الفصل الثالث – الاختصاص القيمي

المبحث الثاني

كيف يتم تقدير الدعوى

      تنص المادة 33 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه :

  1. إذا لم تحدد القيمة بالنقد وكان بالإمكان تقديرها ، أو ارتابت المحكمة في صحة القيمة ، فتقدر من قبل رئيس المحكمة وله الاستعانة بالخبراء .
  2. إذا كان المدعى به مبلغا من المال بغير النقد المتداول قانونا فتقدر القيمة بما يعادل ذلك المبلغ بالعملة المتداولة قانونا .

      حدد المشرع الاختصاص القيمي بالدينار الأردني أو ما يعادله بالعملة المتداولة قانونا، لذلك لا تثور أية مشكلة إذا كان موضوع الدعوى طلب مبلغ من النقود ، فقيمة الدعوى في هذه الحالة تقدر بالمبلغ المطلوب أيا كان أساس المطالبة به. وتحسب قيمة العملة غير الأردنية بسعر التداول يوم دفع الرسوم وتسجيل الدعوى لدى المحكمة.

      غير أن المطالب به في الدعوى يمكن أن يكون شيئا آخر غير مبلغ من النقود ، وهنا قد تثور صعوبة في تقدير قيمة الدعوى ، لذلك وضع المشرع قواعد لتقدير قيمة الدعوى التي محلها ليس مبلغا من النقود ، حتى لا تقوم خصومات فرعية بهدف تحديد قيمة الدعوى في هذه الحالة .

      وهذه القواعد واجبة الاحترام بصرف النظر عن القيمة الحقيقية لمحل الدعوى، أو تقدير المدعي أو اتفاق الطرفين على قيمة معينة، أو رأي المحكمة في هذا الشأن . وهي تتعلق بتقدير قيمة محل الدعوى لتحديد الاختصاص القيمي ونصاب الاستئناف فقط ، دون أية مسألة أخرى ، فإذا هلك الشيء المطالب به أثناء الدعوى مثلا ، فإن القيمة المقدرة وفق القواعد المذكورة لا تقيد المدعي في طلبه التنفيذ بمقابل .

      ولم يكن قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يتضمن مثل هذه القواعد ، إلا أن المشرع في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد قد نص على هذه القواعد في المواد 34 وما بعدها ، وهذه القواعد هي :

  1. الدعاوى العقارية ، أي الدعاوى المتعلقة بالحقوق العينية الأصلية والتي يكون المطلوب فيها ملكية عقار أو حق انتفاع فيه ، وهذه الدعاوى تقدر بقيمة العقار ، ويتم تحديد هذه القيمة بناء على الأوراق المرفقة ، أي التي يقدمها الخصوم ، إن أمكن ذلك ، وإلا وفق تقدير الخبراء (م34) . (1)
  2. دعاوى المنقول ، أي التي يكون المطلوب فيها ملكية منقول ، وهي تقدر كذلك بقيمة المنقول بناء على الأوراق التي يقدمها الخصوم أو وفق تقدير الخبراء (م34) .
  3. دعاوى صحة العقود أو نفاذها أو إبطالها أو فسخها ، وهذه الدعاوى تقدر بقيمة المتعاقد عليه (م 35/1) ، فإذا كانت الدعوى متعلقة بعقد بيع ، فإن قيمة الدعوى هي قيمة الشيء المبيع . فدعوى صحة عقد بيع منزل تقدر بقيمة المنزل، ودعوى بطلان عقد بيع أرض تقدر بقيمة الأرض، ودعوى فسخ عقد بيع سيارة تقدر بقيمة السيارة.

      وقد أورد المشرع على هذه القاعدة استثناءان :

     الاستثناء الأول يتعلق بعقود البدل ، حيث تقدر قيمة الدعوى بقيمة أكبر البدلين (م 35/1) ففي عقد المقايضة تقدر قيمة الدعوى بأكبر البدلين ، الشيء المقايض والشيء المقايض عليه ، وفق القواعد العامة التي حددها المشرع بالنسبة للعقار و المنقول .

      والاستثناء الثاني يتعلق بالعقود المستمرة ، أي العقود التي يكون الزمن أساسا في احتساب قيمتها ، بحيث تكون قيمة العقد مرتبطة بمدته، كعقد العمل وعقد الإيجار، وبالنسبة لهذه العقود ، إذا لم ينفذ أي جزء من العقد فإن الدعوى تقدر بمجموع قيمته أي بالمقابل النقدي عن المدة الواردة في العقد، أما إذا كان قد نفذ جزء منه فتقدر قيمة الدعوى على أساس المقابل النقدي عن المدة الباقية منه (م 35/2) فإذا كانت مدة عقد الإيجار سنة وقيمة الأجرة السنوية (1200) دينار، ونفذ منها خمسة أشهر مثلا ، فإن قيمة الدعوى تقدر بمقابل المدة الباقية أي سبعة أشهر وبذلك فإنها تكون (700) دينار.

  • المطالبة بجزء من الحق ، تبين الفقرة الثالثة من المادة (35) أنه ، إذا كانت الدعوى متعلقة بجزء من الحق قدرت قيمتها بقيمة هذا الجزء ما لم يكن الحق كله متنازعا فيه ، فتقدر قيمة الدعوى بقيمة الحق كاملا .

     فلو أن أحد الورثة أقام دعوى للمطالبة بحصته من دين لمورثه على المدعى عليه ، وكانت الحصة المطالب بها هي الثلث ومقدارها ألف دينار ، فإن قيمة الدعوى تقدر بهذا المبلغ أي بألف دينار . فإذا أنكر المدعى عليه الدين كله ونازع فيه ، فإنه وفق هذه المادة يلزم تقدير قيمة الدعوى بقيمة الحق كاملا أي بثلاثة آلاف دينار .

  • الدعاوى المتعلقة بالحجز على المنقول ، إذا كانت الدعوى بين الدائن الحاجز والمدين المحجوز عليه بشأن صحة الحجز أو بطلانه ، فتقدر قيمتها بقيمة الدين المحجوز من أجله أو بقيمة المال محل الحجز أيهما أقل .

      أما إذا كانت الدعوى مقامة من الغير لاستحقاق المال المحجوز وطلب إبطال الحجز واسترداد المحجوزات ، فتقدر بقيمة المنقولات المحجوزة بصرف النظر عن توقيع الحجز لأنها تعد دعوى أصلية تتعلق بالمال وليس بالدين ، فالغير لا يعنيه الدين القائم بشأنه النزاع بين الدائن والمدين ، ويرمي من دعواه تخليص المال المحجوز وإثبات ملكه له .

  • دعاوى الحق العيني التبعي (الرهن ، وحق الامتياز ، والاختصاص) (م36)، إذا كانت الدعوى بين الدائن والمدين فتقدر بقيمة الدين المقرر الحق العيني ضمانا له، أو بقيمة المال محل الحق العيني التبعي أيهما أقل .

      أما إذا كانت الدعوى من الغير الذي يرفع دعوى استحقاق المال المحمل بحق عيني تبعي ، فإن هذه الدعوى تتعلق بالمال وليس بالدين ، لذلك تقدر قيمتها بقيمة المال بصرف النظر عن ترتيب الحق العيني التبعي عليه . فالغير لا يعينه الدين القائم بشأنه النزاع بين الدائن والمدين ، ولا يسعى من الدعوى سوى تخليص المال محل الحق العيني وإثبات ملكه له .

  • الدعاوى غير القابلة للتقدير ، تنص المادة (38) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” إذا كانت قيمة الدعوى غير قابلة للتقدير وفقا للقواعد المتقدمة اعتبرت قيمتها زائدة على عشرة آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا “.(1)

      وهذه القاعدة لم تكن موجودة في قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى ، وكانت هذه الدعاوى وفقا للقواعد العامة ضمن اختصاص محكمة البداية لأنها صاحبة الولاية العامة ، بالإضافة إلى أنها تخرج عن اختصاص محاكم الصلح لعدم ورود النص عليها في قانون محاكم الصلح ، وكان يتم تقدير قيمتها من قبل رئيس محكمة البداية .

      ويقصد بالدعاوى غير القابلة للتقدير نوعان من الدعاوى ، النوع الأول ، الدعاوى التي تتنافى بطبيعتها مع إمكان تقديرها بالنقود ، والنوع الثاني ، الدعاوى التي وإن قبلت بطبيعتها التقدير ، إلا أن المشرع لم يضع لها قاعدة معينة لتقديرها ، سواء كان المطلوب فيها تنفيذ التزام بعمل مثل تقديم حساب أو شطب رهن ، أو تسليم عين ، أو رد حيازة أو إعادة عامل إلى عمله، أو امتناع عن عمل كوقف عمل ضار مثل الامتناع عن فتح محل ينطوي فتحه على منافسة غير مشروعة .

          والعبرة باستحالة تقدير قيمة الدعوى لا بجهالتها، فقد تكون قيمة الدعوى     ( الطلب) مجهولة ولكن من الممكن تقديرها، مثل طلب ما يستجد من أجرة العقار، فهذا الطلب مجهول القيمة وقت رفع الدعوى ولكن يمكن تحديدها عند صدور الحكم.

      ويستثنى من قاعدة اعتبار الدعوى غير مقدرة القيمة ، الدعاوى التي ينص القانون على اعتبارها من اختصاص محاكم الصلح بسبب نوعها بصرف النظر عن عدم قابليتها للتقدير ، وملحقات الدعوى الأصلية إذا كانت غير قابلة للتقدير لعدم الاعتداد بها في تحديد المحكمة المختصة كما سبق بيانه (1).

      ويبدو أن المشرع قد نص على هذه القاعدة لتأكيد اختصاص محكمة البداية بهذه القضايا خاصة بعد رفع الحد الصلحي إلى عشرة آلاف دينار . غير أنه غفل عن مسألة أخرى وهي مسألة تقدير الرسوم الواجبة على هذا النوع من الدعاوى، فعلى الرغم من أنه ترك تقدير قيمة هذه الدعوى لرئيس محكمة البداية، إلا أن الرئيس مقيد في تقديره لهذه الرسوم بنص المادة (38) وبالتالي لا يجوز تقديرها بأقل من (10000) عشرة آلاف دينار، بل يمكن أن تقدر بأكثر من ذلك . وتحسب الرسوم وفق هذا المبلغ وهذه الرسوم تعد كبيرة بالنسبة لبعض القضايا غير مقدرة القيمة لذلك نرى أن هذا النص بحاجة إلى تعديل، بحيث ينص على أنه ” إذا كانت قيمة الدعوى غير قابلة للتقدير وفقا للقواعد المتقدمة، يقوم رئيس محكمة البداية بتقدير قيمتها لغايات الرسوم “.


(1) نقض مدني 73/2004 تاريخ 30/6/2005 ج 1 ص 159 وقد ورد فيه أن دعوى إبطال وإلغاء وكالة دورية قيمتها خمسة آلاف دينار أردني يتحدد على أساس المعيار القيمي وليس على أساس المعيار النوعي الوارد في المادة 39 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.

(1) نقض مدني – طلب 8/2007 تاريخ 28/4/2007 ج 3 ص 263 وقد ورد فيه إن دعوى المحاسبة هي دعوى غير مقدرة القيمة وإن كان المدعي قدرها لغايات الرسوم بخمسة آلاف دينار ويعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة البداية.

(1) يرجع إلى ما سبق صفحة 187.