محاضرات في اندماج الشركات في مشروع قانون الشركات الفلسطيني

الفصل الثالث

الطبيعة القانونية للاندماج

لتحديد الطبيعة القانونية للاندماج أهمية كبيرة من الناحيتين النظرية والعملية. فمن الناحية النظرية، تتوقف آثار الاندماج على طبيعته القانونية؛ سواء ما تعلق من هذه الآثار بالشخصية المعنوية للشركة المندمجة وذمتها المالية؛ أو ما تعلق منها بمركز الشركاء في الشركة المندمجة ومصير هيئاتها الإدارية. كما يتوقف على تحديد الطبيعة القانونية للاندماج تفسير النصوص القانونية الخاصة به والوصول إلى حلول مناسبة للمشاكل التي يثيرها.

ومن الناحية العملية، فإن تحديد الطبيعة القانونية للاندماج يفيد في اختيار الشركات المتجهة للتركيز الاقتصادي، الوسيلة المناسبة لذلك من بين وسائله المختلفة .

وقد اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للاندماج، إلى رأيين رئيسين:

الرأي الأول: قال به بعض الفقه الفرنسي وهو يرى أن الاندماج هو تحويل للشركة المندمجة وتقمص للشخصية المعنوية للشركة الدامجة أو الجديدة. فرغم أن الشركة تفقد شخصيتها الاعتبارية بسبب الاندماج؛ إلا أنها لا تحل ولا تنقضي، بل تبقى قائمة ويستمر وجودها وتظل تمارس نشاطها في إطار الشخصية المعنوية للشركة الدامجة أو الجديدة، لأنها في اللحظة التي تفقد فيها شخصيتها ترتدي لباس الشخصية الاعتبارية لشركة أخرى وهي الشركة الدامجة أو الجديدة وتمارس حياتها في إطار تلك الشركة ، وتصبح مشمولة بالشخصية المعنوية لهذه الشركة أو تلك؛ دون ما تأثير على شركائها أو أموالها..

وحجة هذا الرأي أن حل الشركة يستوجب تصفيتها أيا كان سبب الحل وبالتالي تحصيل حقوقها والوفاء بديونها وتوزيع باقي موجوداتها بين الشركاء وهذا هو المعنى الحقيقي للانقضاء، ولا يتصور انقضاء الشركة دون تصفية. والاندماج لا يتضمن هذه التصفية بل تختلط موجودات الشركة المندمجة بالشركة الدامجة أو الجديدة بفعل الضم أو المزج.

وقد تم الرد على هذا الرأي بأنه يتجاهل نص القانون الفرنسي الذي نص صراحة على اعتبار الاندماج سببا لانقضاء الشركة المندمجة، وأن التصفية بالمفهوم التقليدي تلاءم حالات الانقضاء العادي للشركة ولا تلاءم الانقضاء بسبب الاندماج نظرا للطابع الشامل لانتقال ذمة الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الجديدة، لذلك رسم القانون لتصفية الشركة المندمجة صورة خاصة تتفق وطبيعة الاندماج فنص على أن تؤول ذمة الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الجديدة ، بحيث لا نكون بعد الاندماج سوى أمام شركة واحدة لا شركتين؛ هي الشركة الدامجة أو الجديدة، يصبح الشركاء في الشركة المندمجة شركاء فيها ؛ وليس لهم وجود مثل وجود أصحاب السندات، ولا وجود مستقل ومتميز للحصص التي قدموها في تلك الشركة. فالشخصية المعنوية ترتبط بالشركة وجودا وعدما، بحيث لا توجد شركة بغير شخصية ولا توجد شخصية بدون شركة، ولا معنى للقول ببقاء الشركة بدون شخصية معنوية، وميلاد الشخصية المعنوية للشركة واستمرارها وانقضاؤها أمر يقرره المشرع. (1)

الرأي الثاني: يرى أنه يترتب على الاندماج انحلال الشركات المندمجة وزوال شخصيتها الاعتبارية، غير أنه لا يتم تصفية موجوداتها وقسمتها بل تبقى المشروعات التي تألفت هذه الشركات لتحقيقها قائمة مستمرة وتنتقل بما تشمله من أصول وخصوم في هيئة مجموع من المال إلى الشركة الدامجة أو الجديدة، كما يبقى الشركاء فيها محتفظين بصفتهم كشركاء، وبالتالي تكون الشركة المندمجة قد تمت تصفيتها تصفية مبتسرة، فحل الشركة ليس مقصودا لذاته؛ بل هو وسيلة لتحقيق الاندماج وهو إجراء ضروري لتحقيق هذا الغرض ؛ بحيث يتم الحل والاندماج في آن واحد. وأن القول ببقاء الشركة المندمجة رغم التسليم بانقضاء شخصيتها الاعتبارية فيه خلط بين الشركة والمشروع؛ ذلك أن الشركة فكرة قانونية بينما المشروع هو فكرة اقتصادية. فالشركة كبناء قانوني له شخصية معنوية تختلف عن المشروع الذي هو الوحدة الاقتصادية للإنتاج، أي الوسيلة الاقتصادية أو الفنية التي تستخدمها الشركة لتحقيق غرضها،(2) فالشركة هي القالب القانوني الذي ينصب فيه المشروع، ولا تعارض بين انقضاء الشركة وزوال شخصيتها الاعتبارية من جانب واستمرار مشروعها من جانب آخر، لاختلاف المعنى بين الشركة والمشروع.

وفكرة استمرار المشروع بعد الاندماج تتفق مع الحكمة من الاندماج؛ وهي التي تفسر الانتقال الشامل لكافة موجودات الشركة المندمجة بأصولها وخصومها إلى الشركة الدامجة أو الجديدة دون أن تمر بمرحلة التصفية بمعناها التقليدي ، واستمرار عقود العمل والإيجار وعقود عدم المنافسة التي أبرمتها الشركة المندمجة، واعتبار الشركة الدامجة أو الجديدة خلفا عاما للشركة المندمجة وتحل محلها حلولا قانونيا فيما لها وما عليها. (3)

وفي فلسطين وفق قانون الشركات لسنة 1964 تنفسخ الشركة العادية باتفاق الشركاء جميعا على دمجها بشركة أخرى، (4) كما تلتزم شركة المساهمة العامة التي ترغب في الاندماج في شركة أخرى بأن تتقيد بأحكام التصفية الواردة في القانون وتسجل مجددا الشركتان المندمجتان معا بشركة واحدة ذات شخصية اعتبارية جديدة. (5)

غير أن هذا الحكم يخالف ما تسير عليه التشريعات الحديثة وما نص عليه المشروع الفلسطيني من عدم تطبيق قواعد التصفية على انقضاء الشركة بسبب الاندماج. حيث تنقضي الشركة المندمجة وتفقد شخصيتها المعنوية بالاندماج قبل الأوان؛ أي قبل تحقق سبب من أسباب الانقضاء العامة الأخرى للشركات –انتهاء المدة، الإفلاس، الحل القضائي… الخ – فهو انقضاء مبتسر يؤدي إلى أن تنتقل الذمة المالية للشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج التي تصبح مسئولة عن الوفاء بكافة ديونها، ويصبح دائنو الشركة المندمجة دائنين للشركة الدامجة أو الجديدة ويزاحمون دائنيها في الرجوع على كافة موجوداتها، ويدخل في ذلك الموجودات التي آلت إليها بعد الاندماج. ولذلك فإن الشركة الدامجة أو الجديدة تكون خلفا عاما للشركة أو الشركات المندمجة وهو ما نصت عليه المادة 202 من مشروع سنة 2016 بقولها (تنتقل جميع حقوق والتزامات الشركة المندمجة إلى الشركة الناتجة عن الاندماج حكما بعد انتهاء إجراءات الدمج وتسجيل الشركة وفقا لأحكام هذا القانون، وتعتبر الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج خلفا قانونيا للشركات المندمجة وتحل محلها في جميع حقوقها والتزاماتها).

يتبين من ذلك أن الاندماج عمل إرادي يتميز بطبيعته الاتفاقية، وأن عملية الاندماج هي نتيجة عقد ذو طبيعة خاصة يمر تكوينه بعدة مراحل، ويحتوي على عمليات قانونية متعددة، يتم في المرحلة التمهيدية الاتصال بين الشركات الراغبة في الاندماج والتفاوض فيما بينها على شروط وبنود الاندماج. ثم يلي ذلك تجهيز مشروع عقد الاندماج من قبل القائمين على إدارة هذه الشركات والمخولين بذلك، وهذا المشروع ليس له صفة الإلزام، ما لم تتم الموافقة عليه وإقراره من الهيئات/ الجمعيات العامة غير العادية لكل شركة، بحيث تصبح له الصفة الإلزامية ويسمى في هذه الحالة بعقد الاندماج. فهو عقد له وجوده القانوني الأصيل وأحكامه القانونية الخاصة به، ولا يمكن تسميته بأية تسمية أخرى غير تسمية عقد الاندماج. (6)

(1)(1) حسني المصري، المرجع السابق، صفحة 96 – 126 .

(2)(2) حسني المصري، المرجع السابق، صفحة 127.

(3)(3) حسام الدين الصغير ، المرجع السابق، صفحة 61 – 70 ، حسني المصري، المرجع السابق صفحة 154 – 156

(4)(4) المادة 28/و

(5)(5) المادة 167.

(6)(6) اتفق الفقه في أن الاندماج هو عقد بين شركتين أو أكثر، ولكنه اختلف في تكييف فكرة العقد فذهب رأي إلى أنه مجرد مشروع لا يرتب على أطرافه أية التزامات، لأن اتفاقية الاندماج لا تكون ملزمة لأحد إلا بعد تصديق الهيئات / الجمعيات العامة غير العادية للشركات عليها. بينما ذهب رأي إلى أن الاندماج عقد تمهيدي يعقبه عقد نهائي بعد تصديق الهيئات / الجمعيات العامة غير العادية عليه. وذهب رأي ثالث إلى أن الاندماج عقد معلق على شرط موافقة الهيئات/ الجمعيات العامة غير العادية عليه. يرجع في هذه الآراء ونقدها إلى أحمد أبو زينة ، المرجع السابق، صفحة 68 – 70 .