الفصل الأول – القواعد العامة للطعن في الأحكام

المطلب الثاني

المطعون ضده

      المطعون ضده هو الشخص الذي حكم لمصلحته في الدعوى سواء كان مدع أم مدعى عليه أمام محكمة أول درجة، وهو الطرف السلبي في خصومة الطعن، ويشترط في المطعون ضده ما يأتي:

  1. أن يكون طرفا في الخصومة التي صدر فيها الحكم. فلا يجوز توجيه الطعن إلا ضد الأشخاص الذين كانوا طرفا أو ممثلين في النزاع أمام محكمة أول درجة.
  2. أن يختصم بذات صفته التي كانت له في تلك الخصومة. فإذا حدث تغيير في صفة الشخص الذي استفاد من الحكم البدائي، فإن هذا التغيير قد يستوجب أحيانا إدخال تعديل على شخص المطعون ضده، كما لو كان المحكوم له قاصرا وبلغ فإن الطعن يوجه ضده لا ضد وليه، وإذا حكم لمصلحة وكيل التفليسة ثم انتهى الإفلاس بالصلح، يوجه الطعن ضد التاجر لا ضد وكيل التفليسة.
  3. أن يكون قد أفاد من الحكم المطعون فيه؛ بمعنى أن يكون قد حكم له بشيء على الطاعن، أو أن تكون المحكمة قد رفضت للطاعن طلبا وجهه إلى الخصم المطعون ضده، بحيث تكون له مصلحة في طلب الحكم برفض الطعن.
  4. ألا يكون المطعون ضده قد تنازل عن الحكم المطعون فيه، لأن النزول عن الحكم يستتبع النزول عن الحق الثابت فيه. فإذا تنازل الخصم عن الحكم الصادر لمصلحته تنقضي الخصومة التي صدر فيها؛ ويمتنع عليه تجديد المطالبة بالحق الثابت فيه، أي أصل الحق الذي رفعت به الدعوى، وبالتالي يكون قد حقق لخصمه غايته من الطعن في الحكم ولا تبقى له فائدة من الطعن فيه.

      ويجوز أن يقتصر نزول المحكوم له عن شق من الحكم دون الشق الآخر، ويجوز أن يقتصر نزوله بالنسبة لأحد المحكوم عليهم دون الآخرين، كما يجوز عند تعدد المحكوم لهم نزول أحدهم عن الحكم دون الآخرين، وفي جميع هذه الأحوال ينصب أثر النزول على محله وحده، فيكون من الجائز للمحكوم عليه الطعن في الشق الذي لم ينزل عنه خصمه، ويجوز الطعن في الحكم من المحكوم عليه الذي لم يتم النزول عن الحكم لصالحه، ويجوز الطعن في الحكم في مواجهة من لم ينزل من المحكوم لهم عن الحكم الصادر لصالحه.

      ويشترط في المتنازل عن الحكم الذي صدر لصالحه أن يكون أهلا للتصرف في حقوقه، كما يملك هذا التنازل من يقوم مقامه. ويجب أن يكون النزول عن الحكم صريحا واضحا؛ فلا يؤخذ بالظن ولا يقبل التأويل، وعلى ذلك فإن مجرد رفع النزاع من جديد إلى القضاء مع قيام الطعن لا يعتبر تنازلا عنه، وللخصم طلب رد الدعوى الجديدة لسبق الفصل فيها.

المطلب الثالث

من يفيد من الطعن ومن يحتج به عليه

أولا: القاعدة العامة: نسبية أثر الطعن

      تنص الفقرة الخامسة من المادة 191 على أنه “لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه”.

      وعلى ذلك إذا تعدد المحكوم عليهم؛ وطعن بعضهم في الحكم دون بعضهم الآخر الذي فوت ميعاد الطعن وقبل الحكم، فلا يفيد من أثر الطعن إلا من رفعه، بمعنى أنه إذا تعدل الحكم المطعون فيه فلا يستفيد من ذلك إلا الطاعن دون باقي المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن.

      كما أنه إذا تعدد المحكوم لهم فلا ينتج الطعن أثره إلا بالنسبة لمن رفع عليه الطعن في الميعاد، فإذا تعدد المحكوم لهم ورفع المحكوم عليه طعنه في مواجهة بعضهم دون بعضهم الآخر؛ وتعدل الحكم المطعون فيه، فإن الحكم الصادر في الطعن لا يحتج به إلا في مواجهة من رفع عليه الطعن من المحكوم لهم. بينما يظل الحكم الأصلي قائما بالنسبة لمن لم يطعن ضدهم.

      وهذه القاعدة التي نص عليها المشرع هي تطبيق لمبدأ نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات، فلا يفيد من الإجراء إلا من باشره؛ ولا يحتج به إلا على من اتخذ في مواجهته.

      ومن ناحية أخرى تنص الفقرة الرابعة من المادة 191 على أنه “لا يضار الطاعن بطعنه” وعلى ذلك إذا ألزم الحكم المدعى عليه ببعض طلبات المدعي دون بعضها الآخر وطعن المحكوم عليه في هذا الحكم؛ ولم يتقدم الخصم بطعن بدوره بالنسبة لطلباته المرفوضة، لا يجوز لمحكمة الطعن أن تبحث الطلبات التي رفضتها محكمة أول درجة لأن ذلك قد يلحق ضررا بالطاعن، وإنما يقتصر حكمها في الطعن على المسائل التي عرضها الطاعن، فإما أن تجيبه إلى طلبه أو ترفض طعنه وتصدق الحكم المطعون فيه.

ثانيا: الاستثناء – الإفادة من أثر الطعن

      تنص المادة 200 على أنه “إذا كان الحكم صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضما إليه في طلباته فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن، وإذا رفع الطعن على أحد المحكوم لهم في الميعاد يجب اختصام الباقين ولو بعد فواته بالنسبة إليهم”.

      ويتبين من هذا النص أن المشرع ذكر حالات ثلاث أجاز فيها للمحكوم عليه الذي فوت ميعاد الطعن أو قبل الحكم أن ينضم لمن طعن في الحكم في الميعاد، وأوجب اختصامه إن لم يطلب الانضمام، كما أوجب اختصام باقي المحكوم لهم إذا رفع الطعن على أحدهم في الميعاد ولو بعد فواته بالنسبة إليهم، وذلك حتى يسري الحكم الصادر في الطعن في حقهم، وهذه الحالات هي:(1)

  1. حالة عدم التجزئة، مثل حق ارتفاق مقرر لعقار أو على عقار مملوك على الشيوع لعدة أشخاص. وذلك لأن طبيعة الحق نفسه وما يقتضيه عدم قابليته للتجزئة، تستوجب حتما أن يكون الحكم الصادر في الدعوى واحدا بالنسبة لجميع ذوي الشأن؛ لاستحالة تنفيذ أحكام متعارضة في مسألة غير قابلة للتجزئة.
  2. التضامن، ويشترط لاستفادة الخصم من هذا الاستثناء أن يكون مختصما في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ويكفي أن يطلب التضامن من المحكمة، ولا يشترط أن يصدر الحكم قاضيا بالتضامن.(1)
  3. الدعاوى التي يوجب القانون اختصام أشخاص معينين فيها، كدعوى الشفعة، حيث يجب اختصام بائع العقار المشفوع فيه والمشتري منه. فهذه الدعاوى يعاملها المشرع معاملة الدعاوى في حالة عدم التجزئة؛ حتى لا تتعارض الأحكام في الطلب الواحد. فالطلب الذي اعتبره القانون واحدا رغم توجيهه إلى متعددين؛ اعتبر بحكم القانون مما لا يقبل التجزئة.(2)

      ويشترط لإعمال المادة 200 المذكورة والخروج على قاعدة النسبية توافر الشروط الثلاثة الآتية:

    1- أن يكون هناك على الأقل طعن صحيح مرفوع من أحد المحكوم عليهم، حتى يستطيع باقي المحكوم عليهم الآخرون الاستفادة من رفع الطعن بعد الميعاد، أو بعد قبول الحكم.

      وإذا تنازل مقدم الطعن الصحيح عن استئنافه، أو حكم باعتبار خصومة الاستئناف كأن لم تكن، انقضى مبرر قبول الطعون الأخرى المرفوعة بعد الميعاد، لأن هذه الطعون تستمد بقاءها واستمرارها من صحة الطعن الأول واستمراره.

      أما إذا تعدد المحكوم لهم، ورفع الطعن على أحدهم صحيحا وفي الميعاد، فإن الطاعن يلتزم باختصام المحكوم لهم الآخرين من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المحكمة، وإذا لم يفعل أو يمتثل لأمر المحكمة، فإنه يجوز للمحكمة أن تحكم بعدم قبول الطعن.

2-أن ينضم المحكوم عليه الذي ضيع على نفسه حقه في الطعن إلى الطاعن في طعنه بألا يطالب لنفسه بحقوق متميزة أو مستقلة عن حقوق رافع الطعن الصحيح أو تزيد على طلباته.

3- أن يثبت المحكوم عليه – الذي يريد الانضمام إلى الطعن الصحيح المرفوع من زميله – بأن الدعوى المحكوم فيها تندرج ضمن الحالات الواردة في المادة 200، وتقدر المحكمة المرفوع إليها الطعن مدى تطابق هذه الحالة مع المادة 200، وبصرف النظر عن حكم أول درجة.


(1) نقض مدني 43/2006 تاريخ 10/10/2007 ج 3 ص 100.

(1) نقض مدني 73/2008 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 148.

(2) نقض مدني 5/2008 تاريخ 27/2/2008 ج 4 ص 90.