إدارة سير الدعوى المدنية – Case Management

المطلب الثاني

نشأة إدارة الدعوى المدنية وتطورها

كانت المعاناة في السابق ناتجة عن العدد البسيط من القضاة والإداريين المساعدين لهم ، وعدم توفر الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تساعد على اختصار الوقت والجهد والنفقات مثل أجهزة الحاسوب، بل كانت المحاضر تحرر بكتابة اليد ، كما أن نظام الإجراءات المتبع كان يقيد القضاة في كافة المحاكم ولا يعطيهم صلاحيات واسعة في الاجتهاد ؛ حيث كان يسود مبدأ الحياد السلبي للقاضي .

غير أن تزايد عدد السكان في الدول وتطور النشاطات الاقتصادية كما ونوعا ؛ وازدياد حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية ، ورواج التجارة بأنواعها وأشكالها كافة ، والتطورات التكنولوجية وتعقيد العلاقات والدعاوى الجديدة الناتجة عنها ، أدى إلى تطور كمي ونوعي في النزاعات المدنية ، وتضخم أعداد الدعاوى التي تسجل لدى المحاكم . لذلك لم يعد موقف الحياد السلبي للقاضي في الدعاوى مناسبا، وأصبح ملحا التفكير بتيسير إجراءات التقاضي في المحاكم ؛ وتمكين القاضي من السيطرة المبكرة على ملف الدعوى بمنحه صلاحيات تمكنه من إدارة ملف الدعوى والإشراف عليه من خلال حياد إيجابي يحول دون المماطلة وتراكم القضايا وزيادة تكلفة التقاضي ، وهو ما دعا الدول للبحث عن أساليب جديدة في التقاضي وإجراءاته .

وقد بدأت فكرة نظام إدارة الدعوى المدنية لدى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الثورة الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد الأمريكي في الفترة الواقعة بين 1850 – 1900 ، والزيادة السكانية غير المتوقعة التي شهدتها خلال هذه الفترة والتي أدت إلى الزيادة في حجم القضايا المعروضة على المحاكم وتنوعها ، مما حدا بالإدارة الأمريكية إلى دراسة مسألة تطوير القضاء وإجراءات التقاضي ، وتعاقبت الدراسات والاقتراحات خلال المؤتمرات القضائية ، وكانت جميع الدراسات التي أجريت لحل مسألة تأخير الفصل في الدعاوى وتزايد الطلب على المحاكم تركز على دراسة الإجراءات التي تمر بها الدعوى منذ تسجيلها في المحكمة وحتى صدور الحكم بين أطرافها من القاضي المختص ، بهدف الوصول إلى نظام أمثل لإجراءات التقاضي يهدف إلى تبسيط عملية التقاضي وتقليل النفقات القضائية على الخصوم؛ والحد من إضاعة أوقات جميع الأطراف ، على أن لا يؤثر ذلك كله في الحق في الحصول على محاكمة عادلة .

وفي دراسة الأسباب التي تؤدي إلى المماطلة والتأخير في الفصل في الدعاوى تبين أن هذه الأسباب تنقسم إلى قسمين : الأول : يتعلق بعمل المحكمة الإداري . والثاني يتعلق بالإجراءات القانونية للدعاوى وعملية التقاضي .

وبالنتيجة كان الاتفاق بين جميع الباحثين على التركيز على تطوير الأداء القضائي من ناحيتين هما :

الناحية الأولى : التوسع في استخدام أي طريق بديل عن الطرق والوسائل التقليدية في حل النزاعات ، مثل التحكيم والوساطة والتسوية القضائية .

والناحية الثانية : هي إدارة الدعوى القضائية التي كانت الأساس الأول في وضع نظام قانوني جديد في إدارة الدعوى واختصار أمد المحاكمات . وبذلك يتحول دور القاضي من دوره التقليدي الذي يتلقى بموجبه المعلومات القانونية والقضائية ويقوم بتطبيق النصوص القانونية عليها ، إلى مسئول عن إدارة أعمال القضية ككل . ومن هنا بدأت النواة الأولى لوضع إطار عام لإدخال الإدارة بمفهومها العام إلى الدعاوى واستثمار منافع الإدارة بإدماجها في العمل القضائي ، بحيث تولى القاضي زمام الأمور في وقت مبكر فيما يتعلق بالدعوى من خلال وضع حد زمني لكل إجراء من إجراءات المحاكمة الواجبة التطبيق ؛ ولزوم تقدير أوقات المحامي والمحكمة ؛ ولزوم إجراء المشاورات الأولية بين جميع الأطراف حتى يتم مراعاة مصلحة الجميع .

وبناء على الدراسات والاقتراحات المقدمة من المؤتمرات القضائية ، أقر الكونغرس قانون السلطة القضائية الأمريكية Judiciary Act بتاريخ 31/2/1925 الذي تضمن قواعد خاصة بعملية التقاضي سميت بقواعد الإجراءات المدنية الفدرالية Federal Rules of Civil Procedure نصت المادة 16/أ منه على أن أهم أهداف اجتماع ما قبل المحاكمة Pretrial Conference ما يلي :

  1. تشجيع الأطراف على التعجيل في الإجراءات .
  2. يساعد المحكمة وأطراف النزاع على ترتيب ملف الدعوى بما يحتويه من أوراق ووثائق مما يساعد في اختصار أمد المحاكمة لأن التحضير يكون شاملا بحضور طرفي النزاع في اجتماع رسمي أمام قاض مختص .
  3. يساعد في اختصار أمد المحاكمة من خلال التقليل من عدد التأجيلات غير المبررة في الدعوى أمام المحكمة ، وذلك لأن المحكمة تبسط سيطرتها على الدعوى في مراحلها الأولى .
  4. يساعد في التقليل من الإجراءات التي تسبق إقامة الدعوى ومن هذه الإجراءات جمع البينات والمفاوضات غير الرسمية بين الأطراف .
  5. يسهل على المحكمة عرض تسوية النزاع بين الطرفين باستخدام الوسائل البديلة عن التقاضي .

وفي عام 1938 قام الكونغرس بتعديل هذا القانون ، كما توالت المحاولات لتحسين عمل القضاء حتى عام 1983 حيث قام القضاء الفدرالي بتعديل القواعد الفدرالية لإجراءات السيطرة المبكرة على القضايا المدنية ، كما بدء العمل على إدخال نظام إدارة القضية وتطبيق نظام جدولة الجلسات وتحديد يوم محدد لجلسات الشركات .

وقد تضمنت التعديلات التي أدخلت على القوانين الفدرالية للإجراءات في عام 1983 مجموعة من الأسس الجديدة على نظام إدارة الدعوى من أجل زيادة التدخل القضائي في الدعوى المدنية والمصادقة على سلطة القضاء لإجبار جميع الأطراف على حضور جلسات المشاورات التي تعقد قبل المحاكمة والتقيد بالوقت ، وتفعيل النقاط التي يتفق عليها الأطراف في هذه الاجتماعات بحيث يتجاوزها القاضي الذي ينظر الدعوى .

وفي عام 1990 تم تعديل القوانين الفدرالية للإجراءات لعام 1983 بصدور قانون إصلاح القضاء المدني .

أما في المملكة المتحدة ( بريطانيا) فقد بدأت أصوات المطالبة بالتطوير متأثرة بالفكرة الأمريكية متأخرة نسبيا ، وذلك في عام 1985 ، ونتيجة لذلك تم في 28/3/1994 تكليف اللورد وولف لمراجعة الإجراءات القضائية في المحاكم البريطانية وتحديد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء بطء الإجراءات وتعقيدها ؛ حيث نشر تقريره النهائي في الشهر السابع من عام 1996 ، وبناء على هذا التقرير أجرت الحكومة البريطانية العديد من الدراسات بهدف معرفة مدى النجاح الذي حققه في سبيل حل المشكلة ، وبالنتيجة تم اعتماده كأساس بنيت عليه فيما بعد قواعد الإجراءات المدنية الإنجليزية CPR لعام 1998 التي بدأ تطبيقها بتاريخ 26/4/1999 . وقد نصت المادة 1/4 من هذه القواعد على أن إدارة الدعوى بشكل فعال تتضمن ما يلي :

  1. تشجيع الأطراف على التعاون مع بعضهم بعضا فيما يتعلق بالإجراءات .
  2. تحديد النقاط محل الخلاف في مرحلة مبكرة من النزاع .
  3. تحديد الوقائع التي تحتاج للبحث والتحري وصرف النظر عن الوقائع التي لا تتعلق بجوهر النزاع .
  4. تحديد الطريقة الأفضل لحل النزاع .
  5. تشجيع الأطراف على اللجوء إلى الحلول البديلة عن المحاكمة التقليدية بحيث تكون المحاكمة واللجوء إلى التقاضي هو الخيار الأخير .

وفي الأردن كانت المادة 14 من قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 قد نصت على أنه ” في جميع الدعاوى ما عدا العطل والضرر ومرور الزمن والوظيفة والصلاحية يورد الطرفان الواحد بعد الآخر جميع مدعياتهما ومرافعاتهما واعتراضاتهما دفعة واحدة وعلى القاضي أن يعطي قرارا واحدا في جميع ذلك دون الحاجة إلى إصدار قرارات في كل منها إلا ما كان إعطاء القرار بأساس الدعوى يتوقف على إعطاء قرار فيه كالاستعانة بالخبراء أو إجراء الكشف فيصدر القرار فيه على حدة ” . وعندما صدر قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 14 لسنة 1988 نص في المادتين 56 و 59 على مبدأ حصر البينة . وفي مطلع عام 1995 بدأ التفكير في مسألة إدارة الدعوى المدنية كإدارة مستقلة من خلال عقد عدة ندوات قانونية ، ونتيجة ذلك تم تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 24 لسنة 1988 بموجب القانون رقم 26 لسنة 2002 ومن ضمن هذه التعديلات إضافة نص المادة 59 مكرر ، وبموجب الفقرة الأولى من هذه المادة تم استحداث إدارة الدعوى المدنية ضمن محكمة بداية عمان لأول مرة بتاريخ 1/10/2002 . وقاضي إدارة الدعوى في الأردن ممنوع بنص القانون من نظر موضوع الدعوى التي أشرف على إدارتها . وقد انتقد الفقه ذلك معتبرا أنه في ذلك يكمن جزء من الخلل في هذا النظام لأن قاضي إدارة الدعوى أصبح أكثر من غيره من القضاة إلماما بموضوع الدعوى وبالتالي فهو أقدر من غيره على الفصل في موضوعها ضمن زمن قياسي . (8)

نظام إدارة الدعوى المدنية في فلسطين

كان المبدأ السائد في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 هو أن الدعوى ملك الخصوم يوجهونها حسب هواهم ووفق مصالحهم الخاصة، فكان دور القاضي سلبيا لا يتدخل في سير الدعوى، وكانت سلطته في توجيه الخصوم وتيسير إجراءات التقاضي منعدمة، فكان عليه أن ينتظر حتى يقدم الخصوم كل دفوعهم وبيناتهم ودفاعهم وتتهيأ الدعوى للفصل فيها ثم يصدر الحكم .

وكذلك الحال في قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 ، غير أن القانون الأخير نص في المادة 14 منه على أنه ” في جميع الدعاوى ما عدا العطل والضرر ومرور الزمن والوظيفة والصلاحية ، يورد الطرفان الواحد بعد الآخر جميع مدعياتهما ومدافعاتهما واعتراضاتهما دفعة واحدة وعلى القاضي أن يعطي قرارا واحدا في جميع ذلك دون حاجة إلى إصدار قرارات في كل منها إلا إذا كان إعطاء القرار بأساس الدعوى يتوقف على إعطاء قرار فيه كالاستعانة بالخبراء أو إجراء الكشف فيصدر القرار فيه على حدة” ، ولكن هذا النص بقي دون تطبيق .

وقد أدى هذا الدور السلبي للقاضي إلى تعطيل الفصل في القضايا، حيث كان الخصوم يشغلون القاضي بالعديد من الدفوع الشكلية والموضوعية والمسائل الفرعية وأوجه البطلان التي يتوجب عليه بحثها والفصل فيها قبل الحكم في الدعوى، وكلما فصل في دفع أو مسألة أثير أمامه دفع أو طلب آخر لينشغل به عن بحث الحقوق الأساسية وتحقيق الغاية المرجوة من الالتجاء إلى القضاء وهي إيصال الحقوق لأصحابها .

كما أدى هذا الدور السلبي – بالإضافة لعوامل أخرى – إلى تراكم القضايا في المحاكم وبطء الوصول إلى الحق، بحيث أصبح من مصلحة كل مماطل أن يلجأ خصمه إلى القضاء باعتباره ميدانا يجد فيه المماطل متسعا للمراوغة والتعطيل، كما رسخ في ذهن الناس أن خير سبيل لإعاقة حق طرحه على ساحة القضاء . وقد نتج عن ذلك زيادة الميل إلى اغتصاب الحقوق والمماطلة في تأدية الالتزامات من جهة، والتجاء أصحاب الحقوق في تحصيل حقوقهم إلى وسائل أخرى تصل حد استعمال العنف ومخالفة القانون من جهة ثانية .

وقد أدى إضراب القضاة والمحامين عام 1976 عن العمل احتجاجا على إقدام سلطات الاحتلال على ضم القدس ؛ إلى فراغ في القضاء حاولت سلطة الاحتلال إلى تلافيه بتعيين عدد محدود من القضاة حديثي التخرج وقليلي الخبرة . كما أن التطور في المجالات الاقتصادية والاجتماعية أسهم في زيادة حجم وعدد وتنوع وتعقيد النزاعات المعروضة على المحاكم ، الأمر الذي أدى إلى إرهاق المتقاضين بمزيد من النفقات والتكاليف وضياع الجهد والوقت .

لذلك بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ، تم دراسة الإجراءات القضائية التي تطيل أمد الدعاوى وحصر مواطن التأخير فيها ، فوجد أن أكثر المراحل إطالة كانت مرحلة تبليغ الخصوم ومرحلة تبادل اللوائح وتقديم البينة وخاصة البينة الشخصية . لذلك وانسجاما مع التوجهات الحديثة في إدارة الدعوى كان لا بد للمشرع أن يتدخل من أجل اختصار الإجراءات دون التأثير على سلامة العملية القضائية ككل متكامل ودون المساس بحق الخصوم في الحصول على محاكمة عادلة ، محاولا منع المماطلة التي يتبعها بعض أطراف الدعوى سعيا منهم إلى استمرار النزاع أطول فترة ممكنة ، مما يجعل القضايا أكثر تراكما ويؤثر في الثقة العامة بالقضاء وقدرته على حسم المنازعات .

لذلك تدخل المشرع في كل من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 وقانون البيّنات في المواد المدنية والتجارية رقم 4 لسنة 2001، وجعل للقاضي دورا إيجابيا أكثر فاعلية، سواء قبل بدء المحاكمة أو خلال نظر الدعوى والسير في إجراءاتها، مقررا أن مهمة القضاء هي البحث عن الحقيقة والفصل في الدعاوى بسرعة، لذلك أسند للقاضي إدارة سير الدعوى وتحقيق عناصرها وأدلتها لضمان حسن تنفيذ القوانين الإجرائية والحد من الدفوع والإجراءات التحكمية التي يسعى إليها الخصوم لتأجيل نظر الدعاوى، ولسرعة الفصل في القضايا دون المس بالضمانات الأساسية للتقاضي المقررة للخصوم .

ولذلك أصبحت القاعدة الآن، إن الخصوم أحرار في الالتجاء إلى القضاء وأن يطالبوا بحقوقهم أو يتصالحوا عليها، إلا أنهم ليسوا أحرارا في إدارة الدعوى وتسييرها حسب أهوائهم، إنما ذلك هو واجب القاضي الذي له تسيير الخصومة وتوجيهها واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الدعوى واستكمال أدلتها وصولا إلى الفصل فيها بقدر ما يستطيع من السرعة، باعتبار أن القضاء هو وظيفة عامة وأن وظيفة القاضي لا تقتصر على حسم النزاع وإنما تمتد إلى تطبيق القانون مما يقتضي ألا يترك هذا الأمر لمشيئة الخصوم .

وهذا الدور الإيجابي للقاضي في تحقيق العدالة بأسرع ما يمكن ومنع المماطلة ورد الحق إلى صاحبه يؤدي إلى قلة الميل إلى اغتصاب الحقوق، ويضطر كل فرد أن يؤدي ما عليه من التزامات طوعا حتى لا يجبر على أدائها كرها عن طريق السلطة العامة، كما يشجع الخصوم على الوصول إلى تسوية مقبولة بينهم وعدم عرض النزاع على القضاء للفصل فيه، كما يحول دون تهاون الخصوم وركونهم إلى وسائل المماطلة والتسويف والكيد لكسب الوقت وتأخير الفصل في الدعاوى، وبذلك يضمن المساواة بين المواطنين أمام قضاء عادل مما يؤدي إلى تهذيب أخلاق الشعب وتقويمها واستتباب الأمن في البلاد .

وقد تمثل تبني المشرع موقف الحياد الإيجابي للقاضي في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 ومنحه سلطات واسعة في السيطرة المبكرة على الدعوى وعدم تركها لمحض إرادة الخصوم ، وذلك من خلال إعادة النظر في إجراءات الدعوى ومراحلها ، ومن بينها إجراءات تبليغ الخصوم ومراقبة تبادل اللوائح وتحديد وقائع الدعوى والرد عليها بصورة واضحة ومحددة وإلزام الخصوم بإرفاق مستندات كاملة مع لائحة الدعوى واللائحة الجوابية ، وحصر نقاط الاتفاق والاختلاف بينهم قبل السير في إجراءات التقاضي بهدف تضييق فجوة الخلاف وتحديد جوهر النزاع ، وحصر البينة قبل البدء في سماعها وقائمة بأسماء الشهود وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في إثباتها بالبينة الشخصية لكل شاهد على حدة ؛ حتى تتمكن المحكمة من التحقق من جدوى البينة وتعلقها بالدعوى وإنتاجيتها فيها ، وإلزام الخصوم بتقديم بينتهم دفعة واحدة وبشكل متناسق من قبل المدعي أولا ومن قبل المدعى عليه ثانيا . الأمر الذي يمكن القضاء من الإسراع في البت في الدعاوى ويسهل مهمة المتقاضين في الوصول إلى حقوقهم ، ويحقق هدفا أساسيا وهو تجاوز المرحلة المفتوحة زمنيا في تبادل البينة الخطية أو التقدم بطلبات لسماع شهادة الشهود دون حصر ودون التقيد بمواعيد ، مما يربك دفاع الخصم من جهة ويؤخر الوصول إلى الحق الأمر الذي يشكل صورة من صور إنكار العدالة من جهة أخرى . وقد عهد هذا القانون لقاضي الموضوع بإدارة الدعوى ، ولم يأخذ بنظام قاضي إدارة الدعوى الذي أخذ به قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ، متلافيا بذلك الانتقادات التي وجهت للنظام المذكور، كما أنه أخذ بنظام التسوية القضائية في الباب الرابع منه في المواد من 68 – 78.

وبعد صدور قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 ، شكل رئيس مجلس القضاء الأعلى لجنة وطنية لإدارة سير الدعوى الحقوقية ، حيث قامت هذه اللجنة بالتعاون مع مشروع سيادة القانون الذي تنفذه شركة DPK الاستشارية بإعداد الخطة الوطنية لإدارة سير الدعوى الحقوقية في المحاكم الفلسطينية – الصلح والبداية ونشرت الطبعة الأولى منها في تشرين الأول 2003، وجاء في تقديم رئيس مجلس القضاء الأعلى لهذه الخطة بأنها ” تهدف إلى العمل على إدارة جميع القضايا بشكل فعال يمكن من السيطرة على سير الإجراءات بما يضمن تحقيق الجدوى المنشودة منها ومعالجة القضايا المتراكمة وتقليص المدد الزمنية اللازمة للفصل فيها “. ورغم أن مجلس القضاء الأعلى أقر هذه الخطة إلا أنها بقيت دون تطبيق ، ويبدو أن سبب ذلك يعود إلى أنها حاولت الأخذ بنظام إدارة الدعوى الأمريكي دون مراعاة لخصوصية الوضع الفلسطيني من ناحية ، وعدم متابعة الجهات المعنية من جهة أخرى .

وبتاريخ 1/9/2008 أصدر مجلس القضاء الأعلى تعليمات لإدارة الدعوى توضح ما نظمه قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد من إجراءات تساعد في اختصار أمد المحاكمات وتنظيم عمليات التقاضي ، إلا أن التطبيق العملي لأحكام هذا القانون عبر السنوات يبين أن العديد من أحكامه كانت مهملة التطبيق من قبل المحاكم ، بسبب عدم وضوح جوانب الإلزام فيها وغياب الاجتهادات القضائية حول إلزام تطبيقها

وفي عام 2012 أعدت دائرة التدريب في مجلس القضاء الأعلى برنامجا للتدريب على إدارة الدعوى المدنية لقضاة الصلح والبداية ، وبدأ تنفيذ هذا البرنامج بعد موافقة رئيس المجلس عليها ، إلا أن البرنامج توقف بعد اللقاء الأول .

(8)(8) د. محمد نصر الرواشدة ، المرجع السابق صفحة 262 .