الفصل الثاني – تداول الشيك

المطلب الثالث

آثار التظهير الناقل للملكية

متى استوفى التظهير الناقل للملكية شروطه ، انتقلت إلى المظهر إليه جميع الحقوق الناشئة عن الشيك، وتطهر الشيك من الدفوع في مواجهة الحامل حسن النية . ونتكلم عن هذه الآثار فيما يأتي .

أولا : نقل ملكية الحقوق الناشئة عن الشيك

ينقل التظهير جميع الحقوق الناشئة عن الشيك من ذمة المظهر إلى ذمة المظهر إليه . فيصبح المظهر إليه حاملاً شرعياً للشيك، وينتقل إليه كامل الحق الثابت فيه ، بالإضافة إلى كافة الحقوق التي يخولها قانون الصرف للحامل، كالحق في ملكية مقابل الوفاء ، والحق في إعادة تظهير الشيك، والحق في الرجوع على الضامنين .

ثانيا : التزام المظهر بضمان الوفاء

إذا قدم حامل الشيك هذه الورقة للوفاء بقيمتها ، وامتنع المسحوب عليه عن الوفاء، جاز للحامل الرجوع على من ظهر له الشيك وعلى المظهرين السابقين .

فالمظهر عند نقله ملكية الحق الثابت في الشيك بالتظهير ، يلتزم في الوقت نفسه بالوفاء بقيمته إذا لم يقم البنك بذلك ، ويكون التزامه هذا على وجه التضامن مع باقي الموقعين على الشيك كالساحب والضامن الاحتياطي والمظهرين الآخرين .

وإذا رجع الحامل على المظهر ، وقام الأخير بالوفاء بقيمة الشيك ، عاد إليه حق الملكية الذي انتقل منه عن طريق التظهير ، وكان له بدوره الرجوع على المظهرين السابقين له ، لاستيفاء المبلغ الذي دفعه بالإضافة إلى ما تكبده من مصاريف .

ثالثا : تطهير الدفوع

تنص المادة 147 من قانون التجارة على أنه ” ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب أن يحتجوا على حامله بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين ما لم يكن حامل السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين”. وبينت المادتان 214 و241 بأن هذا الحكم يسري أيضاً على السند لأمر والشيك .

ويطلق الفقه على عدم جواز احتجاج المدين في الشيك على الحامل حسن النية بالدفوع المبنية على علاقته الشخصية بالساحب أو الحملة السابقين مبدأ تطهير الدفوع، لأنه يطهر الشيك من العيوب التي قد تكون علقت به سواء عند إنشائه أو في أثناء تداوله، وخاصة العيوب غير الظاهرة التي يجهلها حامل الشيك . فلا يستطيع المدين أن يمتنع عن الوفاء بالاستناد إلى الدفوع التي كان له أن يتمسك بها في مواجهة الساحب أو الحملة السابقين، مثل الدفوع الناتجة عن عيب الرضا أو عدم مشروعية المحل أو السبب، أو فسخ أو انقضاء العلاقة الأصلية أو بطلانها ، وغير ذلك من الأسباب الأخرى ، لأن التظهير ينقل الحق الثابت في الشيك من المظهر إلى المظهر إليه خالياً من هذه الدفوع .

ويعد مبدأ تطهير الدفوع من أهم القواعد التي تحكم الشيك، وهو يتفرع عن مبدأ استقلال التوقيعات ، ويهدف إلى حماية الحامل حسن النية وتأمينه ضد المفاجآت غير المتوقعة عندما يتقدم لاستيفاء قيمة الشيك .

ويرجع النص على هذا المبدأ إلى ضرورات الحياة التجارية والاعتبارات العملية، حتى يمكن للشيك أن يؤدي وظيفته كأداة للائتمان وأداة للوفاء ، فلولا هذا المبدأ لاستحال على الشيك القيام بهذه الوظيفة ، لأنه من العسير أن يطلب من المظهر إليه ، قبل تملكه الورقة بالتظهير ، أن يقوم بالتحري واستقصاء العلاقات القانونية التي تربط المدين في الشيك بالموقعين السابقين ، والتحقق من الدفوع التي قد يتمسك بها المدين الأصلي وسائر المظهرين تجاه المظهر الأخير ، ليتأكد من عدم وجود سبب يبطل التزام أحد الموقعين ، لأن هذا الأمر يعيق تداول الشيك، ويتنافى مع السرعة التي تقوم عليها الحياة التجارية .

وقد خرج المشرع في هذا المبدأ على القاعدة العامة المقررة في المادة 1005 من القانون المدني التي تقضي بانتقال الحق من المحيل إلى المحال له بكافة دفوعه حيث تنص على أنه ” للمحال عليه أن يتمسك قبل المحال له بكافة الدفوع المتعلقة بالدين والتي كانت له في مواجهة المحيل وله أن يتمسك بكافة الدفوع التي للمحيل قبل المحال له “. كما أنه يعد خروجاً على القواعد العامة التي تقضي بأن فاقد الشيء لا يعطيه ولذلك لا يجوز لأحد أن ينقل إلى غيره حقوقاً أكثر مما له .

شروط تطبيق مبدأ تطهير الدفوع

يشترط لتطهير الشيك من الدفوع ثلاثة شروط هي :

الشرط الأول : أن يكون الحامل مالكا شرعيا للشيك الذي انتقل إليه بتظهير تام صحيح. فلا يطبق هذا المبدأ إذا انتقل الشيك إلى الحامل بطريق آخر، كالحوالة المدنية، أو الإرث أو الوصية أو الهبة . لأن الحق ينتقل في الحوالة المدنية محملاً بجميع الدفوع ، ولأن الموصى له أو الوارث أو الموهوب له يعد خلفاً عاماً لمن تلقى عنه الشيك فيمكن التمسك قبله بالدفوع التي يحتج بها في مواجهة سلفه .

الشرط الثاني : أن يكون الحامل حسن النية .

هدف المشرع من النص على مبدأ تطهير الدفوع حماية الحامل حسن النية لأنه أولى بالرعاية من غيره من الملتزمين بالشيك . لذلك فإن الحامل سيئ النية لا يستطيع التمسك بهذا المبدأ . ويفهم شرط حسن النية من العبارة الأخيرة الواردة في المادة 147 من قانون التجارة وهي ” … ما لم يكن حامل السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين “.

ويتضح من هذه العبارة أن المشرع لم يكتف بعلم الحامل بالدفوع التي للمدين قبل الحاملين السابقين، كعلمه مثلاً بأن السند حرر بمناسبة دين قمار أو بعدم وجود سبب له، لأن ذلك مجرد موقف سلبي . بل اشترط أن يكون لدى حامل السند نية إيقاع الضرر بالمدين ، أي أن يكون الحامل قد قصد من حصوله على الشيك ، مع علمه ووعيه بالعيب ، الإضرار بالمدين بحرمانه من التمسك بالدفوع التي كان بمقدوره أن يتمسك بها في مواجهة المظهر السابق على الحامل . وذلك بقبوله أن يقوم الحامل بتظهير الشيك إليه لكي يصبح هو الحامل الجديد ويفوت على المدين فرصة تمسكه بالدفوع .

وعبء إثبات سوء نية الحامل يقع على كل ذي مصلحة في ذلك كالساحب أو المظهر أو المسحوب عليه أو الضامن الاحتياطي ، إذ يفترض أن الحامل حسن النية متى تلقى الشيك عن طريق تظهير ناقل للملكية، حتى يثبت العكس . ونية الحامل إيقاع الضرر بالمدين هي مسألة واقعية يمكن إقامة الدليل عليها بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة والقرائن ، ويعود أمر تقديرها لقاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة التمييز.

وعلى الرغم من أن علم المظهر إليه لا يكفي وحده لإثبات سوء نيته ، كما لو اعتاد أشخاص لعب القمار وتسديد الخاسر ما عليه بموجب شيك ، وظهر أحدهم شيكاً حصل عليه بهذه الطريقة إلى شخص آخر يعلم بأن سبب الشيك هو دين قمار ، فإن هذا العلم لا يكفي للقول بسوء نية المظهر إليه .

غير أن العلم يمكن أن يكون في حالات أخرى قرينة على سوء نية المظهر إليه، كما لو حصل شخص على شيك بطريق الاحتيال ، أو السرقة ، وظهره إلى شخص آخر كان يعلم بواقعة الاحتيال أو السرقة ، وقبل مع ذلك أن يكون مظهراً إليه ، فإن قبوله هذا يمكن أن يعد قرينة على أنه قصد إلى مساعدة المحتال أو السارق في الحصول على قيمة الشيك بحرمان الساحب من التمسك بالدفع ضد المظهر وفق مبدأ التظهير يطهر الشيك من الدفوع . ولكن هذه القرينة بسيطة ، بحيث يجوز للمظهر إليه أن يثبت عكسها. وتقدير ذلك كما قلنا يعود لقاضي الموضوع وفق ظروف وملابسات الدعوى .

الشرط الثالث : ألا يكون الحامل طرفاً في العلاقة التي ينشأ عنها الدفع .

فلا مجال لتطبيق هذا المبدأ على أطراف العلاقة التي ينشأ عنها الدفع . وعلى ذلك إذا تم تظهير الشيك إلى المسحوب عليه وأصبح حاملا له ، لا يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع في مواجهة الساحب . كذلك إذا أصبح المدين في الشيك دائناً للحامل لسبب أو آخر ، فإن هذا المدين يستطيع في حالة الرجوع عليه التمسك في مواجهة هذا الحامل بالمقاصة .

نطاق تطبيق قاعدة تطهير الدفوع

ذكرنا أن قاعدة تطهير الدفوع تهدف إلى حماية حامل الشيك حسن النية ، لذلك فإنه يستبعد من نطاق تلك القاعدة تلك الدفوع التي لا يكون الحامل معها في حاجة إلى حماية لأن بوسعه التحقق منها كالدفوع الناتجة عن عيب ظاهر في الصك أو شكل الورقة . كما أنه رغم كون العيب غير ظاهر قد توجد اعتبارات قانونية تكون معها حماية الغير أولى من حماية الحامل حسن النية مثل الدفوع الناتجة عن نقص الأهلية أو تزوير توقيع الساحب . وعلى ذلك سوف نعرض للدفوع التي يطهرها التظهير ، ثم نتبع ذلك بالدفوع التي لا يطهرها التظهير .

أولا : الدفوع التي يطهرها التظهير

  1. الدفوع الناتجة عن عيب الرضا ، مثل بطلان توقيع المدين نتيجة الغلط ، أو الإكراه ، أو التغرير (التدليس) المقترن بغبن، فإذا وقع شخص شيكا بناء على غلط معتقدا أنه مدين للمستفيد، ثم تبين أن الدين غير موجود أو أنه كان موجوداً ثم انقضى قبل التوقيع وتسليم الورقة للمستفيد ، فإن للساحب أن يحتج في مواجهة المستفيد بالغلط . أما إذا ظهر المستفيد الشيك إلى حامل حسن النية فإن المدين لا يستطيع أن يحتج على الحامل ببطلان التزامه بسبب الغلط ، لأن التظهير يطهر هذا الدفع . وكذلك الحال بالنسبة لعيوب الإرادة الأخرى .
  2. الدفوع الناتجة عن انعدام السبب أو عدم مشروعيته، كأن يكون سبب الالتزام بالشيك وفاء لدين قمار أو رشوة. فسبب الالتزام بالشيك يبنى على العلاقة الأصلية بين الساحب والمستفيد أو ما يسمى ببيان وصول القيمة. ولا يلتزم الحامل بتقصي مدى مشروعية هذا السبب إذا لم يكن ظاهراً بالسند أو إذا كتب في السند سبب آخر مشروع لإخفاء السبب الحقيقي، وكذلك الحال بالنسبة لسبب التظهير .
  3. الدفوع الناتجة عن بطلان أو فسخ العلاقة الأساسية ، بين الساحب والمستفيد ، أو بين المظهر والمظهر إليه ، أو عن أي سبب آخر . فإذا سحب الشيك لتسديد ثمن بضاعة مثلاً ، ثم فسخ البيع نتيجة عدم مطابقة المبيع للمواصفات أو لامتناع البائع عن تسليم المبيع مثلاً وانقضت بذلك العلاقة بين الساحب والمستفيد ، فإنه لا يجوز الاحتجاج بذلك على الحامل حسن النية .
  4. الدفوع الناتجة عن انقضاء الالتزام الصرفي ، كما إذا قام المدين بالوفاء بقيمة الشيك إلى دائنه المباشر دون أن يسترد الصك ، ثم قام هذا الدائن بتظهير الشيك بعد ذلك إلى حامل حسن النية . وكذلك إذا تحققت شروط المقاصة بين طرفي الشيك (الساحب والمستفيد) بأن أصبح الساحب دائناً للمستفيد بمبلغ يوازي قيمة الشيك ، فيستطيع الساحب التمسك بالمقاصة في مواجهة هذا المستفيد ولكن يمتنع عليه ذلك بالنسبة للحامل حسن النية اللاحق على هذا المستفيد . وكذلك الحال لو تم الوفاء كلياً أو جزئياً لحامل سابق ، أو أجريت معه مقاصة أو تنازل عن الدين.

ثانيا : الدفوع التي لا يطهرها التظهير

هناك دفوع لا يطهرها التظهير بل تبقى سارية في مواجهة الحامل حسن النية ، وذلك إما لأن الحامل لا يكون في حاجة إلى حماية لأن بوسعه التحقق من سبب الدفع ، أو لأن حماية الغير تكون أولى من حماية الحامل حسن النية، ومن هذه الدفوع ما يلي:

  1. الدفع الناتج عن عيب ظاهر في السند كنقص أحد البيانات القانونية ، مثل نقص مبلغ الشيك ، أو اسم المسحوب عليه ، أو اسم المستفيد ، أو تاريخ إنشاء الشيك ، ولم يكمل هذا النقص حتى حلول الاستحقاق ، فلا تسري قاعدة تطهير الدفوع ، ويجوز إثارة هذا الدفع أمام أي حامل للورقة التجارية المعيبة ، لأن هذا الحامل يستطيع تبين العيب ، بل يجب عليه أن يتفحص الورقة للتأكد من عدم وجود عيب فيها وإلا أصبح حاملاً مهملاً .
  2. الدفع الناتج عن الشروط الاختيارية الثابتة في صيغة الشيك مثل شرط عدم الضمان، وشرط الرجوع بلا مصاريف ، فهذه الشروط تكون مكتوبة في صلب الصك ويمكن للحامل أن يتبينها .
  3. الدفع الناتج عن عدم التزام المدين بسبب تزوير توقيعه ، فالمدين الذي زور توقيعه لا يكون طرفاً في الشيك لانعدام إرادته بالالتزام . لذلك يستطيع التمسك بهذا الدفع في مواجهة الحامل ولو كان حسن النية مهما كانت درجة إتقان التوقيع المزور . كما أنه إذا ثبت خطأ المدين المنسوب إليه التوقيع أو إهماله مما أدى إلى تسهيل هذا التزوير ، فإنه لا يلتزم صرفياً بموجب الورقة التجارية ، ولكن يكون مسؤولاً عن تعويض الحامل عما لحقه من ضرر تطبيقاً لقواعد المسؤولية عن الفعل الضار .
  4. الدفع الناتج عن عدم صلاحية من وقع على الشيك نيابة عن المدين ، فإذا وقع شخص على شيك بصفته وكيلاً عن المدين فيها مثلاً ، ثم تبين أن هذا المدين لم يوكله في ذلك . أو وقع مدير الشركة مثلاً على الورقة باسم الشركة وكان عقد الشركة يحرمه من ذلك وجرى شهره بصورة قانونية ، فإن من حق المدين في الحالة الأولى والشركة في الحالة الثانية أن تدفع دعوى الحامل بعدم صلاحية الوكيل أو المدير بالتوقيع لعدم وجود الوكالة ، أو لأن شهر العقد من شأنه إطلاع الغير على مضمونه . وكذلك الحال إذا تجاوز النائب حدود النيابة فلا يلتزم من تم التوقيع باسمه بل يلتزم الموقع شخصياً في هذه الحالة .
  5. الدفع بانعدام أو نقص أهلية أحد موقعي السند، إذا كان الساحب أو أحد المظهرين فاقد الأهلية أو ناقصها بسبب عته أو سفه مثلاً ، فإن الدفع الناتج عن انعدام الأهلية أو نقصها لا يتطهر بتظهير الورقة، رغم أن هذا العيب خفي لا يمكن للحامل حسن النية معرفته ، لأن حماية عديم الأهلية أو ناقصها أولى من حماية الحامل حتى لو كان حسن النية ، ولا يجوز حرمانه من حماية القانون بمجرد توقيعه على الورقة التجارية ، وإلا أمكن التهرب من أحكام الأهلية ، بأن يتفق شخص مع القاصر على إفراغ الالتزام في ورقة تجارية ثم يقوم هذا الشخص بتظهيرها إلى حامل حسن النية . ولكن لا يجوز التمسك بهذا الدفع إلا للقاصر نفسه دون الملتزمين الآخرين بالورقة التجارية .
  6. الدفوع الشخصية التي بين المدين والحامل، حيث يجوز للمدين الاحتجاج على الحامل بالدفوع الشخصية بينهما ، ولا عذر للحامل في ذلك لأنه يعلم بهذه الدفوع. لذلك يجوز للمدين في الورقة التجارية أن يحتج على الحامل بالمقاصة الواقعة بينهما.