محاضرات في اندماج الشركات في مشروع قانون الشركات الفلسطيني

الباب الثالث

آثار عملية الاندماج ونتائجها

يتناول هذا الباب آثار عملية الاندماج بالنسبة للشركات الداخلة في الاندماج، وللشركاء أو المساهمين في هذه الشركات، وللغير دائني هذه الشركات، وللعقود التي أبرمتها الشركة أو الشركات المندمجة.

الفصل الأول

آثار الاندماج بالنسبة للشركات الداخلة فيه

نبين في هذا الفصل آثار الاندماج بالنسبة للشركات المندمجة، ثم للشركة الدامجة أو الجديدة.

المبحث الأول

آثار الاندماج بالنسبة للشركات المندمجة

يترتب على الاندماج انقضاء الشركة أو الشركات المندمجة؛ ولكن دون تصفية، وانتقال ذمتها المالية إلى الشركة الدامجة أو الجديدة، وانتهاء سلطة مجلس إدارتها أو مديريها.

أولا: انقضاء الشركة المندمجة وزوال شخصيتها المعنوية.

يعتبر الاندماج أحد أسباب انقضاء الشركة المندمجة، إذ يؤدي إلى انتهاء الشركات المندمجة وزوال الشخصية الاعتبارية لكل منها، وزوال كافة الآثار المترتبة على اكتسابها لهذه الشخصية المعنوية، وتحل الشركة الدامجة أو الجديدة محلها بحكم القانون في كافة الدعاوى المرفوعة منها أو عليها.

وقاعدة حلول الشركة الدامجة محل الشركة المندمجة قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وأي اتفاق مخالف يقضي ببقاء الشركة المندمجة مسئولة عن ديونها وعدم مسئولية الشركة الدامجة أمام دائني الشركة المندمجة يعتبر باطلا.

وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن ( اندماج شركة في أخرى يترتب عليه انقضاء الشركة الأولى ( المندمجة) وزوال شخصيتها، وخلافة الشركة الثانية (الدامجة) لها خلافة عامة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات، فتغدو هذه الشركة الأخيرة وحدها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هي الجهة التي تخاصم وتختصم في خصوص تلك الحقوق والالتزامات. وإذا كان من الثابت أن الشركة الطاعنة تباشر الدعوى باعتبارها الدامجة لشركة أخرى، فلا أهمية بعد ذلك لإغفال هذا البيان عند تقرير الطعن بالنقض). (1)

كما قضت محكمة التمييز الأردنية ( اندماج الشركة المدعية بشركة أخرى ينشأ عنه شخصية اعتبارية جديدة، وتنقضي بذلك شخصية الشركة المدعية المندمجة ولا تعود أهلا للتقاضي، وبالتالي تكون الوكالة المعطاة للمحامي الوكيل قد انتهت أيضا، ولا يعود من الجائز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التقاضي في مواجهة الشركة لزوال شخصيتها تحت طائلة البطلان، لأنها إجراءات تمت في غير حضور خصم اعتبارا من تاريخ الاندماج، ويكون التمييز المقدم من المحامي الوكيل مقدما ممن لا يملك حق تقديمه لأن وكالته لم تعد تخوله تمثيل الشركة المميزة).(2)

ثانيا: انقضاء الشركة المندمجة دون تصفية.

لا يؤدي انقضاء الشركة المندمجة وزوال شخصيتها المعنوية؛ إلى تصفية هذه الشركة وقسمة موجوداتها، وإنما تبقى هذه الموجودات قائمة وتؤول بحالتها إلى الشركة الدامجة أو الجديدة الناشئة عن الاندماج. لذلك لا محل لتطبيق قاعدة استمرار شخصية الشركة لضرورات التصفية على الشركة المندمجة،لذلك تنقضي شخصيتها انقضاء مبتسرا مع استمرار مشروعها، وتصبح الشركة الدامجة أو الجديدة خلفا لها في حقوقها والتزاماتها.

ثالثا: انتقال الذمة المالية للشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الجديدة

بتمام الاندماج تنتقل الذمة المالية للشركة أو الشركات المندمجة بعناصرها الإيجابية والسلبية إلى الشركة الدامجة بقوة القانون، باعتبارها خلفا عاما للشركة المندمجة في أصولها وخصومها، ما لم يتفق الأطراف على أن تحتفظ الشركة المندمجة بجانب من أصولها للوفاء بخصومها؛ وتقدم ما بقي صافيا إلى الشركة الدامجة.

فتنتقل جميع موجودات الشركة أو الشركات المندمجة بما فيها من أموال وحقوق وعقود وغيرها؛ من ملكية أعيان وحقوق عينية أصلية وتبعية كحق الرهن وحق الامتياز وغيرها إلى الشركة الدامجة أو الجديدة، وبذلك تصبح هذه الشركة دائنة لمديني الشركة المندمجة دون حاجة إلى إخطار المدينين بذلك كما هو الحال في حوالة الحق في القانون المدني، لأن هذه الحقوق تعتبر جميعا كتلة واحدة لا تتجزأ . كما تنتقل لها جميع الحقوق المعنوية كالاسم التجاري والعلامة التجارية وغيرهما باعتبارها من عناصر الذمة المالية للشركة المندمجة.

ولا يتنقل كل حق إلى الشركة الدامجة أو الجديدة باعتباره حقا معينا بالذات، أي كل عنصر قائم بذاته، بل جميع أصول الذمة المالية كوحدة كاملة. فيتساوى انتقال العقار مع انتقال المتجر؛ ويتساوى كليهما مع انتقال الأرصدة المالية … وهكذا. دون اتباع أي شكلية خاصة بها خلافا للقواعد العامة، لأن الشكلية المتعلقة بعقد الاندماج تغني عن ذلك. (3) مع ملاحظة أن العقارات وحقوق الملكية الصناعية والتجارية كبراءات الاختراع والعلامات التجارية المملوكة للشركة المندمجة لا تنتقل إلا بعد اتخاذ إجراءات التسجيل في سجلات الجهات الرسمية المختصة.

كما تصبح الشركة الدامجة أو الجديدة خلفا عاما للشركة المندمجة، تنتقل لها مسئولية الوفاء بديون والتزامات الشركة أو الشركات المندمجة، وتحل محلها في المسئولية عن ديونها والتزاماتها بنص صريح في القانون. أي أن الاندماج بالمعنى القانوني يحقق انتقال ذمة الشركة المندمجة دون حاجة إلى تصفية هذه الشركة مقدما وسداد ما عليها من ديون، ولذلك لا يجوز للشركة الدامجة أو الجديدة أن تتحلل من دين الشركة المندمجة بحجة أنه مجهول بالنسبة لها أو أنه لم يرد في قائمة خصوم الشركة. (4) بل عليها الوفاء بالدين ثم تعود على المسئولين في الشركة المندمجة.

وانتقال ديون الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة يعني تغيير المدين الأصلي وحلول مدين آخر محله، غير أن ذلك لا يعد حوالة دين، لأن هذه الديون لا تنتقل منفصلة عن الذمة المالية، بل تنتقل باعتبارها جزءا من الذمة المالية بكامل عناصرها السلبية والإيجابية، لذلك لا تسري عليها أحكام حوالة الدين.

رابعا : انتهاء سلطة مجلس الإدارة أو المديرين في الشركة المندمجة

من آثار الاندماج زوال سلطة مجلس الإدارة أو المديرين – حسب الحال – في الشركة المندمجة، فلا يعود لهم أية صفة في تمثيل الشركة المندمجة التي انقضت شخصيتها المعنوية؛ أمام الغير أو الجهات الرسمية أو القضاء، دون أن يعتبر ذلك عزلا لهم.(5) وتصبح الشركة الدامجة أو الجديدة – حسب الحال- هي الواجهة القانونية للشركة المندمجة؛ فهي التي تخاصم وتختصم في كافة حقوق والتزامات الشركة المندمجة. (6) وفي ذلك قررت محكمة النقض المصرية ( …. متى كان من الثابت أن الشركة ( الدائن الأصلي) قد اندمجت قبل رفع الدعوى في الشركة المطعون ضدها اندماجا كليا، وكان يترتب على هذا الاندماج انقضاء الشركة المندمجة وزوال شخصيتها، وبالتالي انتهاء سلطة مديرها وزوال كل صفة له في تمثيلها وفي التصرف في حقوقها، فإن توجيه اليمين الحاسمة إليه عن واقعة الوفاء بالدين الذي لها في ذمة الطاعن ( المدين) بعد أن زالت صفة تمثيلها وأصبح لا يملك التصرف في حقوقها ومن بينها الحق المطالب به، ولم يعد له حق المطالبة بإثبات الوفاء المدعى به من الطاعن، يكون غير جائز قانونا، وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه على حق، إذ رفض توجيه اليمين). (7)

غير أن فقد صفة المدير في تمثيل الشركة لا يعني إخلاء مسئوليته بصورة كاملة، بل تظل هذه المسئولية قائمة – سواء أكانت مسئولية مدنية أم جزائية – بالنسبة للوقائع والتصرفات والأفعال التي حدثت قبل الاندماج. فيتحمل أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين – حسب الحال – في الشركة المندمجة المسئولية عن الضرر الذي لحق الشركة الدامجة بسبب إخفاء القيم الحقيقية لأصول الشركة المندمجة وما هو مرتبط بها من ديون خفية.