الفصل الرابع – توزيع حصيلة التنفيذ

الغاية من التنفيذ الجبري هي توزيع المبالغ التي يتم تحصيلها من المدين ثمنا للأموال التي تم بيعها عن طريق دائرة التنفيذ؛ بين الدائنين الذين تقدموا بالمطالبة بديونهم، بعد أن تقرر دائرة التنفيذ لأصحاب الديون الممتازة ما يخصهم وتحتفظ به لهم؛ وإن لم يقدموا طلبا بدفع ما لهم من ديون.

لذلك نبين حق الامتياز ودرجاته أولا، ثم توزيع حصيلة التنفيذ ثانيا في مبحثين على التوالي. ثم نختم هذا الفصل بمبحث ثالث لبعض مسائل متنوعة نص عليها قانون التنفيذ في الفصل الثالث من الباب الرابع منه.

المبحث الأول

حق الامتياز والقواعد التي تحكمه

الامتياز حق عيني تبعي يخول الدائن أسبقية اقتضاء حقه؛ ويتقرر بنص القانون مراعاة لصفة الدين، فالمشرع عندما يقرر الامتياز لدين من الديون لا يراعي إلا صفة هذا الدين دون اعتبار لشخص الدائن، وهذه الصفة هي التي تجعل الدين في نظره جديرا بالحماية.

وقد حدد المشرع قواعد تحكم حقوق الامتياز ودرجاته عند توزيع حصيلة التنفيذ، لذلك نبحث تقسيم حق الامتياز ودرجاته أولا، ثم القواعد التي تحكم حقوق الامتياز ثانيا في مطلبين.

المطلب الأول

تقسيم حق الامتياز ودرجاته

يتبين من نص المادة 148/1 من قانون التنفيذ أن حقوق الامتياز نوعان، حقوق امتياز عامة تشمل أموال المدين كلها، وحقوق امتياز خاصة تتعلق بقسم منها.

الفرع الأول
حقوق الامتياز العامة

نصت المادة 149 من قانون التنفيذ على أن:

  1. الديون الممتازة امتيازا عاما هي:
  1. نفقة الزوجة والأولاد والوالدين المحكوم بها.
  2. الضرائب والرسوم التي تجبيها الحكومة مهما كان نوعها سواء كانت من الأموال التي تجبى مباشرة أو بالواسطة.
  3. تستوفى جميع الديون المذكورة في البند (1) أعلاه من أموال المدين المنقولة وغير المنقولة مقدما بعضها على بعض حسب درجتها المعينة في القوانين والأوامر الصادرة في هذا الشأن، أما الديون الأخرى التي تطلب للحكومة من الأشخاص فلا تكون ممتازة.

ونصت المادة 148/2 من القانون على أنه: يستوفي أصحاب الديون الذين لهم حق الامتياز العام ديونهم من أموال المدين جميعها ترجيحا على غيرهم من الدائنين بما لا يتعارض مع أصحاب الديون الخاصة.

الفرع الثاني
الديون الممتازة امتيازا خاصا

نصت المادة 150 من قانون التنفيذ على أن، الديون الممتازة امتيازا خاصا هي:

  1. الرسوم والضرائب المفروضة للدولة على الأموال المنقولة وغير المنقولة المحجوزة نفسها وتشمل الرسوم والضرائب والمكوس وضريبة الأملاك والأراضي وغيرها من الضرائب، وهي تستوفى من أثمان تلك الأموال بصورة ممتازة امتيازا خاصا.

وهذه الرسوم والضرائب مقدمة على سائر الديون وإن كانت ممتازة امتيازا خاصا آخر، وتحصل من ثمن الأشياء التي تعلق بها الرسوم أو الضريبة وإن كانت مرهونة مقابل ديون أخرى؛ أو محجوزة لدى أشخاص آخرين، لأنها تتعلق بذات المال فتستوفى منه، بينما بدل الرهن يتعلق بذمة المدين؛ وامتياز المرتهن نشأ بسبب العقد الذي جرى لمجرد توثيق ذلك الدين. لذلك ليس لهؤلاء أن يستوفوا شيئا من ديونهم ما لم تستوفي الحكومة الرسوم والضرائب من ثمن تلك الأموال لأنها مقدمة على باقي الديون وإن كانت ممتازة امتيازا خاصا آخر، بل إنه إذا لم يكف ثمن المال المنقول أو غير المنقول لسداد الرسم أو الضريبة فللحكومة أن تستوفي الباقي من أموال المكلف الأخرى.

  1. بدل إيجار العقار الموثق بعقد إيجار يستوفى على وجه الامتياز من أثمان الأموال القابلة للحجز والموضوعة في ذلك العقار. (1) إذ افترض المشرع وجود اتفاق ضمني يتضمن رهن تلك الأشياء في مقابل بدل الإيجار، وأن المؤجر اعتمد على وجودها فلم يوثق دينه بكفيل من المستأجر أو بصورة أخرى. ويشترط أن تكون الأشياء التي يشملها الامتياز عائدة للمستأجر نفسه، وأن تكون حين الحجز موجودة في المأجور، أما إذا كانت وديعة عنده، أو أخرجت من المأجور قبل الحجز فيزول حق الامتياز عنها؛ لأنه وضع عليها ما دامت موجودة في المأجور ومحبوسة فيه.
  2. بدل إيجار الأراضي المنتجة كالمزرعة والحقل والبستان الموثق بسند يستوفى من محاصيل تلك الأراضي مرجحا على غيره من الديون باستثناء ما تم ذكره في البند (2) أعلاه، ويتم تحصيله من محاصيل تلك الأراضي.
  3. الأجرة المستحقة لصاحب الفندق تستوفى من أثمان أموال المدين الموضوعة في ذلك الفندق قبل أن يوفى غيرها من الديون. وقد أراد المشرع بهذا الامتياز حماية أصحاب الفنادق لأن صاحب الفندق لا يستوفي الأجرة من النزيل سلفا، وقد يمكث المسافر في الفندق مدة ثم يغادر دون أن يدفع الأجرة، لذلك قرر لهم امتيازا على أشيائه التي وضعت في الفندق، معتبرا أن مجرد قبولهم الإقامة في الفندق يولد ضمانا لصاحب الفندق حق الرهن على الأشياء التي وضعوها فيه. وهذا الامتياز يشمل الأشياء الخاصة بالمدين فقط، ولا يشمل الأشياء العائدة إلى غيره والموجودة ضمن أشيائه.

وبالإضافة لهذه الحالات، نصت المادة (151) من قانون التنفيذ على أن حق الامتياز الناشئ عن وضع الأموال غير المنقولة تأمينا للدين يخضع في تقريره وتنظيمه لما تنص عليه القوانين والأنظمة الخاصة بذلك، وخاصة قانون وضع الأموال غير المنقولة تأمينا للدين رقم 46 لسنة 1953. (2)

كما نصت المادة 154 منه على أنه (تسري على ما لم يرد به نص في هذا الفصل القواعد المنصوص عليها بالنسبة لحقوق الامتياز في القانون المدني والقوانين الخاصة الأخرى المعمول بها). ومن ذلك امتياز المصروفات القضائية.

المطلب الثاني

القواعد التي تحكم حقوق الامتياز

تحكم قانون التنفيذ بعض القواعد التي يجب مراعاتها عند إجراء حصيلة التوزيع وهي على النحو الآتي:

أولا: المساواة بين الدائنين في استيفاء حقوقهم من أموال المدين.

نصت المادة 142 من قانون التنفيذ على أن المبالغ التي جرى تحصيلها من المدين من أثمان الأموال التي تم بيعها عن طريق دائرة التنفيذ تقسم بين الدائنين الذين تقدموا بالمطالبة بديونهم وذلك بعد أن تقرر دائرة التنفيذ لأصحاب الديون الممتازة ما يخصهم وتحتفظ لهم به وإن لم يقدموا طلبا بدفع ما لهم من ديون.

ومقتضى هذا النص أن جميع الدائنين متساوون في استيفاء حقوقهم من أموال مدينهم إذا كانت هذه الديون كلها عادية، أو ممتازة في مرتبة واحدة.

ثانيا: إعادة النفقات التنفيذية التي صرفها الدائن.

نصت المادة 144 من قانون التنفيذ على أن المبالغ الخاضعة للتوزيع النسبي، يخصم منها أولا مصاريف التنفيذ التي أنفقها الدائن الحاجز في سبيل تحصيل تلك المبالغ.

كما نصت المادة 155 من قانون التنفيذ على أنه يجب على الدائن أن يدفع سلفا جميع النفقات والمصاريف اللازمة لمباشرة التنفيذ على أن تحصل فيما بعد من المدين.

واستنادا لهذين النصين يجب حسم المصاريف التنفيذية التي أنفقها الدائن بإشراف دائرة التنفيذ، كمصاريف الحجز والبيع. والسبب في إعادة هذه المصاريف هو إنفاقها لصالح جميع الدائنين؛ وأنه لولاها لما تم تحصيل أموال المدين المتجمعة في دائرة التنفيذ لتوزيعها على الدائنين.

ثالثا: يجب تحقيق الامتياز عند التنفيذ.

حق الامتياز لا يتقرر إلا بنص في القانون، وقد نصت المادة 153 من قانون التنفيذ على أنه لا يثبت حق الامتياز ما لم تكن طبيعة الدين ونوعه ثابتة بصورة صريحة وجازمة في السند التنفيذي، ولا يلتفت إلى الادعاءات التي تقدم إلى دائرة التنفيذ خلافا لنصوصه أو التي حدثت مجددا، أي حدثت بعد هذا السند.

والغاية من هذه القاعدة هي منع وقوع الاحتيال للإضرار بحقوق بعض الدائنين، لأن امتياز أحد الدائنين يؤثر على حقوق الدائنين الآخرين، ومن المتصور أن يتواطأ المدين مع أحدهم بهدف استئثاره ببدل المبيع وحرمان بقية الدائنين.

رابعا: الأسبقية في الحجز لا تعطي صاحبها أي امتياز في مواجهة الحاجزين الآخرين.

نصت المادة 146 من قانون التنفيذ على أن الأسبقية في الحجز لا تعطي صاحبها أي امتياز بالنظر لبقية الحاجزين، ولكن إذا كان الحكم الثاني سند الحجز الثاني وأساسه قد صدر بناء على إقرار شفهي أو نكول عن اليمين أو على إقرار خطي لم يثبت رسميا أن تاريخه كان سابقا على تاريخ الأسباب القانونية التي استند إليها الحكم الأول، فليس للمحكوم له في الحكم الثاني أن يشارك المحكوم له في الحكم الأول في الأموال المحجوزة؛ وإنما له أن يستوفي ما له من بقية أموال المدين.

فالغرض من الحجز هو تأمين حقوق الحاجز عن طريق منع المدين من التصرف بالمال المحجوز وليس منح الحاجز الأول حق امتياز على الحاجز المتأخر. لذلك ألزمت المادة 121 من قانون التنفيذ تنظيم قائمة شروط البيع وتبليغها إلى الدائن الحاجز وجميع الدائنين الذين وضع المال المحجوز تأمينا لديونهم قبل صدور الحجز، ولذوي المصلحة حق الاعتراض على القائمة قبل الجلسة المحددة لنظر الاعتراض بثلاثة أيام أو بطريق التدخل عند نظر الاعتراض.

وحتى لا يتم تواطؤ المدين مع أشخاص آخرين بأن يقر لهم بدين عليه خلاف الحقيقة، لكي يشاركوا الدائن الحقيقي في الأموال التي قام بحجزها، نص المشرع على حالات ثلاث لم يجز لأصحابها مشاركة الحاجز الأول في المال المحجوز، وإنما أجاز لهم أن يستوفوا ما لهم من بقية أموال المدين بعد أن يستوفي الحاجز الأول حقه، وهذه الحالات هي:

  1. أن يستند الحجز المتأخر على سند تنفيذي صدر بناء على إقرار شفهي.
  2. أن يستند الحجز المتأخر على سند تنفيذي صدر بناء على نكول عن اليمين.
  3. أن يستند الحجز المتأخر على سند تنفيذي صدر بناء على إقرار خطي لم يثبت رسميا أن تاريخه كان سابقا على تاريخ الأسباب القانونية التي استند إليها الحكم الأول.

المبحث الثاني

توزيع حصيلة التنفيذ

توزيع حصيلة التنفيذ هي المرحلة الأخيرة من مراحل التنفيذ الجبري، فبعد حجز أموال المدين وبيعها وتحويلها إلى نقود، تقوم دائرة التنفيذ بتوزيعها على الدائنين حسب درجات الدين التي حددها القانون.

ولا يثير توزيع حصيلة التنفيذ أية صعوبة إذا كان الدائن الحاجز واحدا، أو كان جميع الحاجزين من الدائنين العاديين. بينما تثور الصعوبة عندما يتعدد الدائنون ذوو الحق في الاستيفاء ولا تكفي حصيلة التنفيذ بالوفاء بكل الديون والمصاريف التي تضمنها حقوقهم، أو تتفاوت درجات امتياز كل حق منهم.

ولبيان كيفية إجراء توزيع حصيلة التنفيذ، نفرق بين حالة كفاية الأموال المحصلة لأداء الديون والمصاريف؛ وحالة عدم كفايتها في مطلبين.

المطلب الأول

كفاية الأموال المحصلة لأداء ديون الدائنين والمصاريف

لا تثور صعوبة عند توزيع حصيلة التنفيذ، إذا كان للمدين دائن واحد، أو كانوا جميعا من الدائنين العاديين، وكانت الأموال المحصلة كافية للوفاء بجميع هذه الديون مع المصاريف والفوائد. ففي هذه الحالة تقوم دائرة التنفيذ بتسليم الدائن أو الدائنين ما يكفي لسداد ديونهم مع المصاريف والفوائد إن وجدت، وتعيد الباقي للمدين.

والمبالغ المحصلة من التنفيذ تخصص للوفاء بديون من طلبوا الحجز وتقدموا بطلب للتنفيذ عليها دون غيرهم، وفي ذلك نصت المادة 147 من قانون التنفيذ على أن المبالغ التي تحصل من المدين بالاستناد إلى حكم صادر من المحاكم أو إلى السند التنفيذي تقيد في محضر ودفتر اليومية لحساب الدائن، وبعد إجراء معاملة القيد على الوجه المذكور لا يجوز حجز المبالغ اقتضاء لأي دين يطلب من المدين.

أي أن المشرع اعتبر قيد المبلغ في دفتر اليومية لحساب الدائن هو الحد الفاصل بين الدائنين الذين يدخلون في التوزيع وبين غيرهم، بحيث يختص الدائنون الحاجزون بحصيلة التوزيع ولا يشاركهم أي حاجز لاحق، فلا يجوز لباقي الدائنين الذين لم يتقدموا بطلب التنفيذ ولم يسبق لهم طلب الحجز على أموال المدين؛ الاشتراك في حصيلة التنفيذ، ويستثنى من ذلك الدائنون الذين لهم حق امتياز على أموال المدين التي جرى التنفيذ عليها، لذلك لا تقبل مشاركة حامل السند التنفيذي اللاحق في أي حجز سابق.

المطلب الثاني

عدم كفاية الأموال المحصلة لأداء ديون الدائنين والمصاريف

نصت المادة 143 من قانون التنفيذ على أنه إذا كانت الأموال المحصلة حسب المادة 142 غير كافية لتسديد جميع ديون الدائنين فتوزع عليهم حسب الترتيب الآتي:

  1. أصحاب الديون الممتازة حسب ترتيبهم في الامتياز والرجحان.
  2. إذا كان أصحاب الديون في مرتبة واحدة من الامتياز وكانت الأموال الموجودة غير كافية لتسديد جميع هذه الديون؛ فإنها توزع بينهم بنسبة دين كل منها إلى الدين الإجمالي الممتاز.
  3. إذا زادت الأموال الموجودة عن الديون الممتازة يوزع ما زاد منها بين أصحاب الديون العادية بنسبتها المئوية إلى مجمل ديون الدائنين.

وهذه المادة تفترض وجود ثلاث حالات للدائنين عند القيام بإجراء توزيع حصيلة التنفيذ وهي:

  1. حالة وجود دائن واحد، وفي هذه الحالة لا توجد صعوبة؛ لأن هذا الدائن يستقل بالاستفادة من حصيلة التنفيذ وتعطى له، سواء كانت أموال المدين كافية للوفاء بدينه أو غير كافية. إذ أن له في الحالة الثانية أن ينفذ بباقي دينه على أموال المدين الأخرى بمقتضى سنده التنفيذي السابق.
  2. حالة تعدد الدائنين وكانت ديونهم في مرتبة واحدة، وفي هذه الحالة تستوفى أولا نفقات التنفيذ التي صرفها الدائن في تحصيل مبالغ حصيلة التنفيذ، ويقسم الباقي بينهم قسمة غرماء، أي بطريقة التوزيع النسبي بنسبة دين كل منهم إلى مجموع الديون.

فإذا كانت حصيلة التنفيذ مثلا مبلغ (10200) دينار، وكان دين الدائن الأول (4000) دينار ودين الدائن الثاني (10000) دينار؛ ودين الدائن الثالث (6000) دينار، وكان الدائن الأول قد صرف (200) دينار لنفقات التنفيذ، أي أن مجموع الدين (20200) دينار، فإنه يتم خصم النفقات من المبلغ المحصل ويبقى (10000) دينار توزع على النحو التالي:

10000 ÷ 20000 × 4000 = 2000 دينار للدائن الأول.

10000 ÷ 20000 × 10000 = 5000 دينار للدائن الثاني.

10000 ÷ 20000 × 6000 = 3000 دينار للدائن الثالث.

  1. حالة تعدد الدائنين وكانت ديونهم مختلفة، بأن توجد ديون ممتازة بمراتب مختلفة، أو ديون ممتازة وديون عادية. وفي هذه الحالة يخصم من المبلغ المحصل النفقات التنفيذية وتسلم لمن صرفها من الدائنين، ثم يوزع المبلغ الباقي على أصحاب الديون الممتازة حسب ترتيب الامتياز.

فإذا كانت الديون من مرتبة واحدة من الامتياز، وكانت الأموال الموجودة غير كافية لتسديد الديون بالكامل، تقسم بينهم قسمة غرماء.

أما إذا كان هناك امتياز خاص وامتياز عام، فإن أصحاب حق الامتياز الخاص وفق المادة 152 من قانون التنفيذ، يتقدمون في استيفاء ديونهم على أصحاب حق الامتياز العام. غير أنهم وفق المادة 148/3 يستوفون ديونهم من أموال المدين الذي تعلق بها حق امتيازهم وليس لهم حق امتياز على غيرها من أموال المدين بل يعتبرون فيما بقي من ديونهم دائنين عاديين.

أما إذا كانت الديون ممتازة وديون عادية، تسدد الديون الممتازة أولا، فإن بقي شيء من الأموال الموجودة يقسم بين أصحاب الديون العادية قسمة غرماء.

ويلاحظ أخيرا أنه وفق المادة 145 من قانون التنفيذ إذا تبين لدائرة التنفيذ أنها استوفت من المدين مبالغ أكثر من الواجب عليه أداؤها ودفعها إلى الدائن، وجب عليها أن تتولى أمر استردادها من الدائن ودفعها إلى المدين بناء على قرار من قاضي التنفيذ دون حاجة إلى مراجعة المحاكم والحصول منها على حكم بذلك.

المبحث الثالث

مسائل متنوعة

عالج المشرع في المواد (165 – 170) منه بعض مسائل ذات أهمية تتعلق بترك المعاملة التنفيذية، ومدة تقادم الأحكام والسندات التنفيذية، والأمانات المتروكة، والأعذار الشرعية، ونطاق تطبيق أحكام القانون. ونبين كل منها فيما يلي.

وقف المعاملة التنفيذية بسبب تركها:

نصت المادة 165 من قانون التنفيذ على أن الأسناد التنفيذية المودعة بدائرة التنفيذ لأجل تنفيذها إذا تركها أصحابها دون تعقب ستة أشهر متوالية اعتبارا من آخر معاملة تمت بشأنها يوقف تنفيذها حتى يقدم طلب التنفيذ.

وفق هذا النص إذا أهمل المحكوم له متابعة ملف التنفيذ مدة ستة أشهر من آخر إجراء تم فيها، يوقف السير في خصومتها وتعتبر في حالة جمود، فإذا قدم طلب التنفيذ مجددا، يتم السير فيها من النقطة التي وصلت إليها قبل الوقف؛ ولا يتم البدء في الإجراءات من نقطة البداية.

وهذا الأثر الموقف للإجراءات يشبه أثر شطب الدعوى الوارد في قانون أصول المحاكمات المدنية والجارية في حال غياب المدعي، في حين أن المادة 132 من قانون الإجراء الملغى كانت تنص على أنه (تسقط القضية الإجرائية إذا تركت مدة ستة أشهر بدون تعقب على أنه يجوز تجديدها باستدعاء يقدم لمأمور الإجراء). وسقوط القضية الإجرائية يعني زوال كل أثر لها بما في ذلك التكليف بالوفاء وما تبعه من إجراءات.

كما نصت المادة 16 من قانون التنفيذ الأردني لسنة 2007 على أنه:

  1. تترك حكما كل معاملة تنفيذية إذا انقضى عليها ستة أشهر ولم يتقدم الدائن أو ورثته بطلب أي إجراء من إجراءات التنفيذ.
  2. يتوقف تجديد التنفيذ على استدعاء جديد يقدم من أحد طرفي القضية.
  3. تجديد التنفيذ يستدعي تبليغا جديدا للطرف الآخر.

وترك معاملة التنفيذ يعني أيضا زوال كل أثر لها، لذلك أوجب النص في حالة تقديم استدعاء لتجديد التنفيذ أن يتم تبليغ جديد للطرف الآخر أي المدين المطلوب التنفيذ ضده، أي بدء الإجراءات من جديد. لذلك نقترح على المشرع تلافي هذا النقص في التشريع.

ولم يشأ المشرع تطبيق حكم سقوط الخصومة الوارد في المادة 132 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية في حالة عدم السير في الدعوى بفعل المدعي أو امتناعه إذا انقضت ستة أشهر اعتبارا من آخر إجراء اتخذ فيها، لأن الحكم بسقوط الخصومة يكون بناء على طلب من ذي المصلحة ولا تملكه المحكمة من تلقاء ذاتها، بينما وقف تنفيذ المعاملة وفق نص المادة 165 يكون للمحكمة دون حاجة إلى طلب من الخصوم.

غير أن المشرع لم يحدد المدة التي يمكن أن تبقى خلالها اجراءات التنفيذ موقوفة، والتي يجب على الدائن طالب التنفيذ أن يقدم طلبا لمتابعة هذه الإجراءات، ما يؤدي إلى بقاء المدين مهددا لفترة طويلة بسبب ما اتخذ ضده من إجراءات حجز أو خلافه، نتيجة إهمال الدائن في متابعة ملف التنفيذ. (3) لذلك تطبق المادة 137/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، التي تنص على أنه في جميع الأحوال تنقضي الخصومة بمضي سنتين على آخر إجراء صحيح فيها.

مدة تقادم السندات التنفيذية:

نصت المادة 166 من قانون التنفيذ على أنه:

  1. تكون الأحكام قابلة للتنفيذ خلال خمس عشرة سنة من اليوم الذي صدرت فيه.
  2. تكون الأسناد التنفيذية الأخرى قابلة للتنفيذ إذا لم تتقادم الالتزامات المثبتة فيها وفقا للقوانين الخاصة بذلك.

ويتبين من هذا النص أن المشرع فرق بين الأحكام التي تصدر عن القضاء، وبين السندات التنفيذية الأخرى.

فالأحكام القضائية قرر عدم قابليتها للتنفيذ وبالتالي سريان التقادم المسقط بخصوصها في حال عدم تنفيذها خلال خمس عشرة سنة من تاريخ اكتسابها لقوة الأمر المقضي.

أما السندات التنفيذية الأخرى التي تطرح مباشرة للتنفيذ، من خلال دوائر التنفيذ، فتحكم تقادمها قوانينها الخاصة وفق نوع السند التنفيذي ذاته.

من ذلك ما نص عليه قانون التجارة في المواد 204 و271 بخصوص الشيكات والكمبيالات.

الأمانات النقدية والعينية المتروكة:

نصت المادة 167 من قانون التنفيذ على أن: الأمانات النقدية والعينية التي أودعت في صندوق التنفيذ أو حصلتها الدائرة أو استردتها من المحكوم عليهم بطلب أصحابها، إذا لم يراجع مستحقها دائرة التنفيذ لأخذها في مدة خمس سنوات اعتبارا من تبليغ ورقة الإخطار أو من تاريخ إعلانها في الصحف حسب الأصول لمجهولي الإقامة، يسقط حق المطالبة بها وتقيد إيرادا للخزينة العامة.

الأعذار الشرعية:

نصت المادة 168 على أن: الأعذار الشرعية التي تقطع مرور الزمن تسري على المادتين السابقتين ولكن الادعاءات التي هي من نفس القبيل يجب أن تحل بطريق التقاضي لدى المحكمة المختصة.

ويقصد بهذا النص أنه فيما يتعلق بوقف سريان المعاملة التنفيذية نتيجة عذر شرعي مثل اللجوء إلى المحاكم المختصة لحل موضوع أو إشكال معين نظم القانون طريقة حله من خلال تلك المحاكم، أو في حالة عدم التمكن من المطالبة بالأمانات النقدية والعينية المتروكة في صندوق دائرة التنفيذ بسبب الغياب أو نقص الأهلية أو مطالبة القاصر بعد بلوغه، والتي تقطع التقادم، أو لأي سبب يعتبر عذرا شرعيا، فإنه يعتد به لغايات حساب الانقطاع وبالتالي تضاف المدة التي سببها هذا العذر إلى مدة التقادم وتطيلها.

أما الادعاءات الأخرى التي تكون محل نزاع بين خصمين في أحقية كل منهما في المال الموجود في صندوق دائرة التنفيذ أو الحقوق التي تحملها السندات محل التنفيذ، أو تكون من نفس الخصم صاحب الحق في تفسير أحقيته بالمطالبة بالتنفيذ بعد مدة التقادم أو بالحصول على الأموال المودعة في صندوق الدائرة، أو غير ذلك من الادعاءات، فإن مكان حل هذه الادعاءات يكون في المحكمة المختصة التي توجه الدفع وتحكم فيه لمن يدعيه.

نطاق تطبيق أحكام القانون:

صدر قانون التنفيذ في العدد الثالث والستين من الوقائع الفلسطينية الصادر بتاريخ 27/4/2006، ونصت المادة 172 منه على أن يعمل به بعد ثلاثين يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

وقد نظمت المادة 169 منه نطاق تطبيقه فنصت على أنه:

  1. يطبق هذا القانون على جميع الإجراءات والمعاملات التنفيذية التي تتخذ بعد نفاذه ما لم يرد نص بخلاف ذلك.
  2. تعتبر كل إجراءات تنفيذية بدئ فيها أو كانت معلقة حين ابتداء العمل بهذا القانون أنها جرت حسب الأصول المقتضاة إذا كانت قد أقيمت وفق أي قوانين كانت سارية المفعول قبل تاريخ العمل بهذا القانون.
  3. مع مراعاة أحكام البند (2) أعلاه تسري أحكام هذا القانون بالقدر الذي يراه قاضي التنفيذ ممكنا على جميع إجراءات التنفيذ المعلقة من المرحلة التي انتهت إليها.

كما نظمت المادة 170 منه تطبيق أحكامه بما لا يتناقض مع ما لجهة الإدارة من تنظيم في اقتضاء حقوقها بصورة جبرية، فنصت على أنه:

  1. لا يخل تطبيق أحكام هذا القانون بما هو مقرر للسلطات وللجهات الإدارية من حق في اقتضاء حقوقها جبرا بالطرق والإجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لذلك.
  2. فيما عدا ما نص عليه في البند (1) أعلاه تسري أحكام هذا القانون على التنفيذ الذي تقوم به جهات الإدارة بما لا يتعارض مع الأحكام الواردة في قوانينها.

أي أن تطبيق هذا القانون لا يخل أو يتعارض مع ما للسلطات أو الجهات الإدارية من صلاحيات في تحصيل حقوقها التي تنظمها القوانين والأنظمة في تحصيل الرسوم والإيرادات أو الغرامات أو المخالفات وغيرها من الحقوق بموجب تلك القوانين تنفيذا مباشرا دون الحاجة إلى تدخل القضاء العادي، وذلك باللجوء إلى التنفيذ المباشر أو استخدام طرق أخرى كالحجز الإداري.

أما فيما يتعلق بباقي الأمور التي لم تنظمها قوانين خاصة باقتضاء الإدارة لحقوقها جبرا، فإن قانون التنفيذ ينطبق على الإجراءات التي تقوم بها الإدارة وهي تقتضي تلك الحقوق، وتتولى النيابة العامة في هذه الحالة تعقب معاملة التنفيذ التي تعود للدوائر الحكومية وفق المادة 7/2 من قانون التنفيذ.

(1)(1) كانت المادة 127/2 من قانون الإجراء العثماني تشترط أن يكون عقد الإيجار رسميا، وذلك لمنع التواطؤ بين المؤجر والمستأجر لتهريب أمواله بادعاء أنها خاصة ببدل الإيجار.

(2)(2) نشر هذا القانون في العدد 1135 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 1/3/1953.

(3)(3) علما بأنه في المادة 137 بخصوص المزايدة إذا تركت المزايدة زيادة عن سنة تلغى المهل السابقة ويبدأ بها من جديد.