محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

الفصل الثالث

وسائل جمع الطلبات المرتبطة في خصومة واحدة

إذا جمع المدعي عدة طلبات في لائحة دعواه؛ سواء في مواجهة مدعى عليه واحد؛ أم عدة مدعى عليهم، فلا توجد مشكلة في هذه الحالة.

غير أنه قد يحدث أن يقيم المدعي طلبين بلائحتين مختلفتين أمام ذات المحكمة، سواء أمام ذات الدائرة؛ أو أمام دائرتين مختلفتين. كما قد يقيم المدعي الطلبين أمام محكمتين مختلفتين.

وحيث إنه في حالة وجود ارتباط بين دعويين أو أكثر؛ يقتضي حسن سير العدالة أن تقوم محكمة واحدة بالتحقيق والفصل في الدعاوى المرتبطة، فقد أورد المشرع بعض الوسائل الإجرائية لتحقيق هذا الغرض، وذلك بجمع الدعاوى أمام محكمة واحدة، وتكون وسيلة جمع الدعاوى القائمة أمام محكمة واحدة هي الضم، أما جمع الدعاوى المرتبطة المقامة أمام أكثر من محكمة فإن وسيلة جمعها هي الدفع بالإحالة للارتباط.

المطلب الأول

ضــم الدعــاوى

المقصود بضم الدعاوى

تنص المادة 80/2 على أنه ” إذا رفعت أكثر من دعوى أمام محكمة واحدة … وكانت متحدة في السبب والموضوع ، فيجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الخصوم أن تضم هذه الدعاوى في خصومة واحدة “.

ويتبين من هذا النص أن الضم هو قرار يصدر من القاضي يتم بموجبه جمع الدعاوى المرتبطة؛ أي المتحدة في السبب والموضوع ، أو غير القابلة للتجزئة، المرفوعة أمام ذات المحكمة ، في خصومة واحدة ، بناء على طلب أحد الخصوم . (1)

ونبين في هذا المطلب شروط ضم الدعاوى، ونطاق إعماله، وآثاره في فروع ثلاثة.

الفرع الأول
شـروط ضـم الدعاوى

حتى يمكن ضم الدعاوى معا في خصومة واحدة وفق قانون أصول المحاكمات الجديد يجب أن تتوافر ثلاثة شروط :

الشرط الأول : أن تكون الدعاوى منظورة أمام ذات المحكمة، سواء أمام ذات الدائرة أم أمام دائرة أخرى إذا كانت محكمة الصلح تضم عدة قضاة أو محكمة البداية تضم عدة هيئات. أما إذا كانت كل دعوى منظورة أمام محكمة مختلفة، فإن جمع الدعاوى أمام محكمة واحدة يكون عن طريق طلب الإحالة كما سنرى .

الشرط الثاني : أن تكون هناك علاقة ارتباط بين الدعاوى المطلوب ضمها بأن تكون متحدة في السبب والموضوع ، ولم يكتف المشرع باتحاد الدعاوى في عنصر واحد فقط كعنصر السبب وحده أو عنصر الموضوع وحده . كما لم يشترط وحدة الخصوم ، فيجوز ضم الدعاوى بالرغم من انتفاء وحدة الخصوم مثل الدعوى التي يقيمها الدائن ضد المدين والدعوى التي يقيمها ضد الضامن .

الشرط الثالث : أن يطلب أحد الخصوم ضم هذه الدعاوى في خصومة واحدة ، فلم يعط المشرع للمحكمة صلاحية ضم هذه الدعاوى من تلقاء نفسها ، علما بأن حسن سير العدالة وعدم تضارب الأحكام يوجب منح المحكمة هذه الصلاحية وبخاصة إذا كان بين هذه الدعاوى ارتباط لا يقبل التجزئة .

الفرع الثاني
نطاق إعمال ضم الدعاوى

الغالب أن يتم ضم الدعاوى أمام محكمة أول درجة (محكمة الصلح ، أو محكمة البداية)، ولكن لا يوجد ما يمنع من جواز إعماله أمام محكمة الدرجة الثانية ، لذلك إذا توافرت شروط الضم بين استئنافين على الحكم، فإنه يجوز للمحكمة أن تقرر ضمهما (م 210) . ولكن عندما تقرر محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين فإنها لا تلتزم بأن تحكم فيهما بحكم واحد ، لأن الأمر يخضع لمطلق تقديرها، فيجوز لها أن تحكم فيهما معا بحكم واحد ، كما يجوز لها أن تحكم فيهما بحكمين .

طبيعة القرار الصادر بالضم ومدى قابليته للطعن فيه

يعد القرار الصادر من المحكمة بضم الدعاوى من إجراءات الإدارة القضائية التي تتعلق بسير وإدارة مرفق القضاء ولا يمس مصالح الأفراد ، وبالتالي فإنه لا يعد حكما قضائيا ولا حتى عملا ولائيا، لذلك فإنه لا يقبل الطعن ، كما لا يلزم المحكمة التي أصدرته ، فلها أن ترجع عنه ، لأن مباشرة المحكمة هذا الإجراء لا تؤدي إلى استنفاذ سلطتها بشأن الخصومة .

سلطة المحكمة في ضم الدعاوى

منح النص للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقرير ضم الدعاوى التي تتوفر فيها الشروط السابقة، فيجوز لها أن ترفض طلب الضم الذي تقدم به أحد الخصوم إذا قدرت أنه لا توجد مخاطر من صدور أحكام متعارضة إذا نظرت كل دعوى دائرة مختلفة ، أو إذا كانت إحدى الدعويين جاهزة للحكم فيها والأخرى يحتاج الفصل فيها إلى مزيد من التحقيقات . مع الإشارة إلى أنه في حالة عدم التجزئة فإن الضم يكون إجراء ضروريا وليس مفيدا فحسب لأنه يؤدي إلى الحيلولة دون صدور أحكام متعارضة يستحيل تنفيذها.

الفرع الثالث
آثــار ضــم الدعاوى

ضم الدعاوى لا يفقد أيا منها استقلالها بل تحتفظ كل دعوى باستقلالها عن الأخرى ما لم يكن موضوع الطلب في إحدى الدعويين هو بذاته موضوع الطلب في الأخرى، واتحدا خصوما وسببا، ففي هذه الحالة تندمج الدعويان وتفقد كل منهما استقلالها.

لذلك إذا قضت المحكمة بضم الدعويين المنظورتين لديها فإن هذا الضم ليس من شأنه أن يؤثر على قواعد الاختصاص،طالما أن كلا منهما تظل محتفظة بكيانها وقيمتها واستقلالها ولم تتحدا موضوعا وسببا وأطرافا.(1)

ومع ذلك فإن ضم الدعاوى للارتباط يستهدف تحقيقهما والفصل فيهما معا من محكمة واحدة ، فضلا عن توفير الوقت والجهد والإجراءات ، وهذا لا يتحقق إلا إذا اندمجت تلك الدعاوى في خصومة واحدة ، ولذا فإذا كان ضم الدعاوى لا يترتب عليه فقدان كل منها استقلالها واندماجها معا في دعوى واحدة ، إلا أنها تكون في مجموعها خصومة واحدة .

أثر الضم على قواعد الاختصاص:

افترض المشرع أن المحكمة المقامة لديها الدعاوى المطلوب ضمها مختصة بنظر كل دعوى على استقلال ، ولذلك لا يثير ضم الدعاوى أي مشكلة بالنسبة لقواعد الاختصاص المحلي وقواعد تقدير قيمة الدعوى ، فتبقى المحكمة مختصة حتى لو أدى الضم ووحدة الخصومة إلى أن تصبح المحكمة غير مختصة بالخصومة الموحدة .

غير أنه قد تثار مشكلة فيما يتعلق بالاختصاص النوعي والقيمي، إذا حدث ضم الدعاوى قبل أن تحكم المحكمة في مسألة الاختصاص، وفي هذه الحالة قد تكون المحكمة مختصة ثم تصبح غير مختصة نتيجة قرار الضم أو العكس.

فبالنسبة لمحكمة الصلح، قد يترتب على الضم نزع الاختصاص بالطلبين معا من هذه المحكمة، وإسناده إلى محكمة البداية، وذلك إذا كان أحد هذه الطلبات لا يدخل في اختصاص محكمة الصلح النوعي؛ وكان يترتب على الفصل بين الطلبات ضرر بسير العدالة، وذلك كله بالرغم من أنه لو بقيت الطلبات منفصلة دون ضم لظلت محكمة الصلح محتفظة بالطلب الذي يدخل في اختصاصها.

وبالنسبة لمحكمة البداية مثلا، قد يترتب على الضم أن يمتد إليها الاختصاص بأحد الطلبات المرتبطة المنضمة؛ وذلك بالتبعية لاختصاصها بالطلب الآخر؛ بالرغم من أنه لو بقيت الطلبات منفصلة دون ضم لوجب على محكمة البداية أن تقضي بعدم الاختصاص والإحالة بالنسبة للطلب الذي لا يدخل في اختصاصها.

أثر الضم على قواعد تقدير قيمة الدعوى.

قد يؤثر الضم على قواعد تقدير قيمة الدعوى؛ إذا كان الطلبان المنضمان يستندان على سبب قانوني واحد، حيث يترتب على الضم في هذه الحالة ؛ أن يتم تقدير قيمة الدعوى بجمع قيمة الطلبين معا، مما قد يترتب عليه عدم اختصاص محكمة الصلح بالطلبين مجتمعين؛ بالرغم من أنها كانت مختصة بكل منهما على حدة. وفي هذه الحالة إذا قررت المحكمة ضم الطلبين؛ يجب عليها في ذات الوقت أن تحكم ولو من تلقاء نفسها؛ بعدم الاختصاص بهما وإحالتهما إلى محكمة البداية المختصة.

أثر الضم بالنسبة للطعن المباشر في الأحكام:

يترتب على ضم طلبين مرتبطين؛ أن يصبح الحكم الصادر في أحد هذين الطلبين غير قابل للطعن المباشر فيه، وذلك لأنه وإن كان ينهي الخصومة بالنسبة لهذا الطلب؛ فإنه لا ينهي الخصومة برمتها، ويجب الانتظار حتى صدور الحكم في الطلب الآخر. وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.

(1)(1) لم ينص المشرع على صلاحية المحكمة بضم الدعاوى المرتبطة من تلقاء ذاتها .

(1)(1) نقض مدني 7/2006 تاريخ 12/4/2006 ج 2 ص 192.