الفصل الخامس – إعادة المحاكمة

      إعادة المحاكمة هي طريق طعن غير عادي يسلكه أحد الخصوم للطعن في حكم نهائي لدى المحكمة التي أصدرته، بقصد الرجوع عنه، إذا توافر سبب من الأسباب التي حددها القانون على سبيل الحصر، ليتمكن من السير في النزاع من جديد أمام نفس المحكمة.

      وينقسم كلامنا عن إعادة المحاكمة إلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: الأحكام التي يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة والتي لا يجوز فيها ذلك.

المبحث الثاني: أسباب الطعن بإعادة المحاكمة.

المبحث الثالث: ميعاد تقديم الطعن وإجراءاته والحكم فيه.

المبحث الأول

الأحكام التي يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة والتي لا يجوز فيها ذلك

      نتناول هذا المبحث في مطلبين:

المطلب الأول: الأحكام التي يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة.

المطلب الثاني: الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة.

المطلب الأول

الأحكام التي يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة

      تنص المادة 250 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه “لا يجوز الطعن بطريق إعادة المحاكمة إذا كان الحكم قابلا للطعن فيه بطرق الطعن الأخرى”.

      ويتبين من هذا النص أن الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق إعادة المحاكمة هي الأحكام التي لا تقبل أي طريق من طرق الطعن الأخرى. وذلك لتمكين المحكوم عليه من فرصة أخيرة لإصلاح بعض العيوب التي تشوب الحكم.

      وطرق الطعن الأخرى التي نص عليها القانون بالنسبة للخصوم في الدعوى هي طريق العن العادي بالاستئناف، وطريق الطعن غير العادي بالنقض، فإذا كان الحكم قابلا للطعن بأي من هذين الطريقين على الخصم أن يسلك هذا الطريق ولا يجوز له الطعن في الحكم بطريق إعادة المحاكمة. أما إذا كان الحكم غير قابل للطعن فيه بأي من هذين الطريقين فإن للخصم الطعن فيه بطريق إعادة المحاكمة، سواء كان الحكم صادرا من محاكم الدرجة الأولى أي محكمة الصلح أو محكمة البداية، أم من المحاكم الاستئنافية أي محكمة البداية بصفتها الاستئنافية أو محكمة الاستئناف. وسواء صدر بصفة نهائية، أم صدر بصفة ابتدائية ثم أصبح نهائيا لقبول الخصم به أو فوات ميعاد الطعن فيه، لأن المشرع لم يشترط لجواز الطعن بطريق إعادة المحاكمة استنفاذ الحكم كافة طرق الطعن العادية، بل اكتفى بعدم قابلية الحكم للطعن فيه بطرق الطعن الأخرى.

      والعلة من إتاحة الفرصة للخصوم للطعن بطريق إعادة المحاكمة أن أسباب الطعن بهذا الطريق تستند إلى خطأ في الإجراءات أو خطأ في الوقائع غير منسوب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل إلى خصم في الدعوى، لذلك إذا علم الخصم بهذا السبب خلال مدة الطعن في الحكم بالاستئناف أو بالنقض، تكون أمامه فرصة للطعن في الحكم بهذا الطريق، ولذلك لا يجوز له الطعن بطريق إعادة المحاكمة . أما إذا كانت مواعيد الطعن قد انتهت ثم علم الخصم بالسبب ، لا يكون أمامه أي طريق للطعن في الحكم لتصحيح الخطأ الذي شابه، لذلك أتاح له المشرع الطعن فيه بطريق إعادة المحاكمة.

       ولا يجوز القول هنا إن الخصم الذي قبل الحكم أو فوت ميعاد الطعن فيه بطريق الطعن العادي أسقط بفعله حقه في الطعن بالطريق العادي لذلك يمتنع عليه الطعن في الحكم بطريق إعادة المحاكمة إذا ما تبين له بعد ذلك وجود سبب من الأسباب الواردة في القانون، لأن أسباب الطعن كما قلنا لا تستند إلى خطأ المحكمة، لذلك قد يقبل الخصم الحكم أو يفوت ميعاد الطعن فيه لجهله بهذا السبب، فلا يجوز حرمانه من الطعن بطريق إعادة المحاكمة إذا علم سبب الطعن بعد ذلك، حتى لا يستفيد خصمه من الخطأ الذي ارتكبه.

المطلب الثاني

الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها بإعادة المحاكمة

     لا يجوز الطعن بإعادة المحكمة في الأحكام الآتية:

أولا: الأحكام الصادرة عن قاضي الأمور المستعجلة فهذه الأحكام ذات صفة مؤقتة، ويجوز طلب تعديلها أو الرجوع عنها إذا تغيرت الظروف وزال السبب الذي أدى إلى صدورها، وذلك بالرجوع إلى قاضي الأمور المستعجلة الذي أصدرها، فلا يكون هناك داع لطلب إعادة المحاكمة فيها.

ثانيا: الأحكام القابلة للطعن بطريق آخر، وقد سبق بيان ذلك.

ثالثا: الأحكام الصادرة عن محكمة النقض، إذ أن تلك الأحكام هي خاتمة المطاف ولا تبقل الطعن بأي طريق عملا بالمادة 242.

رابعا: الأحكام الصادرة نتيجة طلب إعادة محاكمة سابق، وقد نصت على ذلك المادة 258 بقولها “لا يجوز الطعن بطريق إعادة المحاكمة مرة أخرى في الحكم الصادر بإعادة المحاكمة”. فلا يجوز الطعن في الحكم الصادر نتيجة إعادة المحاكمة، سواء قرر رفض الطعن أم قبوله ومن ثم الحكم في موضوع الدعوى من جديد.

      ولكن السؤال الذي يثور هو ما إذا كان أحد الخصوم قد طعن في حكم ما بطريق إعادة المحاكمة لسبب معين، وصدر الحكم في هذا الطعن. هل يجوز الطعن في الحكم الأصلي مرة أخرى بطريق إعادة المحاكمة لسبب آخر من الأسباب التي نص عليها القانون ظهر في وقت لاحق للحكم الصادر في الطعن الأول؟

      وللإجابة على هذا السؤال نلاحظ أن نص المادة 258 قصر عدم جواز الطعن بطريق إعادة المحاكمة على الحكم الصادر في الطعن بإعادة المحاكمة، ولا يجوز التوسع في هذا المنع. وعلى ذلك يجوز تقديم طعن جديد في ذات الحكم الأصلي إذا بني على سبب لم يكتشف إلا بعد صدور الحكم في الطعن الأول، تحقيقا للعدالة.

      فلو كان الطعن الأول مبنيا على أن الحصول على الحكم قد تم بطريق الغش أو الحيلة، ولم يستطيع الطاعن إثبات هذا السبب، ورفض طعنه، ثم بعد ذلك ثبت أن المستند الذي بني عليه الحكم مزور، أو قضي بزور شهادة الشاهد، أو ظهرت الأوراق التي كان الخصم قد أخفاها أو حمل الغير على إخفائها فإنه يجوز تقديم طعن جديد بطريق إعادة المحاكمة لهذا السبب الجديد إذا كان ميعاد الطعن ما زال قائما.


(1) تسمى إعادة المحاكمة في قانون المرافعات المصري بالتماس إعادة النظر.