محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

المطلب الرابع

تأثير الارتباط على الاختصاص المحلي

يقصد بالاختصاص المحلي، تحديد نصيب المحكمة الواحدة من محاكم طبقة معينة من ولاية القضاء، ويباشر الارتباط تأثيرا كبيرا على الاختصاص المحلي؛ لأنه يسمح لمحكمة الطلب الأصلي أن تنظر الطلب المرتبط؛ ولو كان من اختصاص محكمة أخرى من ذات نوعها.

ويرجع هذا التأثير القوي للارتباط إلى طبيعة قواعد الاختصاص المحلي؛ والهدف منها الذي يتمثل في التيسير على المتقاضين بجعل المحاكم قريبة منهم.

ويباشر الارتباط تأثيره على الاختصاص المحلي في حالتين:

الحالة الأولى: حالة تعدد المدعى عليهم حيث يكون الاختصاص المحلي موطن أو محل إقامة أحدهم.

الحالة الثانية: خاصة بالطلبات العارضة والمرتبطة، فالمشرع يسمح لمحكمة الطلب الأصلي بامتداد اختصاصها بنظر هذه الطلبات، ولو كانت خارجة عن اختصاصها المحلي.

أولا: تأثير الارتباط على الاختصاص المحلي عند تعدد المدعى عليهم

القاعدة العامة في الاختصاص المحلي هي أن يسعى المدعي إلى المدعى عليه في محكمة موطنه، أي إلى أقرب المحاكم إليه، وقد وردت هذه القاعدة في المادة 42/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية التي نصت على أنه ( 1- يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه، أو محل عمله…).

وطبقا لهذه القاعدة، إذا تعدد المدعى عليهم واختلفت مواطنهم، يجب أن تقام الدعوى أمام محكمة موطن كل واحد منهم، ولكن ذلك يؤدي إلى أضرار جسيمة؛ تنال من الخصوم؛ وتضر بالعدالة؛ وتخل بهيبة القضاء عند تعارض الأحكام.

لذلك أجاز المشرع في الفقرة الثانية من المادة المذكورة إذا تعدد المدعى عليهم؛ إقامة الدعوى لدى المحكمة التي يقع في دائرتها موطن أو محل عمل أحدهم. للحفاظ على وحدة الخصومة المدنية من التشتت؛ ولتوفير النفقات؛ ولتجنب صدور أحكام متعارضة في الدعاوى المرتبطة. وقد وفق المشرع بذلك بين مصالح المدعى عليهم ومصلحة المدعي من ناحية، ومصالح الخصوم والمصلحة العامة من ناحية أخرى.

وتشمل هذه القاعدة الأشخاص الطبيعية والأشخاص المعنوية، كما تطبق على الوطنيين والأجانب. ولا يهم أن تكون المحكمة التي اختارها المدعي لإقامة دعواه أمامها محكمة مدعى عليه واحد؛ في حين أن بقية المدعى عليهم لهم موطن واحد، وسواء كان تكليف المدعى عليهم بالحضور متعاصرا؛ أو متتابعا، وسواء كان مصدر التزام المدعى عليهم عقديا أو تقصيريا. أما الدعاوى العينية العقارية فإن محكمة موقع العقار تكون وحدها مختصة بصرف النظر عن موطن الخصوم.

شروط تطبيق القاعدة:

يجب أن يكون المدعي حسن النية في اختياره إقامة الدعوى أمام محكمة موطن أي مدعى عليه، ولضمان ذلك يجب أن تتوفر شروط معينة عند استعمال هذا الحق، وهذه الشروط هي:

  1. يجب أن يكون تعدد المدعى عليهم تعددا حقيقيا لا صوريا، فلا يجوز إقامة الدعوى أمام محكمة موطن شخص لا صلة له بالنزاع؛ بغرض جلب المدعى عليهم الحقيقيين أمام محكمة غير مختصة بالنسبة لأي منهم، ولكن يجب على المتضرر أن يثبت سوء نية المدعي بوقائع مؤكدة، فلا يكفي مجرد رفض الدعوى ضد المدعى عليه الذي أقيمت الدعوى أمام محكمة موطنه.
  2. كما يجب أن يتعدد المدعى عليهم بصفة أصلية، لا أن يكون بعضهم مدينا بصفة أصلية؛ والآخر بصفة احتياطية، لذلك لا يعمل بهذه القاعدة في الحالات الآتية:
  1. إذا أقيمت الدعوى على شركة وعلى فرع تابع لها؛ فلا تعدد من ناحية المدعى عليهم، لذلك يجب إقامة الدعوى أمام محكمة مركز إدارة الشركة.
  2. إذا أقيمت الدعوى على مدعى عليه، وعلى آخر ليقدم ما لديه من مستندات؛ أو لكي يسمع الحكم في مواجهته.
  3. عند إقامة الدعوى على الكفيل بقصد جلب المدين الأصلي أمام محكمة غير محكمته، لأن الكفيل ملتزم بصفة احتياطية أو تبعية؛ وليس بصفة أصلية أو أساسية.
  4. كما يجب أن تقام الدعوى أمام محكمة موطن أو محل إقامة أحد المدعى عليهم وفقا للقاعدة العامة في الاختصاص المحلي، فلا يجوز إقامة الدعوى أمام محكمة أخرى يكون سبب اختصاصها اتفاق بين المدعي وأحد المدعى عليهم؛ أو بناء على اعتبار آخر خاص به.

ومن ناحية أخرى إذا وجدت قاعدة معينة تجعل الاختصاص من نصيب محكمة معينة – كمحكمة موقع العقار – فيجب إقامة الدعوى أمامها ولو تعدد المدعى عليهم.

  1. ضرورة وجود صلة أو علاقة بين الطلبات المتعددة؛ أو بين المدعى عليهم. وقد اتفق الفقه والقضاء على هذا الشرط؛ للحيلولة دون تعسف المدعي في استعمال حق الاختيار؛ ومخالفة القاعدة العامة للاختصاص المحلي، بجلب المدعى عليهم أمام محكمة غير محكمتهم. إلا أنهما اختلفا حول طبيعة تلك الصلة ، فبينما اكتفى بعض الفقه بوجود ارتباط بين الطلبات لجواز اختصام المدعى عليهم أمام محكمة أحدهم؛ لتمكين المحكمة من الإحاطة بكل المسائل المرتبطة بعضها ببعض، دون أن يشترط قيام هذا الارتباط على وحدة المحل ( الموضوع) أو وحدة السبب. ذهب بعض الفقه إلى ضرورة وحدة الموضوع بالنسبة لجميع المدعى عليهم؛ للحيلولة دون صدور أحكام متضاربة في الموضوع الواحد.

ويعد الارتباط بين الدعاوى المتعددة الموجهة إلى المدعى عليهم، أهم الشروط التي تبرر الخروج على القاعدة العامة في الاختصاص المحلي.

وإذا تنازل المدعي عن هذا الحق؛ وأقام الدعوى طبقا للقاعدة العامة في الاختصاص المحلي، يجوز لكل مدعى عليه أن يدفع بالارتباط ويطلب الإحالة، لأن هذا الاستثناء ليس مقررا لمصلحة المدعي فقط؛ وإنما يتعلق بالمصلحة العامة أيضا، التي يتعارض معها أن تقوم أكثر من محكمة بالفصل في الدعاوى المرتبطة، مما يؤدي إلى احتمال صدور أحكام متناقضة في المسائل المرتبطة.