الفصل الثالث – النقض

المبحث السادس

الحكم في الطعن وأثره

      تنص المادة 236 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه:

  1. إذا قبلت المحكمة الطعن تنقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وتحكم بالرسوم والمصروفات وأتعاب المحاماة.
  2. إذا كان نقض الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص وجب على المحكمة الفصل في هذه المسألة وحدها، ولها عند الاقتضاء تعيين المحكمة المختصة.
  3. فإذا كان النقض لغير ذلك من الأسباب تحيل الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم.
  4. على المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها.

      ويتبين من هذا النص أن محكمة النقض بعد أن تدقق الطعن تكون أمام أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن تجد المحكمة أن أسباب الطعن غير صحيحة، وأن الحكم المطعون فيه مستوف للشروط ويطبق القانون تطبيقا سليما، وفي هذه الحالة فإنها تقرر رد الطعن وتصديق الحكم، وتحكم على مقدم الطعن بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.

      وقد تجد محكمة النقض أن الحكم المطعون فيه من حيث النتيجة موافق للقانون ولا مطعن عليه ولا مبرر لنقضه، ولكنه مشوب بقصور في تسبيبه، لذلك ولأن تسبيب الحكم من الأمور الجوهرية اللازمة لصحة الحكم، فإن على محكمة النقض أن تستدرك أسباب هذا القصور وذكر الأسباب التي كان على المحكمة الاستئنافية تضمينها الحكم حتى يكون كاملا مشتملا على الأسباب التي بني عليها منطوقه ومن ثم تأييد الحكم من حيث النتيجة التي انتهى إليها. وقد نصت على ذلك المادة 237 بقولها “1– إذا وقع قصور في تسبيب الحكم المطعون فيه رغم موافقة منطوق الحكم للقانون تقرر المحكمة تأييده من حيث النتيجة التي انتهى إليها بعد استدراك أسباب القصور”.

      الاحتمال الثاني: أن تقبل المحكمة الطعن، وفي هذه الحالة فإنها تنقض الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وتحكم بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.

      ويترتب على نقض الحكم، في هذه الحالة، زوال هذا الحكم من الوجود ويرجع الخصوم، فيما يتعلق بالنقاط التي تناولها النقض، إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض. كما يترتب على النقض بنص القانون، إلغاء جميع الأحكام والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساسا لها (م 1/238)، أي إذا كانت صادرة بالاستناد إليه، أو تنفيذا أو تطبيقا له، أو كانت مرتبطة به برابطة حتمية.

      أما إذا كان الحكم لم ينقض إلا في جزء منه، فإنه يبقى نافذا فيما يتعلق بالأجزاء الأخرى ما لم تكن مترتبة على الجزء المنقوض (م 2/238).

      فالنقض حيث يكون جزئيا، يزول – بحسب الأصل – الجزء المنقوض فقط، ويبقى الحكم نافذا بالنسبة للأجزاء الأخرى، ولكن أحيانا تزول أجزاء الحكم الأخرى وذلك إذا كانت معتمدة على الجزء المنقوض، ولو لم يشر إليها الطاعن أو ينقضها الحكم صراحة. فنقض الحكم فيما قضى به من طلب فسخ العقد مثلا يؤدي إلى نقضه فيما قضى به من صحته ونفاذه.

الوضع بعد نقض الحكم

      يختلف الأمر بعد نقض الحكم بحسب ما إذا كان نقض الحكم لمخالفة قواعد الاختصاص، أم نقضه لغير ذلك من الأسباب.

      فإذا كان نقض الحكم المطعون فيه لمخالفة قواع الاختصاص، وجب على محكمة النقض الفصل في هذه المسألة وحدها، أي نقض الحكم بسبب عدم صلاحية المحكمة التي أصدرته، وتعيين المحكمة المختصة التي يجب التداعي أمامها بإجراءات الجديدة.

      أما إذا كان نقض الحكم لسبب آخر غير مخالفة قواعد الاختصاص، فتحيل محكمة النقض الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، لتحكم فيها من جديد بناء على طلب الخصوم. حيث يراجع أي منهم المحكمة التي أعيد إليها الحكم المنقوض، لتعيين يوم تدعو فيه الفرقاء في الدعوى.

      وفي اليوم المعين تتلو المحكمة القرار المتضمن نقض الحكم، وتسمع أقوال الفرقاء بشأن المسألة التي نقض الحكم بسببها، ثم تحكم فيها من جديد. وقد ألزم القانون المحكمة الاستئنافية التي أحيلت إليها الدعوى باتباع حكم محكمة النقض في المسألة التي فصلت فيها، فلا يجوز لها الإصرار على رأيها السابق، وذلك اختصارا للإجراءات وتوحيدا للأحكام، وحتى لا يضطر الخصوم للطعن في الحكم مرة أخرى للأسباب ذاتها الواردة في الطعن السابق(1).

      ويلاحظ أن المشرع عند إحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض، قد أوجب أن تنظر الدعوى من هيئة أخرى غير الهئية التي أصدرت الحكم، حيث نص في المادة 214 على أنه “يجب ألا يكون من بين أعضاء المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى أحد القضاة الذين شاركوا في إصدار الحكم المطعون فيه”.

      وهذا النص لا مبرر له، ذلك أن الهيئة التي أصدرت الحكم الأول المطعون فيه، أقدر على متابعة الدعوى من النقطة التي وصلت إليها ومتابعة نظرها في ضوء قرار النقض، من هيئة جديدة يتوجب عليها دراسة الملف من جديد حتى تكون رأيها فيه. فضلا عن قلة عدد القضاة في محاكم الاستئناف وما يترتب على ذلك من إرباك في العمل وتراكم في القضايا لتعذر تشكيل هيئات جديدة مغايرة للقضايا المنقوضة .

محكمة النقض والتصدي للموضوع:

      تنص الفقرة الثانية من المادة 237 على أنه:

  1. إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تحكم في الموضوع في أي من الحالتين الآتيتين:
    1. إذا كان موضوع الدعوى صالحا للفصل فيه.
    1. إذا كان الطعن للمرة الثانية.

      وهذا النص يقرر استثناء على الأصل في الطعن بالنقض، ذلك أن الطعن بالنقض – كما ذكرنا سابقا – لا ينقل النزاع أمام محكمة النقض، بل تكتفي المحكمة مبدئيا برد الطعن أو بقبوله ونقض الحكم دون أن تتعرض لموضوع النزاع وتحكم فيه.

      غير أن المشرع أوجب على محكمة النقض أن تحكم في موضوع النزاع في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت الدعوى صالحة للحكم في موضوعها، بأن كانت وقائعها ثابته ومستوفاة ولا تتطلب بحثا جديدا فيها، وذلك لعدم وجود حاجة لإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، فمحكمة النقض في هذه الحالة تطبق المبدأ القانوني الذي انتهت إليه على الوقائع التي أثبتها قاضي الموضوع.

والحالة الثانية: إذا طعن في الحكم المنقوض سابقا للمرة الثانية، فإذا كانت محكمة النقض قد قررت نقض الحكم المطعون فيه وأحالته للمحكمة الاستئنافية التي أصدرته، واتبعت تلك المحكمة المبدأ الذي قررته محكمة النقض وأصدرت حكمها بناء على ذلك، ولكن أحد الخصوم طعن في هذا الحكم بالنقض مرة ثانية، وانصب الطعن على ذات ما طعن فيه في المرة الأولى لذات السبب ، ورأت محكمة النقض قبول الطعن ونقض الحكم، وجب عليها في هذه الحالة الحكم في موضوع النزاع ولو لم يكن صالحا للفصل فيه، وتقوم محكمة النقض في هذه الحالة بوظيفة محكمة الموضوع كاملة، وتلتزم بالمبدأ القانوني الذي طرحته في حكمها السابق ولها عند الاقتضاء تحديد جلسة لنظره.(1)

      والحكم الذي تصدره محكمة النقض لا يقبل أي اعتراض أو مراجعة، حيث يعتبر حكم محكمة النقض نهائيا عملا بالمادة 242 التي تنص على أنه “لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن”.(1)

مخالفة سابقة قضائية مستقرة

      تنص المادة 239 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية على أنه “إذا تبين لإحدى دوائر محكمة النقض أنها ستخالف سابقة قضائية مستقرة للنقض تنعقد بكامل هيئتها لإصدار حكمها، ويكون هذا الحكم واجب الاتباع لدى المحاكم الأخرى في جميع الأحوال”.

      كما تنص المادة 25 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 5 لسنة 2001 على أنه “تنعقد المحكمة العليا بحضور أغلبية ثلثي عدد أعضائها على الأقل بناء على طلب رئيسها أو إحدى دوائرها في الحالات التالية:

  1. العدول عن مبدأ قانوني سبق أن قررته المحكمة، أو لرفع تناقض بين مبادئ سابقة”.

      ويلاحظ أن قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون تشكيل المحاكم النظامية قد صدرا بتاريخ 2001/5/12، ونشرا معا في العدد 38 من الوقائع الفلسطينية بتاريخ 2001/9/5 ويبدو أن واضعي القانونين لم يلتفتوا إلى أن النصين السابقين ينظمان المسألة ذاتها ، لذلك يلزم تدخل المشرع لحل هذا الناقض بين النصين.


(1) وموقف المشرع هذا يفضل ما نص عليه قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني في المادة 202 من أن لمحكمة الاستئناف الإصرار على حكمها السابق للعلل والأسباب التي = = =  استندت إليها في الحكم المنقوض، وإذا استدعى أحد الطرفين تمييز قرار الإصرار يجوز لمحكمة التمييز أن:

  1. تدقق فيه مرة ثانية وتصدر قرارها إما بتأييد الحكم أو نقضه فإذا قررت نقضه للأسباب التي أوجبت النقض الأول تعيد الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم فيها وعندئذ يترتب عليها أن تمتثل لهذا القرار، أو
  2. تتولى رؤية الدعوى مرافعة وتفصل فيها.

(1) نقض مدني 161/2006 تاريخ 6/6/2007 ج 3 ص 419.

(1) نقض مدني 8/2005 تاريخ 13/3/2005 ج 2 ص 688، نقض مدني 1/2007 تاريخ 3/3/2007 ج 3 ص 387.