محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

(1)

فصل تمهيدي

وحدة الخصومة

تعريف الخصومة :

الخصومة لغة هي النزاع أو الخلاف بين شخصين أو أكثر، أيا كان محل النزاع؛ مسألة علمية أو لغوية أو مالية …. الخ.

والخصومة في الاصطلاح القانوني تطلق على النزاع عندما يعرض على القضاء.

وهي تطلق على النزاع في ذاته، فتعرف بأنه الحالة القانونية التي تنشأ من حين عرض النزاع على القضاء.

كما تطلق على النزاع في مظهره، فيقصد بها مجموعة الأعمال الإجرائية التي يوجب القانون القيام بها لتصل الخصومة إلى نهايتها، والتي يقوم بها الخصوم والقاضي بقصد تطبيق القانون في حالة معينة؛ والحصول على حكم قضائي. وهي تبدأ بالمطالبة القضائية؛ وتنتهي عادة بصدور حكم يفصل في النزاع، وقد تنتهي قبل ذلك بسبب من أسباب انقضاء الخصومة بغير حكم في موضوعها.

التكييف القانوني للخصومة:

يتفق الفقه على أن الخصومة المدنية تكون وحدة رغم تعدد الأعمال والإجراءات فيها؛ واختلاف مصالح أطرافها وتعارضها.

إلا أن الفقه يختلف حول التكييف القانوني لتلك الوحدة، فيعتبرها بعضهم رابطة قانونية، ويرى بعضهم أنها تكون مركزا قانونيا، ويذهب رأي ثالث إلى أن الخصومة هي شكل إجرائي للعمل القضائي.

غير أننا نميل إلى التكييف الذي يرى أن الخصومة هي عمل قانوني مركب تتابعي، فالخصومة تتكون من مجموعة من الأعمال الإجرائية التي يقوم بها أشخاص مختلفون هم ؛ القاضي وأعوانه؛ والخصوم أو وكلاؤهم؛ والغير. وتتوالى هذه الأعمال المختلفة وتتتابع بشكل منتظم لتحقيق غاية واحدة هي صدور الحكم القضائي، وهذه الغاية هي التي تجمع بين مختلف الأعمال القانونية وتشكل وحدتها.

فالخصومة عمل قانوني مركب من الناحية الشخصية؛ إذ يقوم به عدة أشخاص، ومن الناحية الموضوعية؛ إذ يتكون من عدة أعمال يمكن أن ينتج بعضها أو غالبيتها آثارا خاصة بها، ولكنها كلها تجتمع لإنتاج أثر نهائي هو ما يترتب على الحكم من آثار. هذه الآثار تعد آثارا مباشرة للعمل النهائي وهو الحكم، ولكن الحكم وحده لا يستطيع أن ينتجها؛ بل تشترك معه الأعمال السابقة في ذلك عن طريق غير مباشر.

وهي عمل تتابعي، لأن الأعمال التي تتكون منها الخصومة تجمعها وحدة زمنية ووحدة منطقية، بحيث يعد كل عمل كنتيجة لسابقه؛ ومقدمة منطقية ومفترضة للعمل الذي يليه.

مبدأ وحدة الخصومة:

تفترض الخصومة وجود طرفين على الأقل يقوم بينهما النزاع بداية؛ هما المدعي والمدعى عليه. والمدعي هو الذي يبدأ الخصومة ويحدد نطاقها؛ سواء من حيث الأشخاص أو الموضوع.

وقد كان المبدأ التقليدي هو ثبات النزاع بالصورة التي بدأ بها المدعي دعواه، فيتحدد نطاق النزاع بالطلب الأصلي ؛ فلا يجوز له؛ أو لخصمه ؛ أو للقاضي تعديل هذا النطاق أو تغييره، سواء من حيث الموضوع؛ أم السبب؛ أم الأطراف. فلا يجوز إبداء طلبات جديدة احتراما لحق الدفاع الذي يقتضي عدم مفاجأة الخصوم بطلبات جديدة بعد أن يكونوا قد استعدوا للدفاع في نطاق الطلب الأصلي وحده، أو بخصوم جدد بعد استعدادهم للدفاع في مواجهة أطراف الطلب الأصلي فقط.

غير أن اعتبارات كثيرة، منها الاقتصاد في الخصومة ؛ وحسن سير العدالة؛ وتوقي تضارب الأحكام واستحالة تنفيذها، توجب حسم النزاع المطروح أمام القضاء بكافة جوانبه وتوابعه؛ وما يرتبط به من منازعات ؛ جملة واحدة. لذلك جاءت فكرة تطور النزاع؛ وأجازت أغلب التشريعات الحديثة للمتقاضين؛ تعديل نطاق الخصومة الذي بدأت به، وذلك بالسماح لهم بتقديم طلبات جديدة؛ تتناول الطلب الأصلي بالتعديل؛ أو الإضافة، سواء تعلق ذلك بعنصر الأشخاص أو المحل أو السبب.

أولا: تعدد أطراف الخصومة:

تفترض الخصومة بالضرورة وجود طرفين على الأقل؛ هما المدعي والمدعى عليه. غير أن الخصومة قد تضم بين جنباتها أكثر من اثنين.

فقد تبدأ الخصومة متعددة الأطراف؛ فيكون التعدد في هذه الحالة تعددا أصليا، ويحدث ذلك في فرضين:

  1. أن تقام الدعوى من عدة مدعين؛ أو على عدة مدعى عليهم، ويحدث ذلك غالبا عندما يكون الحق موضوع الدعوى ذاته متعدد الأطراف، كالدعوى التي يقيمها ورثة الدائن للمطالبة بحق مورثهم.
  2. أن تقام عدة دعاوى مرتبطة من عدة مدعين ضد مدعى عليه واحد، أو من مدع واحد ضد عدة مدعى عليهم.

وقد تبدأ الخصومة بمدع واحد ومدعى عليه واحد، ثم تصبح متعددة الأطراف أثناء سيرها، ويكون التعدد في هذه الحالة تعددا عارضا، ويحدث هذا التعدد في عدة فروض:

  1. أن يتدخل الغير في الخصومة، سواء كان تدخلا انضماميا؛ أو تدخلا هجوميا ( اختصاميا).
  2. أن يختصم الغير في الخصومة، إما بناء على طلب أحد الخصوم؛ أو بناء على أمر المحكمة، ولا يكون الغير في هذه الحالة طرفا في الخصومة إلا إذا وجه إليه طلب من الخصوم؛ أو وجه منه طلب إليهم، ففي هذه الحالة فقط يكون الغير طرفا حقيقيا في الخصومة؛ وتصبح الخصومة متعددة الأطراف.
  3. أن يتوفى أحد الخصوم ويكون له عدة ورثة؛ فيصبح الورثة أطرافا في الخصومة في ذات مركز مورثهم.
  4. أن تجمع عدة دعاوى بين عدة أطراف في خصومة واحدة عن طريق الدفع بالإحالة؛ أو عن طريق الضم.

ثانيا: تعدد الطلبات.

الأصل أن يتحدد نطاق النزاع بالطلب الأصلي، ومع ذلك فإن هناك اعتبارات كثيرة توجب ضرورة تعديل نطاق النزاع والسماح للخصوم والغير بتقديم طلبات عارضة أثناء سير الخصومة، والطلبات العارضة هي : الطلبات الإضافية، والطلبات المقابلة، والتدخل.

فيجوز للمدعي تقديم طلبات جديدة يعدل بها طلبه الأصلي؛ أو يغيره؛ أو يضيف إليه. ويجوز للمدعى عليه تقديم طلبات جديدة ردا على الطلب الأصلي للمدعي. ويجوز لكل منهما أن يختصم الغير ممن كان يجوز اختصامه في الدعوى عند إقامتها. ويجوز للغير التدخل في الخصومة القائمة بين أطرافها الأصليين للدفاع عن مصالحه التي قد يعرضها الحكم الذي سيصدر بين الأطراف الأصليين للخطر.

وعلى الرغم من أن مبدأ وحدة الخصومة يسمح بتعدد الخصوم؛ أو تعدد الطلبات بهدف الاقتصاد في الوقت والنفقات؛ والسعي لتحقيق العدالة، إلا أن قيام الخصوم والغير بتقديم طلبات عارضة دون ضوابط؛ وفي غياب معيار واضح، من شأنه أن يقضي على وحدة الخصومة؛ ويتيح المجال للإطالة في الإجراءات؛ ويضع الخصوم والقاضي أمام سلسلة لا تنتهي من الطلبات الجديدة، فتتعدد الخصومة؛ ويتأخر الفصل فيها؛ ويضيع الهدف الذي قصد المشرع تحقيقه؛ وهو الاقتصاد في الإجراءات وتوفير الوقت والجهد. لذلك لا بد من ضابط يتلافى كل ذلك، وهذا الضابط يتمثل في فكرة الارتباط التي تؤدي إلى عدم قبول الطلبات العارضة؛ وطلبات التدخل؛ والاختصام التي لا يوجد بينها وبين الطلب الأصلي أي علاقة ارتباط.

لذلك فإن جمع عدة أشخاص؛ أو عدة طلبات في خصومة واحدة يحتاج إلى وجود علاقة أو رابطة بين هؤلاء الأشخاص؛ أو هذه الطلبات تبرر هذا الجمع. وهذه الرابطة لن تكون مجرد تماثل الدعاوى؛ أو وحدة المسألة القانونية المثارة، بل لا بد أن تكون هذه الرابطة كافية. فالمشرع عندما قرر الأحكام للمحافظة على وحدة الخصومة، إنما قررها لأنه رأى أن هناك حالات توجد فيها علاقة بين الخصوم؛ أو صلة بين الطلبات، يقتضي حسن سير العدالة جمعها والحكم فيها معا؛ وإلا فإنه قد يصدر حكمان متعارضان، وهذه العلاقة تسمى علاقة الارتباط.

فالارتباط إذن شرط ضروري لوحدة الخصومة عند تعدد الخصوم؛ أو تعدد الطلبات، سواء كان هذا التعدد أصليا أم تعددا عارضا، فشرط الارتباط ليس شرطا للتعدد؛ وإنما هو شرط لوحدة الخصومة عند التعدد.

وقد تصل العلاقة بين الأشخاص إلى حد عدم التجزئة، مما يعني أن اجتماع هؤلاء الأشخاص في خصومة واحدة؛ ليس فقط أمرا مسموحا به وملائما؛ ولكنه أمر حتمي، وذلك لأن طبيعة الموضوع غير القابل للتجزئة تحتم وجود الجميع في ذات الخصومة؛ حتى يصدر حكم واحد يحوز الحجية بالنسبة للجميع، لتفادي صدور أحكام متعارضة ويستحيل تنفيذها.

(1)(1) محاضرات ألقيت على طلبة الماجستير في القانون الخاص بكلية الدراسات العليا بجامعة القدس في الفصل الثاني 2018/2019.