محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

المبحث الثاني

العلاقة بين الاستئناف الأصلي والاستئنافات الأخرى المرفوعة عن ذات القضية

إذا طلب المدعي طلبين فأجابت المحكمة أحدهما ورفضت الآخر، أو قدم المدعى عليه طلبا مقابلا فأجابت المحكمة أو رفضت كلا الطلبين الأصلي والمقابل، أو طلب المدعي تعويضا ثلاثة آلاف دينار فحكمت المحكمة بألف وخمسمائة فقط، يعتبر كل من طرفي الخصومة محكوما له ومحكوما عليه، وفي هذه الحالات يجوز لكل من الطرفين استئناف الحكم باعتباره محكوما عليه. فإذا رفع كل منهما استئنافا مستقلا عن الآخر، يعد كل منهما استئنافا أصليا ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تقرر ضم الاستئنافين لوحدة السبب والموضوع عملا بالمادة (210) والفصل فيهما بحكم واحد.

وبالإضافة لذلك فقد نصت المادة (217) على أنه:

  1. يجوز للمستأنف عليه إلى ما قبل انتهاء الجلسة الأولى لنظر الاستئناف أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة أو بمذكرة مشتملة على أسباب استئنافه.
  2. إذا رفع الاستئناف المقابل بعد مضي ميعاد الاستئناف اعتبر استئنافا فرعيا يتبع الاستئناف الأصلي ويزول بزواله.
  3. الحكم بقبول ترك الخصومة في الاستئناف الأصلي يستتبع الحكم بسقوط الاستئناف الفرعي.

وهذه المادة تعالج كلا من الاستئناف المقابل والاستئناف الفرعي، ونعرض لهما بإيجاز في الفرعين التاليين لبيان مدى صلتهما وعلاقتهما بالاستئناف الأصلي.

الفرع الأول
الاستئناف المقابل

يمكن تعريف الاستئناف المقابل بأنه الاستئناف الذي يرد به المستأنف عليه في مواجهة المستأنف في ميعاد الاستئناف إذا لم يكن قد سبق قبوله الحكم.

فإذا كان كل من طرفي الخصومة محكوما له ومحكوما عليه، وتقدم أحدهما بالطعن في الحكم باستئناف أصلي، كان أمام المستأنف عليه اتخاذ أحد المواقف التالية.

الموقف الأول: أن يتقدم باستئناف أصلي خلال ميعاد الاستئناف، وفي هذه الحالة – كما قلنا – يجوز للمحكمة أن تضم الاستئنافين معا، أو أن تنظر في كل منهما على حدة.

الموقف الثاني: أن يتخذ موقفا دفاعيا بحتا في الاستئناف الأصلي المقدم ضده، وفي هذه الحالة تنظر المحكمة فيما تظلم منه المستأنف الأصلي، ويبقى ما حكم فيه ضد المستأنف عليه قائما عملا بقاعدة أنه لا يضار الطاعن بطعنه ولا يفيد من الطعن إلا من رفعه. (1)

الموقف الثالث: أن يرد المستأنف عليه على الاستئناف الأصلي باستئناف مقابل في ذات الخصومة حتى يستطيع أن يطرح أمام المحكمة الطلبات التي فصل فيها الحكم لمصلحة خصمه، حتى لو كان الاستئناف الأصلي قد طرح على المحكمة الاستئنافية كل القضية التي فصل فيها الحكم الصادر من أول درجة، إذا أراد المستأنف عليه من المحكمة الاستئنافية إصدار حكم أسوأ بالنسبة للمستأنف الأصلي، فالاستئناف المقابل يمكن صاحبه من تعديل الحكم المستأنف لصالحه. مثال ذلك إذا حكم بإلزام المدعى عليه بخمسمائة دينار في طلب قيمته ألف ومئتا دينار، واستأنف المدعي الحكم توصلا لتعديل المبلغ المحكوم به إلى ألف ومائتي دينار، فإن المستأنف عليه يقدم استئنافا مقابلا حتى يتوصل إلى تخفيض المبلغ المحكوم به أو إلغائه.

ويجب أن يرفع الاستئناف المقابل في ميعاد الاستئناف، بالإجراءات المعتادة ؛ أو بمذكرة مشتملة على أسباب الاستئناف، فإذا رفع بعد الميعاد عد استئنافا فرعيا. وفي كل الأحوال يجب أن يرفع الاستئناف المقابل قبل انتهاء الجلسة الأولى لنظر الاستئناف وإلا كان غير مقبول. (1)

والاستئناف المقابل له كيانه المستقل عن الاستئناف الأصلي؛ لأنه يرفع في ميعاد الطعن الخاص به؛ وطبقا للشكل الخاص به، لذلك فإنه لا يزول بزوال الاستئناف الأصلي؛ فشطب الاستئناف الأصلي أو سقوطه أو الحكم بعدم قبوله لا يؤثر على قبول الاستئناف المقابل؛ ويمكن أن يتحول إلى استئناف أصلي.

الفرع الثاني
الاستئناف الفرعي

الاستئناف الفرعي هو نوع من أنواع الاستئناف المقابل تابع للاستئناف الأصلي، يرد به المستأنف عليه في مواجهة المستأنف بعد فوات ميعاد الاستئناف،(2) فقد قدر المشرع أن أحد الخصوم في الدعوى الأصلية الصادر فيها هذا الحكم قد يفوت ميعاد الاستئناف على نفسه، وذلك اعتمادا على أن خصمه لم يستأنفه وأنه قد رضي به. فإذا تبين أن هذا الخصم قد استأنف الحكم في الميعاد، لا يتحقق ويختل التوازن الذي أقامه الحكم المطعون فيه بين الطرفين، لذلك فإنه من الظلم أن يظل في حق من فوّت الميعاد. ولإعادة هذا التوازن أباح له المشرع رغم فوات ميعاد الاستئناف أن يعود ويقدم استئنافا مقابلا يسمى بالاستئناف الفرعي. ويجب تقديم الاستئناف الفرعي قبل انتهاء الجلسة الأولى لنظر الاستئناف الأصلي، فهو نوع من الاستئناف المقابل رفع بعد ميعاد الاستئناف.

والاستئناف الفرعي يتبع الاستئناف الأصلي وجودا وانقضاء، وذلك لأن الاستئناف الأصلي يعتبر مفترضا قانونا لوجود وصحة الاستئناف الفرعي، فهو يوجد بوجود الاستئناف الأصلي ويزول بزواله. فقبول الاستئناف الفرعي يتوقف على قبول الاستئناف الأصلي، وإذا حكم بعدم قبول الاستئناف الأصلي لأي سبب، أو حكم ببطلانه، أو اعتباره كأن لم يكن، وكذلك إذا حكم بسقوط الخصومة في الاستئناف الأصلي أو قبول تركها، زال الاستئناف الفرعي أيضا أو كان غير مقبول.(3)

ويجب أن يكون الاستئناف الفرعي مرتبطا بالاستئناف الأصلي أو ردا عليه، وفي ذلك قررت محكمة النقض أنه : لما كان الطاعن في استئنافه الفرعي يطعن بجزء من قرار محكمة الصلح متعلق برد طلبه وقف تنفيذ الدعوى الإجرائية فقط، في حين أن الاستئناف الأصلي انصب على مسألة واحدة ووحيدة ألا وهي أن المحكمة أخطأت بالحكم بمنع المطعون ضده ( المستأنف استئنافا أصليا) من تأجير العقار موضوع الدعوى أو هدمه أو التصرف فيه بشكل يحول بينه وبين قابليته أن يكون محلا للانتفاع به، فإن الاستئناف الفرعي يغدو غير مرتبط بالاستئناف الأصلي وليس ردا عليه، وأن ما خلصت إليه محكمة البداية بصفتها الاستئنافية في حكمها المطعون فيه يتفق من حيث النتيجة مع ما تم بيانه، لذلك قررت رد الطعن.(4)

ومع أن القاعدة أن الاستئناف الفرعي يتبع الاستئناف الأصلي ويزول بزواله، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة ارتباطه في موضوع الاستئناف الأصلي؛ وإنما له كيانه المستقل وطلبه الخاص به، كأي استئناف آخر. فإذا صدر الحكم برفض الاستئنافين؛ وطعن أحد الطرفين في الحكم بالنقض دون الطرف الآخر؛ فإن الطعن لا يفيد منه إلا رافعه، ولا يتناول حكم النقض سوى موضوع الاستئناف المطعون فيه؛ ولا يمتد إلى موضوع الاستئناف الآخر؛ إلا إذا كانت المسألة التي نقض الحكم بسببها أساسا للموضوع الآخر أو غير قابلة للتجزئة.

(1)(1) المادة 191/4و5 أصول مدنية.

(1)(1) في مصر يجوز وفق المادة 237 من قانون المرافعات أن يرفع الاستئناف المقابل إلى ما قبل إقفال باب المرافعة.

(2)(2) أضافت المادة 237 مرافعات مصري حالة قبول الحكم قبل رفع الاستئناف الأصلي. ولم ترد هذه الحالة في المادة 217 فلسطيني.

(3)(3) نقض مدني 152/2005 تاريخ 25/9/2005 ج 1 ص 286.

(4)(4) نقض مدني 152/2005 تاريخ 25/9/2005 ج 1 ص 286.