي وأن على رب العمل أن يثبت أن الأجر الذي يتقاضاه العامل يشمل العلاوات والبدلات)، وبالتالي تطبق المعادلة الثانية لحساب التعويض ؟ أم تطبق المعادلتان معا ويؤخذ بالأكثر؟

وقد أدى هذا التناقض في الأحكام إلى اجتماع الهيئة العامة للمحكمة العليا بتاريخ 14/6/2015 حيث أصدرت حكمها رقم 4 لسنة 2015، لرفع التناقض في أحكام محكمة النقض المدنية بشأن تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة 120 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000، المتصلة باحتساب التعويض عن نسبة العجز الدائم الجزئي.

وقد قررت الهيئة العامة في حكمها المذكور مبدأين:

المبدأ الأول: أن احتساب التعويض عن العجز الدائم الجزئي يجري مرة على أساس المعادلة الأولى المنصوص عليها في الفقرة الأولى منها وهي: ( أجر العامل المصاب) مضروبا ( بثلاثة آلاف وخمس مائة يوم عمل) مضروبا ( بنسبة العجز الدائم الجزئي)، ومرة على أساس المعادلة الثانية المنصوص عليها في الفقرة الأولى منها وهي ( 80% من الأجر الأساسي) مضروبا ( بالمدة المتبقية حتى بلوغ سن الستين) مضروبا ( بنسبة العجز الدائم الجزئي) ويؤخذ بأيهما أكثر.

والمبدأ الثاني: أن الأصل في ما يتقاضاه العامل بدل أجر هو الأجر الأساسي، وأن على رب العمل أن يثبت أن الأجر الذي يتقاضاه العامل يشمل العلاوات والبدلات.

ونحن نتفق مع ما قررته الهيئة العامة في المبدأ الأول، باعتباره تفسيرا سليما لنص الفقرة الثانية من المادة 120 من قانون العمل، بل إن هذا التفسير مسلم به في أحكام محكمة النقض ولم يكن هناك تناقض بالنسبة لهذا المبدأ في جميع الأحكام التي أصدرتها.

ذلك أن التناقض في أحكام محكمة النقض – كما رأينا – كان في مسألة متى تطبق كل معادلة من المعادلتين الواردتين في المادة 120 من قانون العمل، وقد نتج هذا التناقض عن اختلاف اجتهاد هيئات المحكمة في مسألة ما إذا كان الأجر الذي يتقاضاه العامل هو ( الأجر الكامل) وفق تعريف المادة الأولى من قانون العمل، أم هو ( الأجر الأساسي) وفق تعريف المادة المذكورة من ناحية، وعلى من يقع عبء إثبات ذلك من ناحية أخرى. وقد رجحت الهيئة العامة للمحكمة العليا في المبدأ الثاني الذي قررته، أن الأصل في ما يتقاضاه العامل هو بدل الأجر الأساسي، كما رتبت على رب العمل عبء إثبات أن الأجر الذي يتقاضاه العامل يشمل العلاوات والبدلات.

ونحن نرى أن ما توصلت إليه أكثرية الهيئة العامة للمحكمة العليا محل نظر، للأسباب الآتية:

  1. إن المادة الأولى من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 فيما يتعلق بالتعريفات، قد فرقت بين الأجر المقصود في المعادلة الأولى الواردة في المادة 120؛ وبين الأجر الأساسي الوارد في المعادلة الثانية من المادة المذكورة. حيث عرفت الأجر بأنه الأجر الكامل…. أي الكلي أو الإجمالي، بينما عرفت الأجر الأساسي بأنه المقابل الذي يدفعه صاحب العمل للعامل مقابل عمله ولا تدخل في ذلك العلاوات والبدلات أيا كان نوعها.
  2. وفقا لتعريف قانون العمل للأجر والأجر الأساسي والتفريق بينهما، فإنه لا يجوز عقلا ومنطقا وقانونا أن يعتبر المقابل النقدي الذي يدفعه صاحب العمل للعامل مقابل عمله أجرا ( كاملا) وأجرا أساسيا في الوقت ذاته، بحيث يتخذ أساسا لحساب التعويض المستحق للعامل المصاب وفق المعادلتين المنصوص عليهما في المادة 120 من القانون المذكور، بل يلزم لتطبيق المعادلة الثانية ( 80%) أن يكون هناك نوعان من الأجر؛ أحدهما أجر كامل؛ والآخر أجر أساسي – مضافا إليه علاوات وبدلات -، فيحسب التعويض وفق المعادلة الأولى ( 3500 يوم) وفق الأجر الكامل، ويحسب التعويض وفق المعادلة الثانية (80%) وفق الأجر الأساسي، ثم يحكم بالمبلغ الأكبر. ولذلك لا يجوز في حال الاتفاق على مبلغ واحد كأجر أن يحسب التعويض عن إصابة العمل وفق المعادلتين، بل يلزم أن يحسب على معادلة واحدة منهما فقط، سواء كانت المعادلة الأولى باعتباره أجرا كاملا، أم المعادلة الثانية باعتباره أجرا أساسيا.
  3. لا يصح قانونا القول بأن المقابل النقدي الذي يدفعه صاحب العمل للعامل بأنه أجر أساسي؛ إلا إذا كان العامل وفق عقد العمل يتقاضى بالإضافة إلى هذا المقابل النقدي؛ علاوات وبدلات أخرى أيا كان نوعها. أما إذا كان عقد العمل لا يتضمن سوى مبلغا واحدا فقط فإنه يكون أجرا كاملا وليس أجرا أساسيا.
  4. الأصل أن على المدعي؛ العامل المصاب، أن يحدد الوقائع والطلبات في لائحة الدعوى بشكل واضح ومفصل، بمعنى أنه لو كان يتقاضى أجرا أساسيا بالإضافة إلى علاوات وبدلات أخرى؛ فإن عليه أن يذكر ذلك في لائحة الدعوى؛ مبينا مقدار الأجر الأساسي ونوع العلاوات والبدلات التي يتقاضاها ومقدار كل منها؛ ليصل إلى الأجر الكامل. ولما كان العامل لم يدع أن ما يتقاضاه هو أجر أساسي؛ فإن الهيئة العامة تكون قد حكمت له بما لا يدعيه، وهو أمر غير جائز ومخالف للقانون.
  5. إن ما قررته الهيئة العامة في حكمها بأن الأصل في ما يتقاضاه العامل بدل أجر هو الأجر الأساسي، وأن على رب العمل أن يثبت أن الأجر الذي يتقاضاه العامل يشمل العلاوات والبدلات، يتناقض تماما مع القاعدة المسلم بها وهي أن البينة على المدعي؛ وهو هنا العامل. فما دام أن الأجر المتفق عليه في عقد العمل هو مبلغ واحد فقط، فإن ما قررته الهيئة العامة هذا يبقي السؤال قائما: ما هي العلاوات والبدلات الأخرى التي يتقاضاها هذا العامل والتي يلزم أن تضاف لهذا المبلغ حتى نصل إلى الأجر الكامل؟ والإجابة على هذا السؤال تقع على عاتق العامل وليس على عاتق صاحب العمل، وهو ما لم يدعيه العامل في لائحة دعواه. بينما القول بأن ما يتقاضاه العامل هو بدل الأجر الكلي؛ لا يثير مثل هذا السؤال.
  6. إن اعتبار ما يتقاضاه العامل بدل الأجر الأساسي وفق ما قررته الهيئة العامة، يقصر احتساب التعويض على المعادلة الثانية فقط دون المعادلة الأولى، لأنه – كما قلنا- لا يجوز أن يعتبر هذا البدل أجرا أساسيا وأجرا كاملا في الوقت ذاته. وهذا يتنافي مع غاية المشرع وحكمة التشريع. فالمشرع بتقرير التعويض للعامل المصاب أراد ضمان حد أدنى لكل عامل مصاب مهما بلغ عمره؛ فقرر احتساب التعويض وفق المعادلة الأولى، ولكن أخذ في الاعتبار أن بعض العمال يتقاضى أجرا أساسيا بالإضافة إلى علاوات وبدلات أخرى، لذلك راعى العامل المصاب صغير السن في هذه الحالة؛ فاوجب تطبيق المعادلة الثانية، ويتبين ذلك من المثال التالي:

لو أصيب عاملان في حادث عمل، وكان كل منهما أجره 100 شيكل يوميا، بينما كان عمر الأول 30 عاما وعمر الثاني 58 عاما، وكانت نسبة العجز التي أصيب بها كل منهما 20%.

  1. إذا اعتبر الأجر لكل منهما أجرا كليا، فإن كلا منهما يستحق تعويضا عن العجز الجزئي الدائم مقداره ( 3500 يوم × 100 شيكل الأجر اليومي× 20% نسبة العجز = 70000 شيكل).
  2. إذا اعتبر الأجر لكل منهما أجرا أساسيا، فإن الأول يستحق ( 80 شيكل× 10950 يوم حتى يبلغ سن الستين × 20% نسبة العجز = 175200 شيكل) بينما يستحق الثاني ( 80 شيكل× 730 يوم حتى يبلغ سن الستين × 20% = 11680 شيكل فقط) .
  3. أما إذا كان العامل المصاب قد تجاوز سن الستين فإنه إذا اعتبر الأجر الذي يتقاضاه أساسيا، لا يستحق أي تعويض مهما كانت نسبة العجز التي لحقت به. بل لا يستحق ورثته أي تعويض وفق الفقرة الأولى من المادة 120، في حال وفاته نتيجة هذه الإصابة. الأمر الذي يتنافى مع المنطق وما هدف إليه المشرع من نص المادة المذكورة. ولا يرد القول بأن الأجر في هذه الحالة يعد كليا/ إجماليا، لأن ذلك يتناقض مع المبدأ الذي قررته الهيئة العامة.

يتبين من كل ذلك أن ما قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض في المبدأ الثاني بأن الأصل أن ما يتقاضاه العامل بدل أجر هو الأجر الأساسي مخالف للتفسير القانوني الصحيح لنص المادة 120 من قانون العمل، وأنه على محكمة الموضوع أن ترجع إلى عقد العمل وما يذكره العامل المصاب في لائحة دعواه بخصوص الأجر، فإن ذكر أن أجره مبلغا واحدا دون تفصيل؛ اعتبر أجرا كليا واقتصر على تطبيق المعادلة الأولى ( 3500 يوم × الأجر اليومي× نسبة العجز) ، أما إن كان العامل المصاب قد بين في لائحة الدعوى أنه يتقاضى أجرا أساسيا بالإضافة إلى علاوات وبدلات أخرى بين مقدار كل منها، فإن المحكمة في هذه الحالة تحتسب مقدار التعويض وفق المعادلتين الأولى والثانية؛ وتحكم له بالمبلغ الأكثر. وأن المبدأ الذي قررته محكمة النقض في حكمها الصادر بتاريخ 18/12/2012 في النقض المدني رقم 785/2012 الذي جاء فيه ( … ولما كان المدعي قد بين في البند الأول من لائحة الدعوى أن أجره الشهري هو 1000 شيكل دون تفصيل فيما إذا كان هناك أجر أساسي وعلاوات؛ فإن هذا الأجر يعد أجرا إجماليا – أي كليا وفق تعريف الأجر في المادة الأولى من قانون العمل – ويكون حساب التعويض المستحق له عن إصابة العمل وفقا للمعادلة الأولى فقط وليس وفق المعادلة الثانية…) هو التطبيق السليم والذي يتفق وحكم القانون.

ولما كان حكم الهيئة العامة محل التعليق؛ رغم ما فيه من عوار، ملزم لجميع المحاكم بما في ذلك محكمة النقض، لذلك نرى أن على محكمة النقض أن ترفع هذه المسألة في أي طعن يقدم إليها للهيئة العامة للمحكمة العليا لإعادة النظر في المبدأ الذي قررته، ولا ضير في ذلك لأن تصويب الخطأ أولى من الاستمرار فيه.

ومن الجدير ذكره أن قرار الهيئة العامة لمحكمة النقض يسري في العلاقة بين العامل وصاحب العمل فقط، أما بالنسبة لشركة التأمين التي أمن صاحب العمل عماله لديها بخصوص إصابات العمل، ولما كان من المقرر قانونا أن شركة التأمين تلتزم في حدود ما ورد في وثيقة التأمين فقط؛ بصرف النظر عن مدى مسئولية صاحب العمل المؤمن له؛ وأن أجور العمال المؤمن عليهم الواردة في وثيقة التأمين هي الأجور الكاملة / الإجمالية المصرح بها من صاحب العمل والتي يجري وفقا لها حساب أقساط التأمين المستحقة للشركة، لذلك فإن التزام شركة التأمين بالتعويض في جميع الأحوال يكون وفق المعادلة الأولى الواردة في المادة 120 من قانون العمل فقط؛ وهي (أجر 3500 يوم× نسبة العجز). وفي حال كان مبلغ التعويض وفق المعادلة الثانية هو الأكبر، يخصم ما تلتزم به شركة التأمين من مبلغ التعويض المستحق للعامل المصاب، ويلزم صاحب العمل بالمبلغ الباقي. غير أن ما جرت عليه المحاكم أيضا هو اعتبار المبلغ الوارد في وثيقة التأمين هو أجر أساسي أسوة بصاحب العمل، ومن ثم تطبيق المعادلتين وإلزام شركة التأمين بالمبلغ الأكبر خلافا للتطبيق السليم للقانون، وهو ما يستوجب إعادة النظر فيه كذلك؛ حتى في حالة إصرار الهيئة العامة على ما سبق وقررته وعدم عدولها عنه.