إدارة سير الدعوى المدنية – Case Management

المبحث الأول

مفهوم ونشأة نظام إدارة الدعوى المدنية

نظرا لحداثة موضوع إدارة الدعوى المدنية والأخذ بهذا النظام من قبل بعض الدول وفقا لطبيعة النظام القانوني لكل دولة من هذه الدول، لذلك نجد هناك العديد من التعريفات اللغوية والاصطلاحية، وهذا ما سنوضحه من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول

مفهوم إدارة الدعوى المدنية

قبل الخوض في المقصود بالدعوى المدنية والتعرف على ماهية إدارة هذه الدعوى، يجب أن نبين مفهوم الإدارة لغة واصطلاحا وذلك كما يلي:

أولا: تعريف الإدارة لغة

الإدارة لغة مشتقة من الفعل أدار أي أحاط ، فأدار الشيء أحاط به . وهو الاسم والمصدر من أدار ، والمدير هو من يتولى النظر في الشيء أو من يتولى إدارة جهة معينة من البلاد . (1)

ثانيا: تعريف الإدارة اصطلاحا

لا يوجد تعريف واحد جامع مانع للإدارة ، وإنما يحدد تعريفها وفق الغاية التي أنشئت من أجلها. ولكن يمكن تعريفها بمعناها العام بكونها توفير نوع من التعاون والتنسيق بين الجهود البشرية المختلفة من أجل تحقيق هدف معين . (2)

فالإدارة تعني توجيه الجهد البشري لتحقيق هدف معين ، أي أن محور العملية الإدارية هو العنصر البشري ومدى القدرة في الاتصال الجيد بين جميع الأطراف . (3) وهذا المعنى ينطبق على جميع أنواع الإدارة العامة والخاصة .

ومن التعريفات الشائعة للإدارة : المعرفة أو الإلمام الدقيق لما تريد أن يحقق من قبل أشخاص الإدارة والتأكد أن الأمر قد تم تنفيذه بالشكل الحسن . وكذلك منها أن الإدارة هي القيام بأعمال التنبؤ والتخطيط المسبق ومن ثم القيام بأعمال التنظيم ، وبالنتيجة إصدار التوجيهات والأوامر التي تضمن سير العمل وأن تتولى التنسيق والرقابة على ذلك . (4)

والإدارة فن بالإضافة إلى أنها علم قائم بذاته . ولا يوجد سبل ثابتة يجب إتباعها في سياسة الإدارة ، بل لا بد أن يترك الأمر لمن يتولى الإدارة لاختيار الإدارة الأنجح والأفضل لتحقيق أعلى درجات الجدوى بأقل التكاليف وأسرع وقت ممكن .(5) والإدارة الأنجح هي الإدارة القادرة على استغلال جميع عناصر الإنتاج وتسخيرها لتحقيق حاجات المجتمع ككل .

وبسبب النجاح الذي حققته الإدارة في مجال المنشآت ، بدأ التفكير بتطبيق الصورة ذاتها في معظم مجالات الحياة ، ومن هذه المجالات مجال القضاء . حيث بدأت الدول المتقدمة بإدخال الإدارة إلى الدعوى القضائية بغية الحصول على سرعة في فصل الدعاوى وتحقيق الغاية من التقاضي بأسرع وقت وأقل تكاليف تحت مظلة إدارة الدعوى المدنية . وقد تم معاملة الدعوى وكأنها منشأة بحاجة إلى إدارة تتولى شئونها العامة والخاصة وتحدد لها السياسة العامة من أجل تحقيق الجدوى الاقتصادية التي أقيمت من أجلها الدعوى .

لذلك أُقِرّ أن للمحكمة الحق في رسم السياسة العامة التي تتبعها في إدارتها للدعوى ، فهي من يملك الحق في تسيير الدعوى بشكل يضمن لها أفضل السبل في تحقيق الهدف منها ، فهي لا تلزم بإتباع إجراءات صارمة وثابتة بشكل ثابت ودائم ، وإنما تتولى إتباع سبل مختلفة بهدف تحقيق الغاية من الدعوى ؛ فتطبق من الإجراءات ما تراه مناسبا ؛ أي طبقا لاجتهادها بعد أن تقوم بدراسة القضية وموضوعها وأطرافها وأهميتها ، فدور المحكمة في ذلك أقرب إلى دور المهندس الذي يضع نموذجا لكل بناء على حدة وفقا لطبيعته . (6)

والمعيار الأساسي الذي ترتكز عليه إدارة الدعوى يقوم على عامل الوقت واختصار أمد المنازعة ، وعليه يمكن تعريف إدارة الدعوى بالاعتماد على هذا العامل بأنها : نظام شامل لإدارة الوقت والأحداث والإجراءات التي تتم في قضية ما منذ بداية تسجيلها في قلم المحكمة حتى نهايتها وإغلاق ملفها . (7)

ثالثا: المقصود بالدعوى المدنية

يقصد بالدعوى المدنية في مجال إدارة الدعوى ، الوسيلة أو الأداة التي يستخدمها الأفراد بشكل قانوني للدفاع عن حقوقهم أو إقرارها ، حيث ينظر إلى الجانب الشكلي أو الإجرائي للدعوى ، أي إلى تحديد وجه السير بالدعوى وتنظيمها القانوني باعتبارها مجموعة من الإجراءات التي يقوم بها القاضي طوال فترة التقاضي ويتم من خلالها التأكد من صحة تمثيل الخصوم وحصر البينة وتحديد جوهر النزاع بهدف السيطرة المبكرة على ملف الدعوى فور وروده وتسجيله في سجلات المحكمة لمراقبة صحة الإجراءات اللازمة قبل بدء المحاكمة ؛ بما في ذلك إجراءات تبليغ الخصوم وتبادل اللوائح والبينة ، وإتاحة الفرصة للأطراف لتبادل وجهات النظر والمذكرات تحت إشراف قضائي لتحديد نقاط الاتفاق والخلاف بينهم قبل السير بإجراءات التقاضي بهدف تضييق فجوة الخلاف بين الأطراف وتحديد جوهر النزاع والأدلة المنتجة المتعلقة به واستبعاد البينة غير المنتجة ، لتسهيل إجراءات التقاضي وسرعة البت في الدعوى من قبل القاضي أو خلال إحدى الوسائل البديلة لحل النزاعات مثل التحكيم أو الوساطة القضائية أو الخاصة .

ويتبين من ذلك أن إدارة الدعوى هي أسلوب يتم اعتماده بهدف ضمان سير الدعوى المدنية بطريقة منهجية سليمة لضمان الفصل فيها بأسرع وقت ممكن وأقل التكاليف سواء على المحكمة أو على الخصوم ، وذلك بالسيطرة المبكرة على ملف الدعوى منذ لحظة تسجيله في المحكمة من خلال :

  1. التأكد من صحة تمثيل الخصوم .
  2. التأكد من صحة التبليغات .
  3. التأكد من دفع الرسوم القانونية كاملة.
  4. إلزام الخصوم بحصر وتجهيز بينتهم كافة .
  5. حصر نقاط الاتفاق والاختلاف واستبعاد النقاط غير الجوهرية وصولا إلى تحديد جوهر النزاع .
  6. عرض الصلح على الخصوم أو وكلائهم أو حله بالطرق البديلة .
  7. إذا لم تتم المصالحة أو لم يتفق الأطراف على حل النزاع بإحدى الوسائل البديلة يقوم القاضي بالسير في إجراءات الدعوى والفصل في موضوعها .

ويتبين من ذلك أن ما يتم في إدارة الدعوى المدنية ليس بالعمل القضائي البحت ، فهي تعتبر مرحلة تخرج بأصلها عن العمل القضائي مع بقاء الصفة القضائية عليها ، فهي أقرب لمؤسسة تعمل على إدارة ملف الدعوى وضبط حركتها من المرحلة السابقة على المحاكمة حتى تصل إلى لحظة الفصل فيها ، وتسيره بشكل يحقق أعلى صور الجدوى لضمان سرعة الفصل فيها .

ونخلص من ذلك أنه يقصد بإدارة سير الدعوى المدنية ، سلوك القاضي أو طريقة تصرفه في الجلسة بالنسبة لكل إجراء أو طلب يقدم إليه ، بما يحقق ضبط الجلسة وسيطرته عليها ، وسرعة الفصل فيها بما لا يخالف الأصول المقررة في القانون .

(1)(1) لسان العرب لابن منظور ، المجلد الرابع ، طبعة أولى ، دار صادر للطباعة والنشر ، لبنان ، 1990 ، صفحة 296 .

(2)(2) د. عبد الكريم درويش و د. ليلى تكلا ، أصول الإدارة العامة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1977 ، صفحة 49 .

(3)(3) د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، أصول علم الإدارة العامة ، الكتاب الأول ، ماهية الإدارة العامة ، العملية الإدارية ، الدار المصرية الحديثة ، الإسكندرية ، 1982 ، صفحة 20 وما بعدها .

(4)(4) د. محمد نصر رواشدة ، إدارة الدعوى المدنية في النظام القضائي ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2010 ، صفحة 38 .

(5)(5) د. فؤاد الشيخ سالم ود. زياد رمضان ود. أميمة الدهان ود. محسن مخاترة ، المفاهيم الإدارية الحديثة ، الطبعة الخامسة ، مركز الكتب الأردني ، 1995 ، صفحة 10 .

(6)(6) د. محمد نصر رواشدة ، المرجع السابق ، صفحة 127 .

(7)(7) د. محمد نصر رواشدة ، المرجع السابق ، صفحة 47 .