محاضرات في اندماج الشركات في مشروع قانون الشركات الفلسطيني

المبحث الثالث

التفرقة بين الاندماج والعمليات المشابهة له

قد تقوم الشركة بتغيير شكلها القانوني، كما قد تستحوذ على شركة أخرى، بنقل جزئي لأصولها لشركة أخرى، أو تنقسم إلى عدة شركات. ونبين الفرق بين هذه العمليات وبين الاندماج في أربعة فروع على التوالي.

المطلب الأول

الاندماج وتغيير الشكل القانوني

أجاز المشرع للشركاء في الشركة إذا ما رغبوا في توسيع وتطوير نشاطها، الاتفاق على تغيير شكلها القانوني، كما لو كانت شركة عادية عامة ( تضامن) واتفق الشركاء على إدخال شريك جديد محدود المسئولية وتحويلها إلى شركة عادية محدودة ( توصية بسيطة) أو توصية بالأسهم، أو تحويل شركة عادية إلى شركة مساهمة خصوصية أو شركة مساهمة عامة، أو شركة مساهمة خصوصية إلى شركة مساهمة عامة.

ولكن يجب عليها اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بتغيير عقدها ونظامها لكي ينسجم مع وضعها الجديد وتسجيل ذلك ونشره وفق القانون. وتبقى الشركة بعد تحويل شكلها محتفظة بوجودها وشخصيتها الاعتبارية، ما لم يصاحب تغيير الشكل القانوني تعديل جوهري على الغرض الذي أسست الشركة من أجله لأن وجود الشركة محكوم بالغرض الذي أنشأت من أجله.

ويتفق تغيير شكل الشركة مع الاندماج في أنه يترتب على كل منهما تغيير في حقوق الشركاء حيث تتغير حقوقهم في الحصص أو الأسهم، كما يبقى مشروع الشركة في الحالتين مستمرا.

غير أنهما يختلفان من حيث أن تغيير شكل الشركة هو عملية ذاتية يتم في شركة واحدة فقط، تبقى قائمة ومحتفظة بشخصيتها المعنوية ، بينما يتطلب الاندماج وجود شركتين على الأقل؛ ويؤدي إلى انقضاء الشخصية المعنوية للشركة المندمجة. (15)

المطلب الثاني

الاندماج والاستحواذ (16)

يكون الاستحواذ أو الاستيلاء بأن يقوم شخص طبيعي أو معنوي بالحصول على جزء كبير من رأسمال شركة بشكل مباشر أو غير مباشر، بحيث يمنحها ذلك أغلبية حقوق التصويت في الجمعية العامة للشركة.

ويتم الاستحواذ بشكل مباشر من خلال شراء معظم أسهم الشركة المستحوذ عليها من سوق الأوراق المالية. أما الاستحواذ غير المباشر فيتم من خلال تقديم عرض لمساهمي إحدى الشركات لفترة محدودة يعبر فيه مقدم العرض عن رغبته في شراء معظم أو جميع أسهم هذه الشركة، محددا عدد الأسهم المراد شراؤها، وبسعر للسهم يزيد عن سعره السائد في سوق الأوراق المالية ( البورصة) يدفع فورا أو خلال فترة محددة ، أو مقابل أسهم أو سندات في شركة أخرى يملكها مقدم العرض ، ويسقط العرض إذا لم يصل عدد الأسهم التي وافق المساهمون على بيعها لصاحب العرض إلى الحد الأدنى الذي حدده عند انتهاء الفترة المحددة لذلك. (17)

ويختلف الاندماج عن الاستحواذ من حيث:

  1. الاندماج يكون بين شركات قائمة، بينما قد يكون الاستحواذ بين شركتين أو بين شخص طبيعي وشركة.
  2. يتم الاندماج بالاتفاق بينما يتم الاستحواذ دون اتفاق بين الشركة المستحوذة والشركة المستحوذ عليها، حيث يتم شراء الأسهم من المساهمين مباشرة.
  3. يترتب على الاندماج انتقال شامل للذمة المالية للشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج، بينما لا تنتقل الذمة المالية للشركة المستحوذ عليها إلى الشركة المستحوذة.
  4. في الاندماج تنقضي الشخصية المعنوية للشركة المندمجة بمجرد إتمام الاندماج، بينما في الاستحواذ تبقى الشخصية المعنوية للشركة المستحوذ عليها وتستمر في مشروعها المستهدف.
  5. في الاندماج يحصل المساهمون في الشركة المندمجة على حصص أو أسهم في الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج، بينما في الاستحواذ غالبا ما تنتهي صفتهم كمساهمين لحصولهم على مبلغ من المال لقاء أسهمهم.

المطلب الثالث

الاندماج والنقل الجزئي للأصول

يتم النقل الجزئي للأصول بأن تقوم شركة بنقل قطاع كامل من قطاعاتها له كيانه الاقتصادي المستقل ويكون قادرا على العمل من خلال وسائله الخاصة؛ كمصنع أو متجر أو فرع من فروعها ، إلى شركة أخرى قائمة أو تنشأ خصيصا لتلقي هذه الحصة، مقابل حصول الشركة مقدمة هذه الأصول على عدد من الأسهم العينية في الشركة الثانية، وذلك بهدف تنظيم وترشيد الإنتاج بين هاتين الشركتين. (18)

وقد اختلف الفقه في مصير الأسهم التي تحصل عليها الشركة مقدمة الأصول، فذهب رأي إلى أنه يمكن أن تقوم الشركة الناقلة بتوزيع هذه الأسهم على مساهميها بحيث يصبحوا مساهمين في الشركة التي آلت إليها تلك الأصول مع احتفاظهم بصفتهم كمساهمين في الشركة الناقلة للأصول والتي تبقى قائمة، كما يمكن للشركة أن تحتفظ بهذه الأسهم العينية بإضافتها لحافظتها المالية وتحصل على ناتجها؛ ومن ثم توزعه على مساهميها مع أرباحها.(19)

بينما ذهب رأي آخر إلى أنه يجب توزيع الأسهم العينية التي تحصل عليها الشركة على مساهميها بحيث يصبح هؤلاء المساهمين شركاء في الشركة التي آلت إليها الأصول المنقولة، لأنه بدون ذلك التوزيع ينعدم الفرق بين النقل الجزئي للأصول والاكتتاب بحصة عينية؛ ولا يكون هناك مدلول متميز لاصطلاح النقل الجزئي للأصول. (20)

والفرق بين الاندماج والنقل الجزئي للأصول أن الاندماج يؤدي إلى انقضاء الشركة المندمجة، بينما تبقى الشركة مقدمة الأصول قائمة ومحتفظة بشخصيتها المعنوية المستقلة عن الشركة المتلقية لتلك الأصول. لذلك اعتبرت بعض القوانين النقل الجزئي للأصول صورة من صور الاندماج الجزئي، وأخضعته لأحكام الاندماج.

المطلب الرابع

الاندماج والانقسام

قد يكون من المفيد للشركة التي اتسع حجمها وتعددت جوانب عملياتها ونشاطها، أو كانت تدير مصانع عدّة متباعدة عن بعضها؛ ولم يعد باستطاعة مجلس إدارتها أن يسيطر على تلك العمليات والمصانع بكفاءة، أن تعيد تنظيم ذاتها؛ بحيث تقسم تلك المشروعات إلى قسمين أو أكثر يكون كل قسم منها شركة مستقلة، لزيادة الكفاءة الإنتاجية لكل مشروع وتخفيض نفقات الإنتاج؛ أو لتفادي الصعوبات الناجمة عن إدارة المشروعات الكبيرة.

فالانقسام يكون بتقسيم الشركة إلى جزأين أو أكثر يكون كل منها شركة جديدة، ويتمثل رأسمال كل شركة جديدة من جزء من الذمة المالية للشركة المنقسمة، بحيث تنتقل ذمتها المالية بالكامل- بعد تقسيمها إلى عدة أجزاء- إلى الشركات الجديدة ، ويستمر الشركاء أو المساهمون في الاحتفاظ بصفتهم في الشركات الناتجة عن الانقسام ويحصل كل شريك أو مساهم على نصيبه من الحصص أو الأسهم في الشركة الجديدة بدلا من الحصص أو الأسهم القديمة.

وقد يكون الانقسام رأسيا عندما تمارس الشركات الناتجة عن الانقسام نشاطا متكاملا، أو أفقيا عندما تمارس هذه الشركات نشاطا متماثلا.

ويختلف أثر الانقسام من تشريع لآخر، ففي فرنسا يتطلب الانقسام البسيط حل الشركة المنقسمة وانقضاءها، ثم انتقال ذمتها المالية بالكامل بعد تقسيمها إلى عدة شركات جديدة، ويتم استبدال حقوق الشركاء أو المساهمين بحيث يحصل كل شريك أو مساهم على نصيبه من الحصص أو الأسهم القديمة، وتكون مسئولية الشركات المنقسمة بالتضامن عن كافة الديون، ولا يجوز لأي شركة أن تتحلل من هذه المسئولية بحجة أن الديون لم تدرج في قائمة الخصوم. (21)

أما في القانون الإنجليزي فإن معنى الانقسام ( Division) هو انتقال جزء من موجودات الشركة إلى شركة أخرى جديدة تتلقى هذه الموجودات وتمثل رأسمالها، ويعاصر ذلك انتقال بعض الشركاء إلى الشركة الجديدة وحصولهم على أسهمها، وبذلك ينقص عدد الشركاء في الشركة المنقسمة التي تستمر في الاحتفاظ بكيانها وباقي موجوداتها، أي أنه في القانون الانجليزي لا يترتب على الانقسام حل الشركة المنقسمة وزوال شخصيتها الاعتبارية. (22)

وبالرجوع إلى مشروع قانون الشركات الفلسطيني لسنة 2016 نجد أنه لم ينظم موضوع انقسام الشركات، وكذلك كل من قانون الشركات الأردني لسنة 1997؛ والمصري لسنة 1981 والإماراتي رقم 2 لسنة 2015 . بينما تم تنظيمه في كل من قانون الشركات الفرنسي لسنة 1966 وقانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 في المواد ( 263- 265).

ويشبه الاندماج الانقسام في أن كلا منهما يترتب عليه فناء الشركة المندمجة أو المنقسمة وانتقال ذمتها المالية إلى شركة أخرى في حالة الاندماج؛ أو إلى عدة شركات جديدة في حالة الانقسام. كما أن الشركاء أو المساهمين يستبدلون حقوقهم ويستمرون باحتفاظهم بصفتهم كشركاء في الشركة الدامجة أو الجديدة سواء تعلق الأمر بالاندماج أو الانقسام.

غير أنهما يختلفان من حيث أن الانقسام يكون في شركة واحدة، بينما يتطلب الاندماج وجود شركتين على الأقل. كما أنه في الاندماج تنتقل الذمة المالية للشركة المندمجة كاملة إلى شركة واحدة هي الشركة الدامجة أو الجديدة، بينما في الانقسام لا تنتقل الذمة المالية للشركة المنقسمة إلى شركة واحدة؛ بل ينتقل كل جزء منها إلى شركة جديدة ويمثل رأسمالها. (23)

وقد يقترن الانقسام بعملية اندماج في ذات الوقت، عندما تندمج الأجزاء المنفصلة من الشركة المنقسمة في شركة أخرى؛ أو تكون شركات قائمة جديدة. ويتخذ الاندماج بطريق الانقسام صورا أو أشكالا ثلاثة:

الأول: انقسام الذمة المالية للشركة إلى جزأين أو أكثر، واندماج كل جزء من هذه الأجزاء في شركة أخرى قائمة، فيزيد رأسمال الشركة بمقدار هذا الجزء الذي يمثل حصة عينية فيها، ويطلق على هذا الشكل الاندماج بطريق الانقسام والضم.

الثاني: انقسام الذمة المالية للشركة إلى جزأين أو أكثر، واندماج كل جزء في شركة أخرى قائمة؛ ويؤسسان شركة جديدة، ويتكون رأسمال كل شركة من الشركات الجديدة من جزء من الذمة المالية للشركة المنقسمة بالإضافة إلى الذمة المالية لإحدى الشركات الأخرى المندمجة بذلك الجزء، وفي هذه الحالة تنقضي الشركة أو الشركات المندمجة، ويطلق على هذه الحالة الاندماج بطريق الانقسام والمزج.

الثالث: انقسام عدة شركات ( اثنتين أو أكثر) كل منها تنقسم إلى جزأين أو أكثر، وكل جزء من شركة يندمج مع جزء من الشركة أو الشركات الأخرى؛ لتأسيس شركة جديدة ويعتبر كل جزء من هذه الأجزاء بمثابة حصة عينية تدخل في تكوين رأسمال الشركة الجديدة، ويطلق على هذا النوع الاندماج بالانفجار. (24)

وضع ديون الشركة المنقسمة:

تتلقى الشركات الناتجة عن الانقسام الذمة المالية للشركة المنقسمة بأصولها وخصومها، أي أنها تتلقى موجودات الشركة المنقسمة بما هو عالق بها من ديون، ولكن لا يجوز الاحتجاج على دائني الشركة المنقسمة بتجزئة الديون إلا إذا قبلوا ذلك؛ لأن الذمة المالية تعتبر في مجموعها هي الضمان العام للدائنين. وعلى ذلك ينشأ للدائنين حق على كافة موجودات الشركة المنقسمة، ويجوز لهم تتبع هذه الموجودات التي آلت للشركات الناتجة عن الانقسام، ولا يجوز لأي شركة أن تتحلل من هذه المسئولية بحجة أن الديون لم تدرج في قائمة الخصوم.

وفي القانون الفرنسي تكون مسئولية الشركات الناتجة عن الانقسام عن كافة الديون مسئولية تضامنية.

(15)(15) ذهب رأي في الفقه المصري قبل صدور قانون الشركات رقم 59 لسنة 1981 إلى أنه إذا لم يوجد نص في القانون أو النظام يسمح للشركة بأن تغير شكلها القانوني، فإنه يترتب على ذلك انقضاء الشركة وحلول شركة أخرى محلها ليس لها أدنى صلة بالشركة القديمة. علي حسن يونس، المرجع السابق، صفحة 147.

(16)(16) استعمل قانون الشركات الأردني لسنة 1997 مصطلح ” التملك” وهو غير دقيق ويفضل مصطلح ” الاستحواذ”.

(17)(17) زكريا محمد بيومي، الاندماج كوسيلة من وسائل التركيز الاقتصادي، دراسة اقتصادية وقانونية وضريبية، أبحاث مؤتمر الضريبة على أرباح شركات الأموال، أكاديمية السادات للعلوم الإدارية ، مركز البحوث ، 13/14 مايو 2000 ؛ صفحة 804، مشار إليه في خلدون الحمداني، …. صفحة 37 و 38.

(18)(18) أما نقل عنصر منفرد من أصول شركة إلى شركة أخرى فإنه يعتبر مجرد اكتتاب بحصة عينية . حسام الدين الصغير، المرجع السابق، صفحة 93.

(19)(19) ) أحمد محرز ، اندماج الشركات من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، دون سنة نشر، صفحة 15.

(20)(20) خلدون الحمداني، المرجع السابق، صفحة 45، حسام الدين الصغير، المرجع السابق، صفحة 90 – 93.

(21)(21) حسام الدين الصغير، المرجع السابق، صفحة 100.

(22)(22) حسني المصري، المرجع السابق، صفحة 49، حسام الدين الصغير، المرجع السابق، صفحة 97.

(23)(23) حسام الدين الصغير، المرجع السابق، صفحة 101 و 102.

(24)(24) خالد محمد عايد العازمي، الآثار القانونية لاندماج الشركات على حقوق الشركاء والدائنين، رسالة دكتوراة،كلية الحقوق، جامعة القاهرة،2004، صفحة 88 و 89، حسام الدين الصغير، المرجع السابق؛ صفحة 99 و 100. أحمد محرز ، المرجع السابق، صفحة 13.