تعليق على قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير الدستوري رقم 1/2016

وبخصوص المسألة محل البحث، ولما كان اختصاص المحكمة الدستورية بتفسير نصوص القانون مشترط فيه حصول التنازع بين السلطات حول حقوقها وواجباتها واختصاصاتها؛ عملا بالمادة 24/1 من قانون المحكمة الدستورية رقم 3 لسنة 2006، فإن مجرد صدور قرار من رئيس الدولة بتعيين قاض في منصب نائب رئيس المحكمة العليا/ نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى؛ والطعن في هذا القرار لدى المحكمة العليا المختصة لأن هذا التعيين مخالف لقانون السلطة القضائية لأنه لا يستند إلى تنسيب من مجلس القضاء الأعلى، لا يعد سببا لتقديم طلب تفسير لنصوص القانون لدى المحكمة الدستورية، لذلك فإننا نرى أن الشرط الثاني الذي ذكرته المحكمة في قرارها لتقرير اختصاصها غير متوفر، لأن الرئيس أصدر قراره بناء على تنسيب صادر عن مجلس القضاء الأعلى اعتبره الطاعن تنسيبا غير قانوني وطعن في صحته، وبالتالي لا يوجد تنازع بين السلطات حول اختصاصاتها، وإنما خلاف بين الخصوم حول توفر شروط القانون في القرار المطعون فيه.

كما أن المحكمة وهي بصدد تفسير نص المادتين محل الطلب خلطت بين اختصاصها بتفسير النص القانوني بشكل مجرد وفق ما ورد فيه من شروط في ضوء نصوص القانون الأخرى؛ والأعمال التحضيرية والمذكرة التفسيرية لهذا القانون إن وجدت، وبين تطبيق هاتين المادتين على حالة معينة وقعت بالفعل وطعن فيها لدى المحكمة العليا.

وقد كان على المحكمة الدستورية من ناحية؛ أن تقف عند حدود التفسير المجرد ولا تزيد على ذلك؛ لأنه ليس لها صلاحية الرقابة على المحاكم الأخرى بما في ذلك المحكمة العليا، ولا أثر لتفسيرها على أي حكم قضائي قطعي سابق على هذا التفسير؛ حتى لو كان هذا الحكم مخالفا لما قررته المحكمة الدستورية في قرارها المفسّر، لأن الخطأ في تطبيق القانون – على فرض حدوثه – لا يعد سببا في طلب إعادة المحاكمة، وإنما يكون قرارها بالتفسير ملزما للمحاكم الأخرى من تاريخ صدوره بالنسبة للأحكام التي لم تكتسب الدرجة القطعية فقط. وكان على ذوي المصلحة من ناحية أخرى أن تشعر المحكمة العليا بأنه قد قدّم طلب تفسير للمحكمة الدستورية؛ حتى تقرر وقف السير في الدعوى إلى حين صدور التفسير من المحكمة الدستورية، غير أن المحكمتين سارتا معا وأصدرتا قراريهما في ذات اليوم والتاريخ 18/9/2016.

وبالعودة لقرار المحكمة الدستورية محل التعليق، فإن الوقائع التي سبق ذكرها تطرح على المحكمة الإجابة عن سؤالين:

السؤال الأول: هل تنسيب مجلس القضاء الأعلى لقاض في المحكمة العليا ليعين رئيسا للمحكمة العليا/ رئيسا مجلس القضاء الأعلى، كاف لاعتباره تنسيبا صادرا من المجلس لذات القاضي ليعين في منصب نائب رئيس المحكمة العليا/ نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، أم لا ؟

والسؤال الثاني: هل تعيين قاض في المحكمة العليا نائبا أول لرئيس المحكمة العليا/ نائبا أول لرئيس مجلس القضاء الأعلى يعد استحداثا لمنصب جديد لم يرد في قانون السلطة القضائية أم لا؟

وفي الإجابة على السؤال الأول، جاء في قرار المحكمة، ( فيما يخص الشق الأول من التفسير والمتعلق بتعيين القاضي المستشار / عماد سليم ” أسعد عبد الله” سعد نائبا لرئيس المحكمة العليا نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، والذي تم في نفس اليوم الذي تم فيه تعيين رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى وبناء على ما توصل إليه مجلس القضاء الأعلى ليوم 13/1/2016 ، وذلك من خلال تنسيبه أربعة مرشحين حسب ترتيب أقدميتهم ومراكزهم القانونية في المحكمة العليا ومن ضمنهم المستشار عماد سليم، لا يخالف ما نصت على المادة 18 البند رقم 1 من قانون السلطة القضائية، خاصة الفقرة ب من البند 1 ” الترقية على أساس الأقدمية مع مراعاة الكفاءة” ، وهذا يعني أن قرار التعيين هو قرار رئاسي بناء على الصلاحيات المخولة له دستوريا. هذا مع العلم أن معنى التنسيب المشار إليه في المادة 18 هو ترشيح للمنصب المقترح، أي تعيين الأنسب من المرشحين بمحض اختياره، وهذا ما قام به سيادة الرئيس بشكل قانوني وبناء على الصلاحيات المخولة له. وبالتالي لا يعد ” استقواء من السلطة التنفيذية واغتصابا لجوهر اختصاص السلطة القضائية” ).

وهذا الذي جاء في قرار المحكمة يعد دليلا واضحا على أن المحكمة خلطت بين مفهوم التفسير وبين الفصل في طعن باعتبارها محكمة موضوع تعالج وقائع خاصة بخصومة معينة. فقد كان على المحكمة أن تقتصر على تناول نص المادتين 18 و 20 محل طلب التفسير، وتبين ما إذا كانت القاعدة القانونية المستقرة والمعمول بها فقها وقضاء بأن ” من يملك الأكثر يملك الأقل” الواردة في الصفحة الثالثة من قرارها؛ تصلح جوابا على السؤال المطروح عليها أم لا، مبينة التكييف القانوني للتنسيب الصادر عن مجلس القضاء الأعلى في ضوء النص محل التفسير، دون الخوض في وقائع وتفاصيل تتعلق بوقائع الطعن رقم 4/2016 المقدم للمحكمة العليا، فتقول مثلا ( وبالنسبة للشق الأول، ولما كانت القاعدة المستقرة والمعمول بها فقها وقضاء بأن من يملك الأكثر يملك الأقل، فإن لرئيس دولة فلسطين وفق صلاحياته الدستورية بموجب القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، أن يصدر قرارا بتعيين من نسبه مجلس القضاء الأعلى لشغل منصب رئيس المحكمة العليا/ رئيسا لمجلس القضاء الأعلى؛ في منصب نائب رئيس المحكمة العليا/ نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، باعتبار أن تنسيبه كان لمنصب أعلى من المنصب الذي تم تعيينه فيه، لأن شروط التعيين في هذه الحالة تكون متوافرة من باب أولى).

أما بالنسبة للسؤال الثاني، فقد جاء في قرار المحكمة الدستورية ( أما فيما يتعلق بالشق الثاني والمتعلق بتعيين المستشار عماد سليم “أسعد عبد الله” سعد النائب الأول ( الأقدم) فإن هذه التسمية الأول ( الأقدم) ليست غريبة على التداول بها من قبل مجلس القضاء الأعلى، حيث وردت في كتاب التنسيب المشار إليه، من قبل مجلس القضاء الأعلى المنعقد بكامل هيئته يوم 13/1/2016، بشأن تنسيب رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى والذي خلص إلى تنسيب المرشحين الأربعة حسب أقدميتهم ومراكزهم القانونية في المحكمة العليا عندما أشار كتاب التنسيب إلى :

  1. المستشار سامي طه طاهر صرصور/ النائب الأول ( الأقدم) لرئيس المحكمة العليا/ رئيس مجلس القضاء الأعلى.

هذا يعني أن هذه التسمية أو المصطلح معمول به ومتداولا في مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي فإن قرار سيادة الرئيس بتعيين المستشار عماد سليم ” أسعد عبد الله” سعد جاء نتيجة تنسيب مجلس القضاء الأعلى بكامل هيئته لمنصب رئيس المحكمة العليا أي لمنصب أعلى من المنصب الذي عين به (النائب الأول)، وهذا التعيين لم يأتي مخالفا لتشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001، ولا يعد استحداثا لمنصب جديد ” النائب الأول” لرئيس المحكمة العليا ” النائب الأول” لرئيس مجلس القضاء الأعلى ، كما أن هيئة مجلس القضاء الأعلى عندما أشارت إلى التعيين اعتبرت وأشارت إلى أن المقصود بالفقرة 1 من المادة 24 والمادة رقم ( 8 من قانون السلطة القضائية) ” تشكل المحكمة العليا من رئيس ونائب أو أكثر وعدد كاف من القضاة…” ، أي أن هناك أكثر من نائب وبالتالي يقصد من المعنى أنه من الضروري أن يكون له نائب أول، وهذا ما تمت الإشارة إليه في المادة 29 من ذات القانون والمادة 37 عندما أشارتا إلى أقدم النواب في الهيئة، أي لا يوجد اختلاف قانوني أو لغوي بين كلمة النائب الأول وكلمة أقدم النواب، فكلاهما تؤدي نفس المعنى).