محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

المطلب الثالث
الطلبات العارضة في استئناف

أنواع الطلبات العارضة:

الطلبات العارضة في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني هي: الطلبات المقابلة، والطلبات الإضافية، والتدخل.

والأصل في القانون الفلسطيني حظر تقديم طلبات عارضة في الاستئناف، لذلك فإن الطلب العارض الذي يقدم لأول مرة في الاستئناف يعد طلبا جديدا وبالتالي يكون غير مقبول. ولا يستثني المشرع الفلسطيني من ذلك إلا التدخل الانضمامي الذي يجوز تقديمه في الاستئناف وفق نص المادة 222/2 من القانون المذكور.

أما قانون المرافعات الفرنسي فقد نص صراحة على قبول الطلب المقابل في الاستئناف، كما سمح بالطلبات الإضافية؛ والتدخل.

الفرع الأول
الطلبات الإضافية

يجوز للمدعي الأصلي أن يتقدم بطلبات إضافة في الاستئناف لمواجهة ظروف طرأت أو تبيّنت بعد صدور حكم أول درجة. ويشترط لقبول تلك الطلبات في الاستئناف أن ترتبط بالطلب الأصلي بصلة كافية؛ أسوة بالطلبات الإضافية أمام محكمة أول درجة، لأن الارتباط شرط عام يلزم توافره لقبول جميع الطلبات العارضة، وفي مختلف درجات التقاضي، باستثناء طلبات المقاصة القضائية.

ويقصد المدعي الأصلي من وراء تقديم الطلب الإضافي في الاستئناف: إما إلى طرح وسائل دفاع جديدة، أو تقديم مستندات أو أدلة إثبات جديدة، أو طلب الفصل في المسائل الناشئة عن تدخل الغير؛ أو اكتشاف واقعة، أو المقاصة، أو تقديم ادعاءات احتمالية كامنة في الطلب الأصلي. وبالإضافة إلى ما سبق؛ هناك طائفة أخرى من الطلبات يصدق عليها بحق؛ الطلبات الإضافية؛ إذا قدمت من المدعي الأصلي وهي: الطلبات التابعة؛ والطلبات المترتبة؛ والطلبات المكملة للطلب الأصلي. ويجوز تقديم هذه الطلبات كذلك من المدعى عليه الأصلي.

وتقبل هذه الطلبات في كل من القانون المصري والقانون الفلسطيني، بشرط استحقاقها بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة أول درجة. وهو ما عبر عنه في المادة 221/2 بأنه ( سائر الملحقات التي تستحق بعد تقديم الطلبات الختامية أمام محكمة الدرجة الأولى)

ومن أمثلة الطلبات الإضافية التبعية، يجوز لمن طالب باتخاذ إجراءات تحفظية أو وقتية؛ أن يطالب في الاستئناف بتعيين حارس. كما يجوز زيادة قيمة التعويض بسبب ارتفاع الأسعار؛ أو بسبب تفاقم الضرر.

ومن أمثلة الطلبات الإضافية الناتجة أو المترتبة على الطلب الأصلي؛ والتي لا يمكن المطالبة بها أمام محكمة أول درجة، الفوائد المستحقة بعد صدور الحكم الابتدائي. كما أنه إذا قضت محكمة أول درجة ببطلان التصرف القانوني؛ يجوز للمدعي في الاستئناف المطالبة بالتعويض عن الفترة التي كانت فيها العين في حيازة المدعى عليه.

ومن أمثلة الطلبات المكملة، طلب زيادة قيمة التعويض في الاستئناف؛ لأن الطلبين يشتركان في ذات الغاية وهي جبر الضرر. وكذلك الطلب المقدم في الاستئناف بدفع قيمة الكمبيالة التي استحق ميعاد دفعها بعد صدور حكم أول درجة.

ولا يثير طرح الطلبات التبعية والناتجة أية مشاكل في مصر وفرنسا. بينما ينظر الفقه إلى الطلبات المكملة بعدم الارتياح؛ لأنها يمكن أن تؤدي إلى مخالفة مبدأ التقاضي على درجتين إذا توسع القضاء في قبولها؛ بحجة السماح للنزاع باسترداد حجمه الطبيعي أمام محكمة الاستئناف. لذلك فقد اختلفت المعايير القضائية لقبول الطلب المكمل؛ وأنه لا يكفي ارتباطه بالطلب الأصلي؛ وإنما يجب أن يهدف إلى ذات غاياته أو أن يتضمنه الطلب الأصلي.

ويلاحظ اشتراك جميع الطلبات الإضافية المقبولة في الاستئناف في صفة عامة وهي ارتباطها بالطلب الأصلي بصلة كافية، لذلك يمكن القول إن مناط قبول أي طلب جديد في الاستئناف – في حدود الاستثناءات المقررة – هو ارتباطه بالطلب الأصلي؛ وانتفاء تلك الصفة كفيل بعدم قبوله؛ ولو استوفى الشروط الأخرى.

الفرع الثاني
الطلبات المقابلة

نصت المادة 217 /1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه ( يجوز للمستأنف عليه إلى ما قبل انتهاء الجلسة الأولى لنظر الاستئناف أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة أو بمذكرة مشتملة على أسباب استئنافه).

ويشترط لقبول الطلب المقابل في الاستئناف، ما يشترط لقبوله أمام أول درجة؛ من حيث ضرورة ارتباطه بالطلب الأصلي بصلة كافية. ونرى أنه يكفي ارتباط الطلب المقابل بالطلبات الواردة في لائحة الاستئناف؛ وليس من الضروري ارتباطه بالطلب الأصلي، لأنه طبقا للأثر الناقل للاستئناف؛ فإن الطعن بالاستئناف لا ينقل إلى المحكمة الاستئنافية إلا ما فصلت فيه محكمة أول درجة؛ وفي حدود الجزء من الحكم المطعون فيه فعلا، وإن القول بضرورة ارتباط الطلب المقابل بالطلب الأصلي قد يخالف الأثر الناقل عندما يتصل الطلب المقابل بالطلب الأصلي في الجزء الذي لم تفصل فيه محكمة أول درجة؛ أو الذي لم يرفع عنه استئناف.

الفرع الثالث
التدخل أمام محكمة الاستئناف:

الأصل أنه لا يجوز للغير التدخل لأول مرة أمام محكمة الاستئناف؛ أو اختصامه أمامها، لأن ذلك يؤدي إلى تفويت درجة من درجات التقاضي بالنسبة له أو بالنسبة للخصوم.

إلا أنه ينبغي عدم إطلاق القول بحظر التدخل عموما أمام محكمة الاستئناف ، بل ينبغي أن نفرّق بين التدخل بحسب هدفه؛ لمعرفة ما إذا كان ينطوي على طلبات جديدة ؛ أم أنه لا يتعدى كونه وسيلة دفاع.

وقد أخذ المشرع الفلسطيني بهذه التفرقة فأجاز التدخل الانضمامي في الاستئناف ولم يجز التدخل الأصلي أو اختصام الغير. فنصت المادة 222 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:

  1. لا يجوز في الاستئناف إدخال من لم يكن خصما في الدعوى الصادر فيها الحكم المستأنف ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
  2. لا يجوز التدخل في الاستئناف إلا ممن يطلب الانضمام إلى أحد الخصوم.

ويناط بالمحكمة الاستئنافية تحديد نوع التدخل، كما لا يعتد بما يصفه الخصوم للتدخل، وإنما العبرة بما يرتبه الحكم في التدخل من آثار لصالح المتدخل.

أما بالنسبة للوضع في فرنسا، فقد انتهج المشرع فلسفة يجوز بموجبها تدخل الغير واختصامه أمام محكمة ثاني درجة؛ بهدف تمكين المحكمة الاستئنافية من الإلمام بكافة عناصر النزاع الموضوعية والشخصية؛ حتى تستطيع الفصل في النزاع برمته.

فبالنسبة للتدخل الاختياري أمام محكمة الاستئناف تنص المادة 554 من قانون المرافعات الفرنسي على أنه ( يمكن التدخل في خصومة الاستئناف إذا كانت هناك مصلحة للأشخاص؛ ولم يكونوا أطراف ولا ممثلين في خصومة أول درجة ولم يتواجدوا فيها بأي صفة أخرى). ويخضع شرط المصلحة المطلوب للتدخل الاختياري؛ للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع. كما قضي بضرورة وجود ارتباط بين طلب التدخل والطلب الأصلي.

أما بالنسبة لإدخال الغير أمام محكمة الاستئناف، فتنص المادة 555 على أن ( الأشخاص السابق ذكرهم في المادة 554 يمكن اختصامهم أمام محكمة الاستئناف بهدف الحكم عليهم عندما يتضمن تطور النزاع ضرورة هذا الإدخال). غير أن المشرع لم يبين المقصود بتطور النزاع، لذلك اختلفت الاتجاهات في تفسير ذلك. فذهب اتجاه إلى التفسير الموسع لتطور النزاع؛ وذهب اتجاه آخر إلى التفسير الضيّق له.

فالاتجاه الموسع لتطور النزاع يرى أنه يكفي لإدخال الغير أمام محكمة الاستئناف؛ أن يستند هذا الإدخال على واقعة موجودة في الطلب الأصلي؛ تم اكتشافها عن طريق إجراءات التحقيق أمام محكمة ثاني درجة؛ أو في تقرير خبير؛ أو من خلال أوراق جديدة قدمت إلى محكمة الاستئناف.

بينما يرى أنصار التفسير الضيّق أنه إذا لم يتمسك بالواقعة المولدة لهذا التطور أمام محكمة أول درجة؛ فإن اختصام الغير بناء على تلك الواقعة التي كانت موجودة أمام أول درجة، يكون غير مقبول ؛ تمسكا بمبدأ التقاضي على درجتين الذي يوجب حظر إدخال الغير أمام محكمة الاستئناف حماية للضمانات التي يقررها المبدأ والمتعلقة بحقوق الدفاع. وقد قضت بعض الأحكام بعدم قبول إدخال الغير أمام محكمة الاستئناف ؛ تمسكا منها بمبدأ التقاضي على درجتين.

وعلى وجه العموم فإنه يشترط لإدخال الغير أمام محكمة الاستئناف شرطان:

الأول: أن يتطور النزاع من خلال اكتشاف واقعة أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الاستئناف، وأن يكون هذا الاكتشاف طارئا، ولا يشترط أن تكون الواقعة جديدة تماما؛ بل يكفي أن يتم اكتشافها من جديد.

الثاني: أن يكون هناك ارتباط بين تطور النزاع والطلب الموجه إلى الغير.

وإذا لم يتوفر أحد هذين الشرطين فإن المحكمة تحكم من تلقاء نفسها بعدم قبول اختصام الغير أمامها.