الوجيز في شرح القانون التجاري – عمليات المصارف

تمهيد

تعد المصارف في الوقت الحاضر المحور الأساس الذي تدور عليه عمليات الائتمان التجاري على اختلاف صوره، ومصدر تمويل التجارة الداخلية والخارجية، ومركز ودائع النقود والصكوك.

وتعد عمليات المصارف وفق المادة 6 /1/د من قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 من الأعمال التجارية بحكم ماهيتها الذاتية، كما يعد المصرف تاجرا يحترف عمليات المضاربة على النقود وعمليات الائتمان التجاري بهدف تحقيق الربح.

فالمصرف يقوم بدور الوسيط بين الادخار والاستثمار من خلال تلقي الودائع مقابل فائدة (أو بدون فائدة)، وإقراض هذه الودائع للمستثمرين مقابل فائدة أعلى من الفائدة التي يدفعها للمودعين.

وبذلك يسهم المصرف في تحويل المدخرات من رأسمال نقدي غير منتج؛ إلى مال منتج للربح، ويساعد بذلك في التأثير في الاقتصاد القومي وفي التجارة بوجه عام، من خلال توجيه الودائع التي يتلقاها من المودعين نحو مشروعات الإنتاج عن طريق منح الائتمان لهذه المشروعات.

وبالإضافة إلى فتح الحسابات الجارية والائتمان ووسائل الدفع، تقوم المصارف في الوقت الحاضر بوظيفة أساسية تتجسد في خلق النقود القيدية عن طريق إقناع المودعين بقبول هذه النقود بدلا من النقود القانونية التي أودعوها لدى المصرف. وهذه العملية – كما سنرى – نتيجة منطقية لعدم التزام المصرف بأن يرد للعميل ذات النقود القانونية التي أودعها لديه ويكون له حق التصرف فيها. بحيث يقيد في دفاتره أنه مدين لعميله بالمبالغ التي أودعها؛ ويتعهد برد قيمتها بمجرد الطلب أو في المواعيد المتفق عليها.

وبذلك يقوم المصرف باستثمار النقود القانونية المودعة لديه في عمليات الائتمان المختلفة، ويستطيع العميل استخدام النقود القيدية كأداة للوفاء بالتزاماته النقدية عن طريق سحب شيكات على المصرف أو أوامر التحويل المصرفي.

كما يقوم المصرف ببعض الخدمات المصرفية كإيداع الصكوك؛ وتحصيل قيمة الأوراق التجارية والمالية؛ وإيجار الخزائن الحديدية؛ وتحصيل حقوق العملاء؛ والوفاء عنهم أو استثمار أموالهم … الخ.

ويزاول المصرف عملياته عن طريق إبرام عقود مع عملائه، ولذا تعد عمليات المصارف من قبيل العقود التجارية، ولكنها عقود لها طبيعة خاصة تتميز بسرعة نشوئها وانقضائها، كما تتميز بتداخلها وتشابكها وتتابعها.

فالعملية الواحدة قد تتضمن العديد من العمليات، فعقد الاعتماد مثلا قد ينطوي على عقد فتح حساب جار؛ وعقد قرض؛ وعقد رهن أو كفالة.

عمليات المصارف في قانون التجارة:

نظم قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 بعض عمليات المصارف في الباب الخامس من الكتاب الثاني تحت عنوان الحساب الجاري في المواد 106 – 122. بالتدقيق في هذه المواد نجد أنه نظم الحساب الجاري في المواد 106 – 114. وعقد إيداع النقود في المادة 115. وعقد وديعة الصكوك في المادة 116. وعقد إيجار الخزائن الحديدية في المادة 117. وعقد فتح الاعتماد سواء كان عاديا أم مستنديا في المواد 118-121.

وبالنسبة للعقود المصرفية التي لم يرد ذكرها في هذا الباب، أحال في المادة 122 إلى أحكام القانون المدني، رغم أن هذه العقود لها طبيعة خاصة تمتاز بها عن العقود المسماة في القانون المدني، وكان الأولى أن يحيل بشأنها إلى قواعد العرف المصرفي التي استقر عليها العمل المصرفي على اعتبار أن العرف المصرفي هو الذي أوجد هذه العمليات وقرر قواعدها.

بينما نظم مشروع قانون التجارة الفلسطيني عمليات المصارف في الباب الثالث في المواد (330-409) مقتبسا أحكامها من المواد (300-377) من قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999. وقد نص في المادة 330 على أنه ” تسري أحكام هذا الباب على العمليات التي تعقدها المصارف مع عملائها تجارا كانوا أو غير تجار، وأيا كانت طبيعة هذه العمليات، مع مراعاة ما تقرره الفقرة الثالثة من المادة 393 من هذا القانون”. (1)

وبالإضافة للعمليات المصرفية الواردة في قانون التجارة، نص قانون المصارف رقم 9 لسنة 2010 على بعض الأعمال المصرفية الأخرى، كما أجاز للمصارف الإسلامية تقديم الخدمات المصرفية وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها.

خطة الدراسة: بحث العمليات المصرفية يتطلب بيان بعض الأحكام العامة التي تهدف إلى تحديد المقصود بعمليات المصارف من الناحية القانونية، والشكل القانوني الذي تتخذه المؤسسة التي تزاول هذه العمليات، وإثباتها، وخصائص القانون المصرفي الذي يحكمها، ورقابة الجهة الحكومية على ممارسة المصارف لهذه العمليات في فصل تمهيدي.

ثم نتناول العمليات المصرفية في أبواب ثلاثة على النحو التالي:

الفصل التمهيدي: الأحكام العامة

الباب الأول: الحسابات المصرفية.

الباب الثاني: الاعتمادات المصرفية.

الباب الثالث: العمليات المصرفية الأخرى

(1)(1) حيث نظم في الفصل الأول وديعة النقود، وفي الفصل الثاني وديعة الصكوك، وفي الفصل الثالث تأجير الخزائن، وفي الفصل الرابع رهن الأوراق المالية، وفي الفصل الخامس التحويل المصرفي، وفي الفصل السادس الاعتماد العادي (غير المستندي)، وفي الفصل السابع الاعتماد المستندي، وفي الفصل الثامن الخصم، وفي الفصل التاسع خطاب الضمان، وفي الفصل العاشر الحساب الجاري.