الفصل الأول – أنواع الحقوق

المبحث الثاني

الحقوق المدنية

الحقوق المدنية هي الحقوق التي تهدف إلى حماية الأفراد ومصالحهم. فهي تشمل الحقوق اللازمة لتمكين الأفراد من مباشرة أوجه نشاطهم العادي المختلفة .

وتثبت الحقوق المدنية لجميع الأشخاص بصرف النظر عن جنسيتهم ، أي سواء كانوا وطنيين أم أجانب ، لأنها ترتبط بوجود الشخص ومباشرة نشاطه العادي .

وتنقسم الحقوق المدنية إلى حقوق غير مالية ، وحقوق مالية .

المطلب الأول

الحقوق غير المالية

تشمل الحقوق غير المالية الحقوق الملازمة للشخصية ، أو الحقوق العامة ، وحقوق الأسرة . لذا سنبحث كلا منها في فرع على التوالي .

الفرع الأول

الحقوق العامة

الحقوق العامة هي تلك الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره إنسانا وتكفل حماية شخصيته في مظاهرها المختلفة، كما تتيح له أن ينتفع بنفسه أي بقواه البدنية والفكرية .

وهذه الحقوق لا تمنح الشخص سلطة التصرف في نفسه كما يشاء ، بل هي موجهة نحو الغير ، ويقصد بها الاعتراف بوجود الشخص وحماية وجوده .

ويصعب حصر الحقوق العامة لأنها عبارة عن مجموعة القيم التي تكون شخصية الإنسان ، وهي متعددة ومتنوعة ، إلا أن الفقه يردها إلى ثلاثة مجموعات تمثل كل واحدة منها مظهرا من مظاهر الشخصية .

المجموعة الأولى : الحقوق التي ترمي إلى حماية الكيان المادي للإنسان ، ومنها حقه في الحياة ، وحقه في سلامة جسمه وأعضائه ، أي حقه في أن لا يعتدي عليه أحد بأي أذى كالقتل أو الجرح أو الضرب . وتبين القوانين الجنائية جزاء من يعتدي على هذه الحقوق .

وحق الإنسان في سلامة جسمه يثير المسائل الآتية :

هل للطبيب أن يجري عملية جراحية للمريض دون إذنه أو إذن ذويه ؟

اختلف الفقه في الإجابة على هذا السؤال ، لذلك جرى العمل على أن يحصل الطبيب على إذن المريض أو ذويه ، ما لم تكن الجراحة عاجلة وتعذر الحصول على هذا الإذن في الوقت المناسب .

كما أنه ليس للإنسان سلطة مطلقة على جسمه يتصرف فيه كما يشاء ، بل يجب أن يراعي في ذلك ما يكفل القيام بواجبه نحو المجتمع تحقيقا للصالح العام ، لذلك تعاقب بعض القوانين على الشروع في الانتحار . كما يعاقب القانون على القتل ولو تم بناء على طلب المجني عليه أو بموافقته في حالات مرضه الشديد الذي لا يرجى الشفاء منه.

كذلك لا يجوز للشخص أن يتصرف في جسمه تصرفا يترتب عليه نقص مستديم في كيانه الجسدي ، لذلك يعتبر هذا التصرف باطلا . كما لو باع شخص لآخر إحدى عينيه حال حياته ، لأن العين جزء غير متجدد في الجسم .

أما إذا كان التصرف مضافا إلى ما بعد الموت كان صحيحا ، كما لو أوصى بعينيه لبنك العيون ، أو أوصى بجثته لمعهد أبحاث علمية .

فإذا كان التصرف في جزء متجدد في الجسم بحيث لا يؤدي إلى نقص دائم في الكيان الجسدي ، كما لو تبرع شخص ببعض دمه ، يكون التصرف صحيحا .

كما يجوز أن يرد التصرف على جزء من الجسم بعد انفصاله عنه ، كالأسنان المخلوعة أو الشعر المقصوص ، لأن هذه الأشياء بعد انفصالها لا تعد من مكونات الجسم .

ولا يجوز كذلك أن يتصرف الشخص بجسمه لما يخالف النظام العام أو الآداب ، ولو لم يترتب على هذا التصرف نقص دائم في الكيان الجسدي ، كالاتفاق على أن يعاشر رجل امرأة معاشرة غير شرعية ، فهذا الاتفاق يعتبر باطلا لمخالفته للآداب .

المجموعة الثانية : الحقوق التي تتعلق بالكيان الأدبي أو المعنوي للشخص ويقصد بذلك حق الإنسان في احترام شرفه وسمعته . ويحمي القانون هذا الحق لذلك فهو يعاقب على السب والقذف والبلاغ الكاذب . كما أن يطلب وقف الاعتداء الذي يخدش سمعته واعتباره ، والحصول على تعويض عما يكون قد لحقه من ضرر .

كما أن للشخص طلب إزالة الفعل الضار إذا كان مستمرا مثل أن يقضي بعدم نشر الكتاب أو الصحيفة التي تضمنت سبا أو قذفا في شخص معين ، أو إلزام إدارة الصحيفة بأن تنشر على نفقتها ردود وبيانات الشخص الذي اعتدي عليه في صفحاتها ، وهو ما يسمى حق التصحيح .

ومن الحقوق المتعلقة بالكيان الأدبي ، حق الشخص في أن تظل أسراره الخاصة سرية بعيدة عن العلانية واستطلاع الغير ، فيمتنع على الغير إفشاء أسرار شخص دون إذنه .

ويجب على من يطلع على هذه الأسرار بحكم وظيفته أو مهنته ، كالطبيب والمحامي ، أو بحكم صلة القرابة كالزوج ، أن يمتنع عن إفشاء هذه الأسرار إلا في الأحوال التي يوجب أو يسمح فيها القانون بذلك .

ومن الحقوق المتعلقة بالكيان الأدبي حق الشخص على أفكاره ، كحق المخترع أو المؤلف ، أو ما يسمى بالحقوق الذهنية ، بالإضافة إلى الجانب المالي المتمثل في حق الشخص في استغلال نتاجه الفكري ونسبة هذا النتاج إليه .

المجموعة الثالثة : الحقوق التي ترمي إلى تمكين الشخص من مزاولة نشاطه (الحريات الشخصية) . وهذه الحقوق تثبت لكافة الأشخاص لأنها لازمة حتى يزاول الشخص نشاطه وتؤدي شخصيته وظيفتها، مثل حرية التنقل والحركة، وحرية التملك، وحرية العمل ، وحرية الزواج ، وحرية التعاقد ، وحرية الرأي ، وحرية الاجتماع … وغير ذلك من الحريات الشخصية .

لذلك يكفل التشريع هذه الحريات سواء في الدستور أم في القوانين الخاصة ، ويخول للمعتدى عليه المطالبة بوقف الاعتداء والتعويض عن أضراره .

الفرع الثاني

حقوق الأسرة

حقوق الأسرة هي حقوق تنشأ من الروابط العائلية الناتجة عن النسب أو القرابة ، أو الزواج أو المصاهرة . فهي تثبت للشخص باعتباره عضوا في عائلة معينة .

وتختلف هذه الحقوق باختلاف مركز الشخص ووضعه من هذه العائلة ، ولذلك فهي إما أن تكون لكل من الزوجين قبل الآخر ، كحق الزوج في طاعة زوجته له والإقامة معه في مسكن الزوجية ، وحق الزوجة على الزوج في النفقة . وإما أن تكون للأقارب بعضهم على بعض كحق الأب في تأديب ولده ، وحق الولد في أن ينفق عليه والده ويعلمه ويحافظ عليه ، والحق في الإرث .

ولا تهدف هذه الحقوق تحقيق مصلحة صاحبها ، بل تمنح لتحقيق مصلحة الأسرة بصفة عامة ، وقد تكون لمصلحة الطرف الآخر الذي يخضع لسلطة صاحب الحق . فحق الأب في تأديب ابنه وحسن تربيته وتعليمه يحقق مصلحة للابن ، لذلك فإن هذا الحق يقرر واجبا على الأب في نفس الوقت ، فلا يجوز للأب أن يتخلى عنه بإذن المحكمة ، كما لا يستطيع إساءة استعمال هذا الحق وإلا سلبت منه الولاية على ابنه .