محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

الفصل الثالث

قاعدة نسبية الطعن والاستثناءات الواردة عليها

نبين في هذا الفصل قاعدة نسبية الطعن ، ثم الاستثناءات الواردة عليها في مطلبين.

المطلب الأول

قاعدة نسبية أثر الطعن

القاعدة العامة عند تعدد الخصوم؛ سواء من جانب المحكوم له أم من جانب المحكوم عليه، هي نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات، بمعنى أن الإجراء عند قبوله لا يفيد إلا من باشره؛ وعند رفضه لا ينال غيره، فقد نصت المادة 191/5 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، على أنه ( لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه).

فإذا تعدد المحكوم عليهم؛ وطعن بعضهم في الحكم دون بعضهم الآخر، سواء لقبوله الحكم أم لإهماله في رفع الطعن في الميعاد، فإنه لا يستفيد من الطعن عند تعديل الحكم من محكمة الطعن إلا من رفع الطعن دون سواه.

وكذلك الأمر عند تعدد المحكوم لهم، فإذا رفع الطعن على بعضهم فقط دون بعضهم الآخر، فإنه لا يعد خصما في الطعن إلا من رفع الطعن عليه. فإذا عدّل الحكم لصالح الطاعنين؛ فإن ذلك التعديل يجب أن يتم دون المساس بمراكز المحكوم لهم الآخرين الذين لم يرفع الطعن عليهم. فمن لم يشترك في خصومة الطعن يعد من الغير بالنسبة لهذه الخصومة؛ ولو كانت مصلحة الخصوم واحدة، أو كانت طلباتهم مشتركة، أو كانت غاياتهم متشابهة.

المطلب الثاني

الاستثناءات الواردة على قاعدة النسبية

رأى المشرع أن هناك حالات معينة تقتضي الخروج على قاعدة النسبية؛ لأنها تقوم على اعتبارات تعلو على هذه القاعدة، حفاظا من المشرع على وحدة الحل عند تعدد الخصوم في الدعاوى التي لا يقبل موضوعها التجزئة، وذلك للحيلولة دون صدور أحكام متعارضة؛ أو متناقضة في تلك الدعاوى.

وقد وردت هذه الحالات في المادة 200 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، وهذه الحالات هي ،

  1. حالة عدم قابلية الالتزام للتجزئة.
  2. حالة الالتزام بالتضامن،ويشترط لاستفادة الخصم من هذا الاستثناء أن يكون مختصما في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ويكفي أن يطلب التضامن من المحكمة؛ ولا يشترط أن يصدر الحكم قاضيا بالتضامن.
  3. حالة الدعاوى التي يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين كدعوى الشفعة.

شروط إعمال المادة 200 أصول محاكمات مدنية:

لا يجوز الخروج على قاعدة النسبية إلا إذا توافرت الشروط الثلاثة الآتية:

  1. أن يكون هناك على الأقل طعن صحيح مرفوع من أحد المحكوم عليهم؛ حتى يستطيع باقي المحكوم عليهم الآخرون الاستفادة من رفعه الطعن بعد الميعاد؛ أو بعد قبول الحكم.

وإذا تنازل مقدم الطعن الصحيح عن استئنافه؛ أو حكم باعتبار خصومة الاستئناف كأن لم تكن؛ انقضى مبرر قبول الطعون الأخرى المرفوعة بعد الميعاد، لأن هذه الطعون تستمد بقاءها واستمرارها من صحة الطعن الأول واستمراره.

أما إذا تعدد المحكوم لهم، ورفع الطعن على أحدهم صحيحا وفي الميعاد، فإن الطاعن يلتزم باختصام المحكوم لهم الآخرين من تلقاء نفسه؛ أو بأمر من المحكمة، وإذا لم يفعل ؛ أو لم يمتثل لأمر المحكمة؛ فإنه يجوز للمحكمة أن تحكم بعدم قبول الطعن.

  1. أن ينضم المحكوم عليه الذي ضيع على نفسه حقه في الطعن؛ إلى الطاعن في طعنه، بألا يطالب لنفسه بحقوق متميزة أو مستقلة عن حقوق رافع الطعن الصحيح؛ أو تزيد على طلباته.
  2. أن يثبت المحكوم عليه – الذي يريد الانضمام إلى الطعن الصحيح المرفوع من زميله – بأن الدعوى المحكوم فيها تندرج ضمن الحالات الواردة في المادة 200 ، وتقدر المحكمة المرفوع إليها الطعن مدى تطابق هذه الحالة على المادة 200، وبصرف النظر عن حكم أول درجة.

التطبيقات القضائية:

من الأحكام الصادرة عن محكمة النقض في تطبيق المادة 200 :

نقض مدني رقم 243/2011 تاريخ 27/1/2013.

الوقائع:

  • أقام المدعي سامر دعوى ضد كل من 1- فراس… 2- شركة التأمين للمطالبة بنعويضات عن أضرار جسدية. وقررت المحكمة الحكم على المدعى عليهما متكافلين متضامنين بدفع التعويض للمدعي .
  • لم تقبل المدعى عليها الثانية ( شركة التأمين) بالحكم فطعن وكيلها فيه لدى محكمة الاستئناف ضد كل من المستأنف عليهما 1- فراس… 2- سامر… وقررت المحكمة رد الاستئناف .
  • طعنت شركة التأمين في الحكم لدى محكمة النقض، وبتكليف من المحكمة قام باختصام سامر منضما إليها عملا بالمادة 200 أصول مدنية.
  • يشترط أن يكون للخصوم في الاستئناف ذات الصفة التي كانت لهم لدى محكمة الدرجة الأولى بحيث لا يجوز لمدعى عليه في الدعوى أن يختصم مدعى عليه آخر فيها لدى محكمة الاستئناف بحيث يكون أحدهما مستأنفا والآخر مستأنفا عليه.
  • صحة الخصومة في الاستئناف من النظام العام. وكان على محكمة الاستئناف أن تلتفت إلى هذه المسألة وتطلب من المستأنفة تصحيح لائحة الاستئناف باختصام المستأنف عليه الثاني سامر… مستأنفا منضما إليها عملا بالمادة 200 أ.م.م. ت. وليس مستأنفا عليه كما هو وارد في لائحة الاستئناف والحكم الصادر في الاستئناف ما دام أن محكمة الدرجة الأولى قد قررت الحكم عليهما متكافلين متضامنين.

نقض مدني رقم 735/2011 تاريخ 13/1/2013.

الوقائع:

  • قررت محكمة الاستئناف الحكم للمستأنفة بالمبلغ المحكوم به وإلزام المدعى عليه الأول جودة … والمدعى عليه الثاني الصندوق الفلسطيني بالمبلغ المحكوم به بالتكافل والتضامن..
  • طعن الصندوق الفلسطيني في الحكم لدى محكمة النقض.

حكم النقض:

  • لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام الطاعن المستأنف عليه والمدعى عليه الأول جودة… بدفع المبلغ المحكوم به بالتضامن والتكافل، ولم يطعن المدعى عليه الأول في الحكم بالنقض خلال المدة القانونية، ولم ينضم للطاعن في طعنه، فإن المحكمة تقرر تكليف الطاعن باختصام المدعى عليه الأول المذكور منضما إليه عملا بالمادة 200 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001.