الفصل السابع – تعيين المرجع (تنازع الاختصاص)

      رغم توزيع الاختصاص بين جهات القضاء ، قد يحدث تنازع أو خلاف في الوظيفة بين المحاكم ، فتتمسك كل جهة بنظر الدعوى ، أو تتخلى كلتاهما عن نظرها، ومرجع ذلك دقة قواعد الاختصاص في بعض الأحيان ، ومحاولة كل جهة أن توسع من ولايتها .

      وقد عالج المشرع مسألة التنازع في الاختصاص بين المحاكم فنص في الفقرة الثالثة من المادة (30) من قانون تشكيل المحاكم النظامية على أن محكمة النقض تختص بالنظر في المسائل المتعلقة بتغيير (يقصد بتعيين) مرجع الدعوى ، كما نصت المادة (51) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه

  1. إذا وقع تنازع في الاختصاص بين محكمتين نظاميتين في دعوى واحدة وقررت كلتاهما اختصاصها أو عدم اختصاصها بنظر الدعوى، فيجوز لأي من الخصوم أن يطلب من محكمة النقض حسم التنازع وتعيين المحكمة المختصة .
  2. يقدم الطلب إلى محكمة النقض وفق الإجراءات المعتادة وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى .
  3. ينظر الطلب تدقيقا دون حاجة لحضور الخصوم .
  4. يترتب على تقديم الطلب وقف السير في الدعويين لحين البت في الاختصاص .

ويتبين من هذا النص أن التنازع في الاختصاص بين المحاكم النظامية يكون إيجابيا عندما تقرر محكمتان اختصاصهما بنظر ذات الدعوى، ويكون سلبيا عندما تقرر كل منهما عدم اختصاصها. وقد حاول المشرع الحد من حالة التنازع السلبي بتنظيم مسألة الإحالة فنص في المادتين 60 و 93 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 أن على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، وأن على المحكمة المحال إليها الدعوى أن تلتزم بنظرها، ومقتضى ذلك أن لا تبحث المحكمة المحال إليها الدعوى مسألة الاختصاص وأن تنظر الدعوى بصرف النظر عن صحة القاعدة القانونية التي أسس عليها قرار الإحالة حتى ولو تبين لها خطأ تلك القاعدة .(1) إلا أن بعض المحاكم التي أحيلت إليها دعاوى من محاكم أخرى قررت مع ذلك عدم اختصاصها مما اضطر الخصوم اللجوء إلى محكمة النقض لتعيين المحكمة المختصة .

 وقد كان على الخصم صاحب المصلحة في هذه الحالة أن يستأنف قرار المحكمة المحال إليها خلال المدة القانونية لا أن يقدم طلبا لمحكمة النقض لتعيين المرجع، لأن قرار الإحالة حصر الاختصاص بالمحكمة المحال إليها بحكم القانون بحيث لا يرد القول في هذه الحالة بوجود تنازع في الاختصاص بين المحكمة المحيلة والمحكمة المحال إليها حتى يمكن اللجوء إلى محكمة النقض لحسم هذا التنازع وتعيين المحكمة المختصة .

ومع ذلك فقد قبلت محكمة النقض الطلبات المقدمة إليها لتعيين المحكمة المختصة لأن مدة الاستئناف قد انتهت قبل نظرها الطلب مما يتعذر معه استئناف قرار المحكمة المحال إليها بعدم اختصاصها حيث أصبح هذا القرار نهائيا .

ويشترط للجوء إلى محكمة النقض لتعيين المحكمة المختصة أن يقع تنازع في الاختصاص بين محكمتين نظاميتين في دعوى واحدة متحدة في الموضوع والسبب والخصوم، وأن تكون الدعوى ما زالت قيد النظر . وبالتالي فلا محل لتعيين المرجع إذا كانت إحدى الخصومتين قد انقضت بالفصل في موضوعها أو لأي سبب من أسباب الانقضاء. (2) كما أن وجود دعويين لنفس الأطراف ولذات السبب في محكمتين مختلفتين لا يشكل تنازعا في الاختصاص يدعو لتعيين المرجع. (3)

          ومع أن المادة 51 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية جاءت لمعالجة حالة وقوع تنازع في الاختصاص بين محكمتين نظاميتين في دعوى واحدة وقررت كلتاهما اختصاصها بنظر الدعوى ، إلا أن حالة حصول خلاف على الاختصاص بين قاض فرد وهيئة من ثلاثة قضاة في ذات المحكمة باعتبار أن لكل منهما اختصاصه القيمي وقرر كلاهما اختصاصه أو عدم اختصاصه لا تختلف عن حالة حصول تنازع في الاختصاص بين محكمتين نظاميتين ، وفي ذلك ما يصلح سببا لتقديم طلب تعيين المرجع لتحديد جهة الاختصاص.(4) مع مراعاة أنه في حالة قرار الهيئة المحال إليها عدم اختصاصها فإن هذا القرار يطعن فيه بالاستئناف عملا بالمادة 192 / 4 من القانون المذكور.

          وطلب تعيين المرجع غير مقيد بمدة ، إذ أن المادة 51 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية لا تحدد مدة زمنية لتقديم مثل هذا الطلب، ولا يمكن القول إن مدة الأربعين يوما المحددة للطعن بالنقض واجبة التطبيق على تعيين المرجع.(5)

          ويجب تقديم طلب تعيين المرجع من شخص له صفة، لذلك فإن الطلب المقدم من المحامي لتعيين المرجع والذي لم يبين فيه الصفة التي قدمه بها وعمن هو موكل بتقديمه ولم يذكر فيه أسماء المستدعي والمستدعى ضدهم يغدو مقدما من غير ذي صفة وغير مستوف شرائطه الشكلية مستوجبا الرد. (6)

          ومتى أصدرت محكمة النقض قرارها بتعيين المرجع المختص ، لا يجوز اللجوء إليها مرة أخرى ، ولا يوصف قرارها بهذا الشأن بالقرار التمهيدي ، كما أنه ليس قرارا إداريا ، وليس هناك ما يجيز طلب للرجوع عنه .(7)

          ومن الملاحظ أن المشرع لم ينظم مسألة التنازع في الاختصاص بين المحاكم النظامية والمحاكم الشرعية أو الدينية الأخرى سواء في قانون السلطة القضائية أو في قانون تشكيل المحاكم النظامية ، بينما كان قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 الملغى يعالج هذه المسألة في المادة 11 منه إذ نصت على أنه : إذا حدث خلاف في الوظيفة بين المحاكم المذكورة في الفقرات الآتية يحق لأي من الفرقاء أن يطلب إلى رئيس محكمة التمييز ( أي النقض ) أن يعين محكمة خاصة للنظر في تعيين المرجع لرؤية الدعوى تؤلف من ثلاثة قضاة يكون اثنان منهم من قضاة المحكمة المذكورة يعينهما رئيسها وقاض ثالث من قضاة المحاكم الآتي بيانها:

  1. إذا كان الخلاف بين محكمة نظامية ومحكمة شرعية يعين رئيس محكمة الاستئناف الشرعية القاضي الثالث .
  2. إذا كان الخلاف بين محكمة نظامية ومحكمة دينية يعين رئيس محكمة الاستئناف الدينية المطلوب منها انتداب القاضي ، القاضي الثالث .
  3. إذا كان الخلاف يدور حول قضية ما من قضايا الأحوال الشخصية داخلة ضمن صلاحية إحدى المحاكم الدينية الخاصة بها  يكون القاضي الثالث رئيس أعلى محكمة دينية في المملكة الأردنية الهاشمية للطائفة التي يدعي أحد الفريقين المتقاضيين أنه تملك دون سواها حق النظر في القضية للفصل في هذا الخلاف.
  4. إذا كان الخلاف بين محكمة شرعية ومحكمة دينية أو في قضية تتعلق بالأحوال الشخصية بين أشخاص ينتمون إلى طوائف دينية مختلفة تؤلف المحكمة الخاصة من ثلاثة قضاة من قضاة محكمة التمييز يعينهم رئيسها وذلك بناء على طلب أي من الفرقاء لتعيين المرجع لرؤية القضية بعد الاستنارة برأي خبيرين عن الطوائف المختصة.

وفي جميع الحالات السابقة تنعقد المحكمة الخاصة برئاسة قاضي محكمة التمييز الأقدم ويترتب على المحكمة التي اعترض على صلاحيتها أن تؤجل جميع الإجراءات إلى أن تفصل المحكمة الخاصة في الأمر المعروض عليها.  

كما أن قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة رقم 2 لسنة 1938 نص في المادة 16 منه على أنه ” إذا وقع بين مجلس طائفة دينية ومحكمة نظامية أو بين مجلس طائفة دينية ومحكمة شرعية أو بين مجلسي طائفتين خلاف على الوظيفة فيجوز لكل من الفرقاء أن يقدم إلى وزير العدلية استدعاء يطلب به أن يعين محكمة لتبت في هذا الخلاف سواء أكان قبولا للدعوى أم رفضا لها . وعلى وزير العدلية عندما يصله هذا الطلب أن يؤلف محكمة خاصة لتنظر في تعيين المرجع :

أ- من قاضيين من قضاة محكمة الاستئناف النظامية ورئيس مجلس الطائفة الديني ذات العلاقة إذا كان الخلاف بين مجلس طائفة دينية ومحكمة نظامية .

ب- من قاضي القضاة وأحد قضاة محكمة الاستئناف ورئيس مجلس الطائفة الدينية ذات العلاقة إذا كان الخلاف بين محكمة شرعية ومجلس طائفة دينية .

ج- من أحد قضاة محكمة الاستئناف ومن رئيس\مجلسي الطائفتين صاحبتي العلاقة إذا كان الخلاف بين مجلسي طائفتين .

وفي جميع الأحوال المذكورة يعين وزير العدلية من هؤلاء رئيسا للمحكمة ويترتب على الشخص الذي قدم الاستدعاء بالصورة الآنف ذكرها أن يبرز إلى المحكمة أو المجلس الذي اعترض على وظيفته ما يثبت ما ورد في استدعائه ويجب على المحكمة أو المجلس الذي قدم الاستدعاء المذكور إليه أن يؤجل جميع الإجراءات إلى أن تبت المحكمة الخاصة في الأمر.

غير أن هذا النص ألغي بموجب المادة 24/11 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 التي نصت على أن يلغى أي تشريع أردني أو فلسطيني آخر صدر قبل سن هذا القانون إلى المدى الذي تكون فيه أحكام تلك التشاريع مغايرة لهذا القانون . ولكن بعد إلغاء قانون تشكيل المحاكم المذكور بالقانون رقم 5 لسنة 2001 دون تنظيم لهذه المسألة لم يعد هناك نص ينظم هذه المسألة ، لذلك عادت محكمة النقض لتطبيق نص المادة 16 من قانون مجالس الطوائف باعتبار أن إلغاء هذه المادة كان ضمنيا ولذلك عاد لها التطبيق بعد زوال النص المغاير ولم يعد هناك نص مغاير آخر ، فقضت أن محكمة النقض لا تكون مختصة بتعيين المرجع إذا كان التنازع بين محكمتين من المحاكم الكنسية التي تتولى النظر في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، بل يعد ذلك من صلاحيات وزير العدل عملا بالمادة 16 من قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة رقم 2 لسنة 1938 الساري المفعول في فلسطين .(8)


(1) مجموعة الأحكام القضائية والمبادئ القانونية الصادرة عن محكمة النقض، الجزء الثاني ، سنة 2007 ، صفحة 192-214 والجزء الثالث سنة 2008 صفحة 251-276 .

(2) نقض ( طلب) مدني رقم 29/2006 تاريخ 21/2/2006 ،  الجزء الثالث، صفحة 251.

(3) نقض مدني 28/2008 تاريخ 2/6/2008 ج 4 ص 361.

(4) نقض ( طلب) مدني 24/2007 تاريخ 9/12/2007 ج 3 ص 274.

(5) نقض مدني 10/2003 تاريخ 26/5/2003 ج 2 ص 157.

(6) نقض مدني 5/2004 تاريخ 5/4/2004 ج 2 ص 166.

(7) نقض مدني ( طلب) 1/2003 تاريخ 5/4/2003 ج 2 ص 154.

(8) نقض مدني 38/2006 تاريخ 19/5/2007 ج 3 ص 265.