الباب الأول – الحسابات المصرفية

المصرف وسيط بين الادخار والاستثمار، يقبل ودائع من المودعين؛ ويقرض هذه الودائع للمستثمرين. كما يقوم المصرف بعمليات مصرفية أخرى خدمة لعملائه مقابل أجر (عمولة). وهذه العملية قد تنقضي بمجرد تنفيذها فورا، مثل الوفاء بقيمة شيك مسحوب عليه.

غير أن أغلب العمليات المصرفية تستلزم علاقة مستمرة بين المصرف والعميل، عن طريق فتح حساب مصرفي لدى المصرف باسم العميل. تدون فيه العمليات التي يبرمها العميل مع المصرف كمفردات تدرج في أحد جانبي الحساب الدائن أو المدين، وتستمر حتى تسوى نهائيا باستخراج الرصيد الذي قد يكون دائنا لصالح المصرف ودينا في ذمة العميل، أو دائنا لصالح العميل ودينا في ذمة المصرف.

فالحساب المصرفي يمثل العلاقة القانونية المستمرة بين المصرف والعميل. ومفردات الحساب تمثل العمليات التي يبرمها العميل مع المصرف. وعن طريق الحسابات المصرفية تتحدد مراكز العملاء المالية في معاملتهم مع المصارف.

أهمية الحساب:

  1. يعد الحساب وسيلة لإثبات الديون الناشئة عن العمليات المصرفية التي تتم بين المصرف وعميله.
  2. كما يعد وسيلة قانونية لتسوية هذه الديون عن طريق المقاصة بين مفردات الحساب المدونة في جانبيه الدائن والمدين، وتحديد رصيد الحساب الذي قد يكون دائنا لصالح المصرف أو لصالح العميل.
  3. كما أنه وسيلة لتسوية الديون مع الغير عن طريق ما يسمى بالتحويل المصرفي أو إصدار الشيكات.

أنواع الحسابات المصرفية:

تكون العمليات التي يجري المصرف قيدها في الحساب إما ودائع نقدية أو عمليات ائتمان مصرفي.

أما بحسب طبيعة الحساب فقد يكون الحساب بسيطا أو عاديا، وقد يكون حسابا جاريا.

  1. الحساب العادي، ويمثل صورة العمليات التي تتم بين العميل والمصرف؛ مع احتفاظ كل عملية بذاتيتها وخصائصها.
  2. الحساب الجاري، ويمثل صورة العمليات التي تتم بين العميل والمصرف وتتلاشى فيه العملية المصرفية بمجرد قيدها في الحساب وتفقد ذاتيتها فلا تصبح سوى مجرد مفردات تدرج في الحساب، ويستمر ذلك حتى يقفل الحساب وتصفى جملة العمليات التي تمت فيه بعملية وفاء واحدة تبين الرصيد ومركز كل من طرفيه إزاء الآخر سواء كان دائنا أو مدينا.

القواعد التي تنظم الحسابات المصرفية:

سواء كان الحساب المصرفي عاديا أم جاريا فإنه يشتمل على جانبين:

  1. الجانب الدائن ويسمى (له): وتدرج فيه العمليات التي تمثل التزاما في ذمة المصرف للعميل وهي
  1. المبالغ التي أودعها العميل في حسابه (الودائع النقدية).
  2. المبالغ التي استلمها المصرف من الغير لحساب العميل بمقتضى تحويل مصرفي.
  3. قيمة الأوراق التجارية التي يحصلها المصرف من الغير لحساب العميل بوصفه وكيلا عنه.
  4. فوائد وأرباح الأسهم والسندات أو قيمتها عند استهلاكها أو بيعها بوصفه وكيلا أيضا عن العميل.
  5. الجانب المدين ويسمى (منه): وتدرج فيه العمليات التي تمثل التزاما في ذمة العميل للمصرف أي المبالغ التي يدفعها المصرف للعميل وهي:
  1. قيمة القروض.
  2. قيمة الشيكات التي سحبها العميل لأمره وحصل عليها نقدا.
  3. قيمة الشيكات وسندات السحب التي سحبها العميل على المصرف لأمر الغير.
  4. ما دفعه المصرف للغير بأمر العميل بتحويل مصرفي أو بمقتضى اعتماد مستندي أو خطاب ضمان.
  5. يستمر قيد المفردات في الحساب في أحد جانبيه حتى تسوى نهائيا بطرح مجموع الجانب الأقل من الجانب الأكثر، واستخلاص الرصيد الذي يعين مركز الطرفين الدائن والمدين.

فتح الحساب المصرفي:

فتح الحساب المصرفي هو تصرف قانوني إرادي ينشأ باتفاق بين المصرف وطالب فتح الحساب. لذلك يشترط لانعقاده توافر أركان انعقاد العقد وشروط صحته وفقا للقواعد العامة.

وقد جرت العادة أن يحدد المصرف شروط العقد في ورقة مطبوعة، تتضمن القواعد العامة التي تخضع لها جميع الحسابات المصرفية، تنص على أن تشكل هذه الأحكام جزءا متمما لطلب فتح الحساب الموقع من طالب فتح الحساب لدى أي فرع.

ويقوم العميل بملء فراغات فيها وتوقيعها وتقديمها للمصرف لدراستها، ويقر العميل بتوقيعه على الطلب بأنه قد تفهم هذه الأحكام بدقة ووافق على سريانها على الحساب الذي يطلب فتحه مع المصرف. دون إخلال بحق المصرف في تعديل جميع ما ورد في هذه الأحكام أو أي جزء منها في أي وقت من الأوقات؛ واعتبار التعديل نافذا بحق العميل اعتبارا من تاريخ إشعاره بكتاب يوجه إليه بالبريد العادي على عنوانه المبين في الطلب، لذلك يعد عقد فتح الحساب المصرفي من عقود الإذعان.

كما يقوم المصرف قبل إصدار قراره بالموافقة على فتح الحساب بالتحري عن حالة العميل للتأكد من أنه يتمتع بالثقة اللازمة للتعامل الصرفي، لذلك قد يرفض فتح حساب لعميل غير مرغوب فيه حتى لو لم يتضمن فتح الحساب منح العميل ائتمانا ماليا، لأن مجرد فتح الحساب قد يخلق مظهرا يطمئن الغير إلى التعامل مع هذا العميل، الذي قد يستغل هذا المظهر في تعامله مع الغير إذا كان غير أمين، فالاعتبار الشخصي والثقة عنصر هام في التعامل المصرفي.

والحساب المصرفي قد يكون حسابا منفردا باسم شخص واحد، كما قد يكون حسابا مشتركا باسم عدة أشخاص، كما قد يكون للشخص الواحد عدة حسابات في البنك ذاته.

الحساب المشترك:

نصت المادة 338 من مشروع قانون التجارة على أنه:

  1. يجوز أن يفتح المصرف حسابا مشتركا بين شخصين أو أكثر بالتساوي فيما بينهم، ما لم يتفق على غير ذلك.
  2. يفتح الحساب المشترك بناء على طلب أصحابه جميعا، ولا يجوز السحب من هذا الحساب إلا بموافقتهم جميعا، ما لم يتفق على غير ذلك.
  3. إذا أخطر أحد أصحاب الحساب المشترك المصرف كتابة بوجود خلاف بينهم، وجب على المصرف تجميد الحساب حتى تتم تسوية الخلاف رضاء أو قضاء.
  4. إذا وقع حجز على رصيد أحد أصحاب الحساب المشترك، سرى الحجز على حصة المحجوز عليه من رصيد الحساب يوم إبلاغ المصرف بالحجز، وعليه وقف السحب من الحساب المشترك بما يساوي الحصة المحجوز عليها، وإخطار أصحابه أو من يمثلهم بالحجز خلال مدة لا تجاوز خمسة أيام.
  5. في حالة وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك او فقده أهليته القانونية، وجب على الباقين إخطار المصرف بذلك وبرغبتهم في استمرار الحساب، وذلك خلال مدة لا تجاوز عشرة أيام من تاريخ الوفاة أو فقد الأهلية، وعلى المصرف وقف السحب من الحساب المشترك حتى يتم تحديد الورثة أو تعيين القيم على من فقد أهليته.

وقد يكون الحساب مشتركا دون تضامن، وقد يكون مشتركا مع تضامن إيجابي أو سلبي.

  1. الحساب المشترك دون تضامن:

يجوز أن يفتح لدى المصرف حساب مشترك دون تضامن، كما لو فتح ورثة حسابا مشتركا انتظارا لنتيجة قسمة التركة بينهم، أو حسابا مشتركا لشركاء في شركة محاصة، وكذلك الحساب المشترك بين زوجين. وتسري على هذا الحساب جميع أحكام الشيوع ما لم يتفق على غير ذلك.

ويتم تشغيل الحساب المشترك من قبل الأشخاص مجتمعين؛ لذلك يتعين عليهم جميعا التوقيع في كل عملية؛ ما لم يوكلوا أحدهم في ذلك، بحيث يقوم بتشغيل الحساب بالأصالة عن نفسه بالنسبة لحصته؛ وبصفته وكيلا عن شركائه بالنسبة لحصصهم في الحساب المشترك.

وإذا انتهى الحساب برصيد دائن يكون لمن له سلطة تشغيل الحساب سحب الرصيد كله. أما إذا انتهى رصيد الحساب مدينا لصالح المصرف، فإنه لا يملك أن يطالب كل مشترك إلا بحصته فقط في الرصيد المدين لعدم وجود تضامن. لذلك فإن المصرف لا يفتح حسابا مشتركا في العادة إلا إذا اشترط تضامن جميع المفتوح لهم الحساب المشترك؛ حتى يتمكن من مطالبة أي منهم بالرصيد المدين كله، وهذا ما يسمى بالتضامن السلبي لمصلحة المصرف.

وإذا توفي أحد أصحاب الحساب أثناء سريانه يوقف الصرف من الحساب لحين إجراء فرز حصته وتحديد ورثته، ومعرفة نصيب كل منهم. وفي غياب الاتفاق المكتوب الثابت التاريخ يكون الحق في رصيد هذا الحساب لجميع أصحابه بالتساوي.

  1. الحساب المشترك مع التضامن الإيجابي بين المشتركين:

يتم في هذا الحساب الاتفاق مع المصرف على فتح حساب مشترك بين عدة أشخاص، على أن يكون بينهم تضامن إيجابي. في هذه الحالة يكون لكل واحد من المشتركين الحق الكامل في الحساب كما لو كان مفتوحا باسمه وحده، فله سلطة تشغيل الحساب بمفرده؛ سواء بالسحب أو الإيداع، طالما كان التضامن قائما بين المشتركين في الحساب، وما دام أنه لم تحدث معارضة من قبل أحد المشتركين على سلطة الآخر؛ موجهة للمصرف ليمتنع عن الوفاء بنصيب المعارض إلى أي دائن آخر من المتضامنين. أو لم يقع حجز من دائن أحدهم على حسابه. ويكون كل منهم مسئولا أمام زملائه وفقا لقواعد التضامن ولما بينهم من اتفاق.

هذا التضامن الإيجابي بين المشتركين في الحساب يكون مصحوبا بتضامن سلبي بينهم لصالح المصرف؛ بحيث يكون له أن يطالب كلا منهم بكل الرصيد المدين.

وتكون حقوق كل منهم أو خلفائهم في الحساب؛ وفي جميع الأوقات بالتساوي بينهم، بحيث يحق للمصرف أن يقوم بتوزيعه على هذا الأساس دون أن يكون لهم أو لخلفائهم الحق في الاعتراض على ذلك، إلا إذا تم الاتفاق فيما بينهم على خلاف ذلك.

  1. تعدد الحسابات لشخص واحد:

يجوز للعميل أن يفتح لدى المصرف أكثر من حساب باسمه، كما لو فتح تاجر حسابا لحاجاته الشخصية؛ وحسابا لحاجات تجارته، أو حسابا جاريا وآخر حساب ودائع. والأصل أن يكون كل حساب مستقلا عن الآخر فتحا وتشغيلا وقفلا ما لم يتفق صراحة على غير ذلك. وفي ذلك نصت المادة 337 من مشروع قانون التجارة على أنه (إذا تعددت حسابات المودع في مصرف واحد أو في فروعه، اعتبر كل حساب منها مستقلا عن الحسابات الأخرى، ما لم يتفق على غير ذلك). (1)

لذلك جرت المصارف على أن يتضمن عقد فتح الحساب نصا يقر بموجبه العميل بأن حساباته المتعددة لدى المصرف تكون في مجموعها حسابا واحدا، حتى يتمكن من تلافي المشاكل؛ وضم تلك الحسابات في حساب واحد وتصفيته متى اقتضى الأمر ذلك، وخاصة إذا تم الحجز على رصيد العميل أو أشهر إفلاسه.

وتنص الأحكام العامة في العقد على أن العميل يفوض المصرف؛ وفقا لإرادته المطلقة؛ بجواز صرف أية مسحوبات بمعرفة العميل في شكل شيكات أو تحويلات أو أوامر دفع لم يتوفر لتغطية قيمتها رصيد كاف في حساب العميل، وذلك بضمان ودائع العميل الأخرى لدى المصرف.

كما تنص على أن العميل يخول المصرف دون حاجة لأي إشعار أو تفويض لاحق إجراء المقاصة بين أية مبالغ مستحقة للمصرف على العميل؛ وبين أية أرصدة دائنة عائدة للعميل لدى أي فرع من فروع المصرف.

تشغيل الحساب:

يبدأ الحساب لدى المصرف بفتحه وينتهي بقفله. وخلال المدة بين الفتح والقفل يتم تشغيل الحساب؛ بإجراء قيد نتائج العمليات التي تتم بينهما.

فتشغيل الحساب يعني قيد الديون الناشئة عن المدفوعات المتبادلة في الحساب، سواء كانت إيداعا أم سحبا.

فالحساب يفتح لقيد العمليات التي تتم بين طرفيه، ويقوم كل من الطرفين في هذه العمليات بدور الدائن أحيانا وبدور المدين أحيانا أخرى.

وتسمى القيمة التي تقيد في الحساب وتصير مفردا من مفرداته بالمدفوع، ويشترط فيه أن يكون دينا نقديا محقق الوجود وخاليا من النزاع، لأن تسوية المدفوعات تكون بالمقاصة بينها عند قفل الحساب، لذلك لا بد أن تكون متماثلة لتكون المقاصة بينها ممكنة.

وإذا أجرى البنك قيدا لعملية معينة؛ ثم تبين خطأ القيد، لا يجوز للبنك شطب القيد أو كشطه، ولكن يجري البنك قيدا عكسيا في الجانب المقابل وفي تاريخ اكتشاف الخطأ، ومن ثم يبطل الأثر القانوني للقيد.

لذلك تنص الأحكام العامة التي تخضع لها حسابات العميل لدى المصارف التجارية بأن يحتفظ المصرف بحقه؛ ودون حاجة إلى توجيه إشعار مسبق للعميل؛ بأن يعكس أي قيد تم في الحساب بطريق الخطأ.

ويظل تشغيل الحساب مستمرا بإجراء القيود في الجانب الدائن وفي الجانب المدين؛ إلى أن يقطع في المواعيد الدورية التي يحددها البنك لإرسال مستخرج من الحساب إلى العميل.

وتنص المادة 334/1 من مشروع قانون التجارة على أنه (1-يرسل المصرف بيانا بالحساب إلى المودع مرة على الأقل كل سنة، إلا إذا قضى الاتفاق أو العرف بإرسال البيان أكثر من مرة خلال السنة، ويجب أن يتضمن البيان صورة من الحساب بعد آخر قطع له ومقدار الرصيد المرحل.

وقد كان العرف المصرفي قد جرى على قطع الحساب كل ثلاثة أشهر أو كل ستة أشهر، غير أنه في الوقت الحاضر لم يعد المصرف يرسل كشفا دوريا بالحساب، ما لم يطلب العميل ذلك، بعد أن أصبح بإمكان العميل الحصول على الكشف أو الرصيد في أي وقت من خلال الصراف الآلي.

وتنص الأحكام العامة على أن يرسل المصرف كشف الحساب على عنوان العميل المدون لديه، ويعد الحساب صحيحا وموافقا عليه ما لم يرد إلى المصرف اعتراض خطي على صحته خلال 15 يوما من تاريخ إرساله، وأن أي تبليغ أو إشعار يرسل إلى هذا العنوان يعد صحيحا ومتفقا والأصول. كما ينص على ذلك في كشف الحساب المرسل للعميل. وتنص المادة 334/2 من مشروع قانون التجارة على أنه (2-لا يقبل أي طلب لتصحيح الحساب، ولو كان مبنيا على غلط أو سهو أو تكرار، وذلك فيما يتعلق بالقيود التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، ما لم يخطر المودع المصرف خلال هذه المدة بعدم تسلمه بيانا بحسابه وفقا للأوضاع المذكورة في الفقرة السابقة).

ولا يترتب على قطع الحساب في المواعيد الدورية سوى تعطيله لحظة معينة؛ لتحديد الرصيد وإخطار العميل بمستخرج من الحساب عن العمليات في نهاية المدة السابقة.

كما قد يوقف الحساب لسبب عارض كالحجز على رصيد العميل. حيث يتم تجميد الحساب ووقف تشغيله إلى أن يرفع الحجز. فيمتنع البنك – متى أعلن بالحجز – أن يدفع أي مبلغ من شأنه إجراء خصم من رصيد العميل. ويتوقف مصير الحساب على مصير الحجز؛ فإذا رفع الحجز وديا أو قضائيا؛ يعود تشغيل الحساب. أما إذا لم يرفع وتم التنفيذ على رصيد الحساب يقفل الحساب نهائيا وتتم تصفيته.

قفل الحساب:

يقصد بقفل الحساب وقف تشغيله بشكل نهائي؛ بحيث تتم تسوية مفرداته وتحديد رصيده، دائنا أو مدينا لأحد طرفيه.

والأصل أن يفتح الحساب لمدة غير محددة، لذلك يجوز لأي من الطرفين طلب إنهاء العقد؛ وبالتالي قفل الحساب بصورة نهائية. على أن يكون ذلك في وقت مناسب ووفقا لما يقضي به مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.

ولما كان الحساب المصرفي يقوم على الاعتبار الشخصي؛ أي الثقة الشخصية بين المصرف والعميل، فإن الحساب يقفل لأي سبب من الأسباب التي يتأثر بها هذا الاعتبار الشخصي.

كما يقفل الحساب بوفاة العميل أو الحجر عليه أو إفلاسه. أو بسبب تصفية المصرف باعتباره شركة مساهمة عامة للأسباب التي حددها قانون الشركات، سواء كانت تصفية اختيارية أم تصفية إجبارية.

ومتى أقفل الحساب لا يجوز قيد عمليات جديدة فيه، ثم يصفى بجمع المفردات المقيدة في الجانب الدائن والمفردات المقيدة في الجانب المدين، وطرح المجموع الأقل من المجموع الأكبر، فينتج الرصيد ويتحدد مركز كل من المصرف والعميل، فيكون أحدهما دائنا والآخر مدينا.

ومتى أقفل الحساب وتمت تصفيته وتحديد الرصيد، تعين إقراره من الطرفين صراحة أو ضمنا. وتستخلص المحكمة الموافقة الضمنية من ظروف الحال، وغالبا ما يكون سكوت العميل على كشف الحساب المرسل إليه من المصرف قرينة على عدم اعتراضه عليه.

ومتى أقفل الحساب وصفي وأقر الطرفان نتيجة التصفية صراحة أو ضمنا؛ لا يجوز بعد ذلك المنازعة في الحساب.

ولكن يجوز تصحيح الحساب في حالة الغلط المادي في بعض مفرداته، مثل ترك قيد أو تكراره، أو في حالة الغش.

والحسابات المصرفية تشمل حساب الودائع؛ والحساب الجاري، غير أن هذين الحسابين لا يظهران في ميزانية المصرف بصورة مستقلة، وإنما يشكلان معا بندا واحدا؛ ورقما واحدا.

وقبل دراسة كل من هذين الحسابين بالتفصيل، لا بد من الإشارة بإيجاز إلى بعض الفوارق بينهما.

  1. يمثل حساب الودائع الأموال التي يودعها الأشخاص من غير التجار والمؤسسات التجارية والصناعية، أو الأموال التي يودعها التجار أنفسهم؛ ولكن من أجل استعمالها في حياتهم الخاصة وأعمالهم الخارجة عن نطاق تجارتهم، وهو حساب قليل التغير إلى حد ما، ويكاد يكون ثابتا.

أما الحساب الجاري؛ فإنه يمثل ودائع التجار والصناعيين؛ وهو متجدد ودائم الحركة، لأن أعمال هذه الفئة من الناس تتتابع باستمرار، وهذه الحركة تستدعي بالضرورة إجراء القيود بكثرة في جهتي الحساب، الإيجابية والسلبية، أي الدائنة والمدينة.

  1. لا يرتكز حساب الودائع على فتح اعتماد ما لصالح صاحبه؛ إلا في القليل النادر، ويعود ذلك إلى أن الأموال المودعة في هذا الحساب موضوعة على سبيل الحفظ؛ بانتظار استخدامها في الاستهلاك، والاستهلاك عادة لا يقتضي الاعتماد. أما الحساب الجاري فيرافقه دائما فتح اعتماد، لأن أصحابه يقومون بأعمال انتاجية، ولأن من الخير تشجيع الاعتماد الإنتاجي دون الاعتماد الاستهلاكي.

ويترتب على ذلك أن حساب الودائع يكون – في غالب الأحيان- دائنا ، وهو لا يعرض المصرف لأي خطر.

أما الحساب الجاري فقد يكون دائنا وقد يكون مدينا، وفي هذه الحالة الأخيرة؛ يتعرض هذا الحساب المدين إلى جميع آثار الهزات المالية؛ والاقتصادية التي تصيب المدين نفسه، وتنعكس هذه الآثار على المصرف الدائن، وكثيرا ما يؤدي التمادي في فتح الاعتمادات إلى إفلاس المصرف، يوم يعجز المدين عن الوفاء؛ ويعجز المصرف بالتالي عن إجابة طلبات المودعين الذين يتقدمون طالبين منه استرداد ودائعهم.

  1. وهناك اختلافات فنية في قيود حساب الودائع والحساب الجاري، وفي آثار القيد في كل منهما، وفق التفصيل الذي سيأتي عند بحث آثار القيد في الحساب الجاري.

ونتناول حساب الودائع المصرفية في فصل أول، والحساب الجاري في فصل ثان، والتحويل المصرفي في فصل ثالث.

(1)(1) تنص المادة 336 من مشروع قانون التجارة على أنه (يكون التعامل في فرع المصرف الذي فتح فيه الحساب، ما لم يتفق على غير ذلك). وقد جرى العمل على أن للعميل السحب من أي فرع من خلال الصراف الآلي.