الفصل الثاني – حضور الخصوم وغيابهم

صدور قرار الشطب في فترة الانقطاع

          إذا تحقق سبب من أسباب انقطاع الخصومة بعد البدء فيها، انقطع سير الخصومة بقوة القانون، فإذا كان عدم حضور المدعي الجلسة لوفاته ولم تعلم المحكمة بتوافر سبب الانقطاع الذي حال دون حضوره فقررت شطب الدعوى، فإن هذا القرار يكون باطلا لصدوره في فترة الانقطاع، وبالتالي لا يترتب الجزاء الذي نصت عليه المادة 88 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، بحيث إذا قام ورثة المدعي أو من في حكمهم بتجديد الدعوى من الشطب بعد انقضاء ستين يوما، امتنع على المدعى عليه التمسك باعتبارها كأن لم تكن ولو لم يتمسك الورثة ببطلان قرار الشطب، إذ للمحكمة العدول عنه ولو من تلقاء نفسها.

           الفرض الثالث : أن يحضر أحد الطرفين ويتغيب الآخر ، وهنا نكون أمام احتمالين:

الاحتمال الأول : حضور المدعي وغياب المدعى عليه :

      إذا حضر المدعي في الجلسة الأولى ولم يحضر المدعى عليه ، فإنه يجب على المحكمة أن تتحقق من تلقاء نفسها من صحة تبليغ لائحة الدعوى للمدعى عليه . ويجب أن نميز بين حالة صحة هذا التبليغ وحالة بطلانه .

أولا : حالة بطلان التبليغ : إذا تبين للمحكمة بطلان تبليغ لائحة الدعوى للمدعى عليه، تقرر تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق يعاد تبليغ المدعى عليه تبليغا صحيحا ، ويتم تأجيل الجلسة في هذه الحالة لتصحيح التبليغ وليس لمجرد إعادة التبليغ ، لذلك فإن المحكمة تأمر بهذا ولو كانت الدعوى مستعجلة أو كان التبليغ قد تم لشخص المدعى عليه . وهي تأمر بإعادة تبليغ المدعى عليه بلائحة الدعوى كاملة تبليغا صحيحا ، وتكليفه بالحضور للجلسة الجديدة ، ولا يقتصر التبليغ على موعد الجلسة .

ثانيا : حالة صحة التبليغ : إذا تبين للمحكمة أن تبليغ لائحة الدعوى للمدعى عليه كان صحيحا ، فإنها تنظر في التبليغ من زاوية أخرى .

  1. فإذا كانت الدعوى قد بلغت لشخص المدعى عليه ، أي تبلغ بالذات ، تسير المحكمة في الدعوى وتصدر حكمها فيها ، إذ بهذا التبليغ يتحقق علمه اليقيني بالدعوى ولا يلزم أن تؤجل المحكمة الدعوى لتبليغ المدعى عليه الغائب بل تسير في الدعوى رغم تخلفه عن الحضور في الحالات التالية :
  2. إذا حضر المدعى عليه إحدى جلسات المحاكمة ، فالتأجيل غير واجب على المحكمة إلا في حالة غياب المدعى عليه في الجلسة الأولى ، أما حضوره في أي جلسة فإنه يعني علمه الفعلي بالدعوى وتمكينه من حق الدفاع ، ولذا تعد الخصومة حضورية بالنسبة له ولو تخلف بعد ذلك عن الحضور ، وقد نصت على ذلك المادة (86) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بقولها ” إذا حضر المدعى عليه إحدى جلسات المحاكمة وتغيب بعد ذلك لغير عارض من عوارض الخصومة فإن الحكم الصادر ضده يكون حضوريا قابلا للاستئناف “.
  3. إذا كان المدعى عليه قد تبلغ لشخصه إذ يعني هذا علمه الفعلي بالدعوى .
  4. إذا كان المدعى عليه قد قدم لائحة جوابية بدفاعه ، إذ يعني هذا تبلغه الدعوى وعلمه الفعلي بها وتمكينه من حق الدفاع .
  5. إذا كانت الدعوى مستعجلة ، وذلك لأن الدعوى المستعجلة لا تحتمل التأجيل ، وقد يكون تأجيلها ضارا بالمدعي .
  6. أما إذا لم تكن لائحة الدعوى قد بلغت لشخص المدعى عليه بالذات ، ولم يكن قد قدم لائحة جوابية ، فإن على المحكمة في غير الدعاوى المستعجلة تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة تالية يبلغ بها المدعى عليه للحضور وتقديم دفاعه .

      والحكمة من التأجيل وإعادة التبليغ في حالة غياب المدعى عليه وحده هو تحقيق ضمانة إضافية لتمكينه من حق الدفاع ، فقد يكون معذورا في غيابه لعدم علمه الفعلي بالدعوى ، لذلك من البديهي أن يتم التبليغ الجديد لشخصه حتى تتحقق الحكمة من التأجيل والتبليغ ، ولا يعاد تبليغ المدعى عليه بلائحة الدعوى كاملة ، وإنما يبلغ فقط بورقة تكليف بالحضور يشار فيها إلى لائحة الدعوى السابقة ويحدد فيها تاريخ الجلسة الجديدة .  فإذا بذل مأمور التبليغ (المحضر) جهده لتبليغ المدعى عليه بالذات وتعذر عليه ذلك ، يعيد الأوراق لقلم المحكمة لعرضها على القاضي ، الذي له أن يقرر تبليغ المدعى عليه بالطريقة التي يراها مناسبة (م 7/1/ج)، فإذا تبين له مثلا أن تعذر التبليغ ناتج عن أن المدعى عليه يخرج للعمل في مكان بعيد ولا يعود إلا بعد السابعة مساء ، له أن يقرر إجراء التبليغ في غير الأوقات المحددة في المادة (8/2)، وإذا تبين له أن المدعى عليه لم يحضر بسبب مرضه له أن يقرر تبليغه بعد شفاءه ، وإذا تبين له أنه مسافر سفرة قصيرة له أن يؤجل التبليغ إلى حين عودته ، أما إذا كان سفره لمدة طويلة فله أن يقرر تبليغه بتعليق نسخة من ورقة التبليغ على باب بيته أو بالنشر ، أما إذا كانت شروحات مأمور التبليغ تفيد أن المدعى عليه يتهرب من استلام التبليغ فللقاضي أن يعتبر التبليغ إلى من يتواجد في البيت من أقاربه صحيحا وكافيا ، ومن ثم يقرر السير في الدعوى .

      وإذا لم يحضر المدعى عليه الجلسة الجديدة تسير المحكمة في الدعوى ويعتبر الحكم في الدعوى حضوريا بالنسبة له . ولكن لا يجوز للمدعي أن يبدي في الجلسة التي تخلف فيها خصمه طلبات جديدة أو أن يعدل أو يزيد أو ينقص في الطلبات الأولى إلا إذا كان المدعى عليه قد تبلغ هذه الطلبات (م 85/4)، وذلك حتى لا يصدر الحكم في هذه الطلبات في غفلة المدعى عليه ويحرم من فرصة تقديم دفاعه بخصوصها .

      ولا يعد غياب المدعى عليه في ذاته تسليما بطلبات المدعي ، بل يجب على المدعي تقديم الأدلة الكافية لتأييد طلباته ، وعلى المحكمة أن تحقق هذه الطلبات ، وأن تأمره كلما دعا الأمر بإثبات ما يدعيه وإلا حكمت برفض دعواه مع تحميله المصاريف .

      ويسري هذا الحكم في حالة تعدد المدعى عليهم ، فإذا كان جميع المدعى عليهم قد تبلغوا بالذات ، وحضر بعضهم وتغيب بعضهم ، أو تغيبوا جميعا ، تسير المحكمة في الدعوى ويعد الحكم الصادر فيها حضوريا بحقهم .

      أما إذا كان بعضهم قد تبلغ لشخصه وبعضهم لم يتبلغ لشخصه ، وتغيبوا ، أو تغيب من لم يبلغ لشخصه ، وكان تبليغهم صحيحا ، وجب على المحكمة في غير الدعاوى المستعجلة تأجيل نظر الدعوى لجلسة تالية يبلغ بها من لم يبلغ لشخصه من الغائبين ، ويتم تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة تالية بالنسبة إلى جميع المدعى عليهم ، رعاية لمصلحة من يكون غائبا ، وتفاديا لتجزئة سير الخصومة وتعارض الأحكام فيها. ويعتبر الحكم في الدعوى حضوريا في حق المدعى عليهم جميعا سواء تخلفوا جميعا عن الحضور في الجلسة الجديدة ، أو حضر من سبق حضوره وتخلف من سبق تخلفه عن الحضور .

      أما بالنسبة للأشخاص الاعتبارية ، فقد نصت المادة (63/3) على أنه ” لغايات تطبيق أحكام هذه المادة (أي تبليغ المدعى عليه وعدم تقديم لائحته الجوابية وتغيبهعن حضور الجلسة الأولى) يعتبر تبليغ الشخص الاعتباري العام أو الخاص في مركز إدارته أو للنيابة العامة تبليغا لشخصه “.(1) وعلى الرغم من أن التبليغ للنيابة العامة جاء مطلقا فإن قصد المشرع هو أن تبليغ المدعى عليه إذا كان شخصا اعتباريا عاما يكون للنيابة  العامة، وإذا كان شخصا اعتباريا خاصا فيكون في مركز إدارته .

الاحتمال الثاني : غياب المدعي وحضور المدعى عليه

      إذا حضر المدعى عليه ولم يحضر المدعي ، فإن المدعى عليه قد يفضل الانسحاب لشطب الدعوى ، والواقع أن انسحاب المدعى عليه يؤدي إلى تخلف الطرفين عن الحضور ، ويأخذ حكم الحالة الأولى .

      أما إذا سجل المدعى عليه حضوره ولم يحضر المدعي ، فإن للمدعى عليه أن يطلب شطب الدعوى ، وتجيبه المحكمة إلى طلبه . كما أن له أن يختار السير في الدعوى والحكم فيها إذا وجد مصلحته في ذلك ، وفي هذه الحالة تقرر المحكمة تأجيل النظر في الدعوى إلى جلسة تالية ، وتبلغ المدعي ميعادها . أما إذا ترك المدعى عليه الأمر للمحكمة ، فإن لها من تلقاء نفسها أن تقرر تأجيل الدعوى أو شطبها (المادة 85/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد).

      وعلى كل حال إذا قررت المحكمة شطب الدعوى وكان للمدعى عليه فيها ادعاء مقابلا فله أن يطلب محاكمة المدعي (المدعى عليه في الادعاء المقابل) والسير في الدعوى المقابلة إذا كان المدعي قد تبلغ بالطلبات المقابلة . ويسري هذا الحكم في حالة تعدد المدعين وغياب بعضهم وحضور آخرين بالنسبة للمدعين الغائبين .

      وسبق حضور المدعي لا يمنع من شطب الدعوى إذا تخلف بعدئذ عن حضور جلسة تالية ، كما أن المحكمة قد تسير في الدعوى إذا حدث الغياب في جلسة تالية ، ويعد عدم حضور المدعي الجلسة دليلا على عدم رغبته في تقديم دفاع جديد .


(1) تقابل المادة 84/3 من قانون المرافعات المصري التي تنص على أنه : وفي تطبيق أحكام هذه المادة ، يعتبر إعلان الشخص الاعتباري العام ، أو الخاص في مركز إدارته ، أو في هيئة قضايا الدولة بحسب الأحوال إعلانا لشخصه .