الفصل الثالث – مصادر الحق

المقصود بمصادر الحق :

يستند الحق في وجوده إلى القانون لأنه هو الذي ينظمه ويحميه ، فالقانون هو مصدر كل الحقوق . ولكن القانون في تقريره للحقوق يجعل كسبها رهينا بتوفر أوضاع معينه يترتب عليها نشوء الحق حيث يعتد بوقائع أو أحداث معينه فيرتب على تحققها وجود الحق ، لذا تعتبر هذه الوقائع أو الأحداث المصدر المباشر للحق . فإذا اشترى شخص شيئا من مالكه انتقلت إليه الملكية ، ويكون المصدر المباشر لحق الملكية هو عقد البيع بينما يكون القانون مصدراً غير مباشر .

والمصدر المباشر قد يكون من عمل الطبيعة أو عملاً مادياً من فعل الإنسان ويسمى في هذه الحالة بالواقعة القانونية . كما قد يكون عملاً أو تصرفاً إرادياً يقوم به الإنسان ويسمى في هذه الحالة بالتصرف القانوني . وعلى ذلك يمكن رد المصادر المباشرة للحق إلى مصدرين أساسيين هما : الواقعة القانونية ، والتصرف القانوني .

أولا : الواقعة القانونية

يقصد بالواقعة القانونية ، الواقعة المادية التي يرتب القانون عليها أثراً معيناً سواء كانت من فعل الطبيعة أم من فعل الإنسان .

1) الوقائع الطبيعية :

وهي الوقائع التي تكون من عمل الطبيعة دون أن يكون للإنسان دخل في حدوثها، فهي تشمل الظواهر الطبيعية كمرور الزمن المترتب على دوران الأرض والذي قد يترتب عليه انقضاء ميعاد قانوني ، أو حدوث زلزال يمكن أن يعتبر قوة قاهرة تعفي المدين من الوفاء بالتزامه إذا ترتب عليه استحالة تنفيذ هذا الالتزام . كما تشمل الحوادث التي تكون متصلة بالإنسان دون أن يكون لإرادته دخل في حدوثها ، كالولادة التي تبدأ بها شخصية الإنسان ، والقرابة التي ترتب النفقة ، والموت الذي تنتهي به الشخصية ويرتب حق الإرث.

ويتضح من ذلك أن هذه الوقائع قد تكون سبباً في اكتساب الحق أو في انقضائه سواء كان حقاً شخصياً أم حقاً عينياً .

2) الوقائع القانونية التي تكون من فعل الإنسان :

وهي الأعمال المادية التي تصدر من الإنسان سواء كانت باختياره ، أي أرادها وأراد الأثر المترتب عليها ، كمن يصلح حائطاً للجار معرضاً للسقوط دون أن يكون ملزماً بذلك فيلتزم الجار برد ما أنفقه . أم أرادها دون أن يريد الأثر المترتب عليها ، كمن يتلف عمداً شيئاً مملوكاً للغير أو يبني في أرض جاره فيلتزم بالتعويض عن الضرر . أم كانت بغير اختياره أي لا يريد العمل الصادر منه ولا يريد الأثر المترتب عليه ، كمن يقوم بفعل ضار عن إهمال ودون قصد مثل الإصابة الخطأ .

ويرتب القانون أثرا على جميع هذه الوقائع بصرف النظر عن إرادة صاحبها فهذا الأثر يقع بقوة القانون .

ثانيا : العمل أو التصرف القانوني

التصرف القانوني هو اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين سواء كان هذا الأثر هو إنشاء ، أم تعديل ، أم نقل ، أم إنهاء حق من الحقوق . ففي عقد البيع مثلاً تتجه إرادة البائع إلى التزامه بنقل ملكية المبيع إلى المشتري وكسب الحق في الثمن ، وتتجه إرادة المشتري نحو التزامه بدفع الثمن وكسب ملكية المبيع .

والتصرفات القانونية تنقسم إلى تقسيمات عدة منها :

  1. تصرف من جانب واحد أي بإرادة منفردة كالوصية ، والوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور ، والإقرار . وتصرف صادر من جانبين ، أي لا يتم تكوينه إلا باتفاق إرادتين كالبيع والإيجار وسائر العقود . وهذه التصرفات قوامها الإرادة ولذا تترتب آثارها بسلطان الإرادة لا بقوة القانون ، ولذا لا تتمتع الإرادة بهذا إلا إذا كانت كاملة صادرة عن ذي أهلية خالية مما يعيبها .
  2. تصرف نافع نفعا محضا ، وهو التصرف الذي يترتب عليه دخول مال في ذمة الشخص دون مقابل يعطيه أي يخرج من ذمته مثل قبول الهبة . وتصرف ضار ضرراً محضاً يترتب عليه افتقار الشخص أي خروج مال من ذمته دون مقابل مثل الهبة بالنسبة للواهب ، والإبراء بالنسبة للدائن . وتصرف دائر بين النفع والضرر ، وهو التصرف الذي يحتمل في أصله الربح والخسارة ، فلا يترتب عليه اغتناء الشخص اغتناءً محضاً ولا افتقاره افتقاراً محضاً ، بل يقوم على نوع من الأخذ والعطاء ، فيخرج مال من ذمة الشخص مقابل مال يدخل فيها ، مثل البيع والإيجار، والشركة . وهي تتفرع إلى أعمال حفظ ، وأعمال إدارة ، وأعمال تصرف .
  3. تصرف بعوض ، إذا أخذ المتصرف مقابلاً لما أعطاه كالبيع والإيجار ، وتصرف بدون عوض يعطي فيه المتصرف ولا يأخذ كالهبة والوصية .
  4. تصرف فيما بين الأحياء كالبيع ، وتصرف مضاف إلى ما بعد الموت كالوصية .
  5. تصرف منشئ ، أي ينشئ الحق ابتداء أو ينقله من شخص إلى آخر ، فيكسب الشخص حقاً لم يكن له من قبل كعقد البيع وعقد المقاولة . وتصرف كاشف أو مقرر يتناول حقاً للشخص كان موجوداً من قبل مستنداً إلى مصدر آخر ، فيخلصه من أوضاع كانت تشوب تحديده وتحد من فاعليته ، ويكسبه تأكيداً كان ينقصه عندما كان محلاً للنزاع كالصلح حيث لا ينقل الحق الذي كان محلاً للنزاع من أحد المتصالحين للآخر ، بل يحسم النزاع عن طريق تنازل كل طرف عن جزء من ادعائه واعترافه للشخص الآخر ببعض ما يدعيه . وكذلك قسمة المال الشائع حيث تكشف عن حق ثابت من بدء الشيوع عن طريق الإفراز .

ثالثا : الواقعة والتصرف كمصدر للحقوق الشخصية والحقوق العينية

بين القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية في الباب الأول من الكتاب الأول منه ، فتناول كل مصدر منها في فصل مستقل . وهذه المصادر هي العقد ، والتصرف الانفرادي ( الوعد )، والفعل الضار ، والفعل النافع ، والقانون .

أما بالنسبة لمصادر الحقوق العينية فلم يفرد لها المشرع باباً خاصاً ، بل اكتفى بالكلام عن أسباب كسب حق الملكية في الفصل الثاني من الباب الأول من الكتاب الثالث وهي إحراز المباحات (الاستيلاء) ، والضمان ، والميراث ، والوصية ، والاتصال (الالتصاق) ، والعقد ، والشفعة ، والأولوية ، والحيازة . كما أشار لأسباب كسب كل من الحقوق العينية الأصلية ، وهي الحقوق المتفرعة عن الملكية ، بمناسبة الحديث عن كل منها . أما بالنسبة للحقوق العينية فالسبب المنشئ لها هو إما العمل القانوني كعقد الرهن أو القانون كحق الامتياز .