الكافي في شرح قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية

مقدمة الطبعة الأولى

كان إصدار قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 خطوة ضرورية لتوحيد الإجراءات أمام المحاكم النظامية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة). ذلك أن هذا القانون يعد من أهم التشريعات التي تتكفل برسم الطريق الموصل إلى الحق والعدالة ، وتحديد الوسائل الواجب اتباعها والوقت اللازم للحصول على الحق . وتوحيد قواعد المحاكمات وتطويرها بما يسهل وييسر إجراءات التقاضي والحد من المماطلة ويسهم إلى حد كبير في حسن أداء الجهاز القضائي لوظيفته في حسم المنازعات وتحقيق العدالة .

وقد وحد القانون الجديد أيضا النصوص المتعلقة بأصول المحاكمات أمام محاكم الصلح والبداية ، وألغى قانون محاكم الصلح ، وهذه خطوة موفقة من المشرع إذ لا يوجد حكمة أو فائدة من وجود قانون خاص بمحاكم الصلح ، علما بأن القانون المذكور لم يكن يشمل سوى بعض الأحكام وكان قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يعتبر مكملا لأحكام قانون محاكم الصلح .

وعلى الرغم من أن المشرع قد سها عليه إدراج قانون محاكم الصلح رقم 15 لسنة 1952 الذي كان ساريا في الضفة الغربية في المادة (292) التي عدد فيها القوانين التي قرر إلغاء العمل بها ، فإنه يمكن القول بأن قانون محاكم الصلح المذكور قد ألغي ضمنا بإعادة تنظيم الموضوع الذي يتناوله من جديد (1)، وإن كان من الأنسب أن يتدارك المشرع هذا الأمر بنص صريح ، كما ألغاه صراحة في المادة 485 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 بخصوص القضايا الجزائية .

وفضلا عن تقسيم القانون الجديد إلى أبواب يشمل كل باب منها المواد المتعلقة بموضوع معين بحيث يسهل على المشتغلين بالقانون الإلمام بأحكامه وقواعده، فقد قنن أحكاما كانت مستقرة في الفقه والقضاء ، واستحدث أحكاما جديدة عدل بموجبها عما كان مطبقا في ظل القانون القديم من ذلك :

  1. تنظيم تنازع القوانين من حيث الزمان بخصوص قواعد الأصول (م1).
  2. تنظيم شرط المصلحة في الدعوى باعتباره مناط الدعوى بحيث لا توجد الدعوى إلا بوجوده (م3).
  3. تنظيم البطلان كجزاء على مخالفة الإجراءات والمواعيد ، مع التخفيف من خطورة هذا الجزاء والحد من آثاره ، وإتاحة الفرصة لتصحيح الإجراء الباطل .
  4. تعديل القواعد الخاصة بالتبليغات وتبادل اللوائح والطلبات والدفوع وحصر البينة وسماعها بهدف تسهيل الإجراءات والإسراع في نظر القضايا والقضاء على المماطلة والتسويف وتحقيق العدالة في أقصر وقت ممكن .
  5. نظم الاختصاص بالدعاوى ذات العنصر الأجنبي تحت عنوان الاختصاص الدولي للمحاكم .
  6. استحدث نظام التسوية القضائية في محاولة للتوفيق بين الخصوم (المواد 68-78)
  7. استحدث نظام القضاء المستعجل (المواد 102-114 والمواد 266-278) وبين حالاته ، وكيفية نظر الطلب المستعجل ، والطعن في القرار الصادر فيه ، بهدف حماية الحق مؤقتا حتى يفصل في النزاع من محكمة الموضوع .
  8. ألغى نظام المحاكمة الغيابية وطريق الطعن في الحكم بطريق الاعتراض .
  9. قرر نظام إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة في حالة الحكم بعدم اختصاص المحكمة التي تنظر الدعوى ( المادتان 60و93 ) ، ولم يعد هناك مجال لرد الدعوى لعدم الاختصاص .
  10. عدل عن نظام إسقاط الدعوى في حالة غياب الخصوم أو غياب المدعي إلى نظام شطب الدعوى .
  11. قرر للقاضي دورا إيجابيا في توجيه الدعوى بما يمكنه من التدخل لتحقيق حسن سير العدالة ، حتى يحول دون غش الخصوم أو إهمالهم ، فحياد القاضي لم يعد حيادا سلبيا بل حيادا إيجابيا بحيث يوجه الدعوى بهدف الكشف عن الحق وتقريره وهو بذلك يوجه الدعوى ولا يوجه الخصوم .
  12. نظم قواعد مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة مدنيا عن أعمالهم الوظيفية ، بما يكفل لهم جوا صالحا للعمل دون تردد .

ولأهمية ما استحدثه القانون الجديد من أحكام بخصوص تنظيم الدعوى ، وقيدها، وإجراءات السير فيها ، فقد رأينا أن نحاول شرح هذه الأحكام بأسلوب عملي يسهل فهمه ، بعيدا عن الجدل الفقهي ، ليكون عونا للزملاء القضاة والمحامين في ممارسة مهنتهم العملية ، وحافزا للباحثين لمزيد من التمحيص والتحليل والنقد .

تقسيم :

يقرر القانون الحقوق ويحميها ، وتنقسم قواعد القانون في هذا الشأن إلى قواعد موضوعية تبين الحقوق والواجبات ، وكيفية نشوئها واستعمالها وانقضائها مثل قواعد القانون المدني والتجاري ، وقواعد شكلية تبين الأوضاع والإجراءات التي يجب اتباعها للوصول إلى احترام القواعد الموضوعية ، وحماية الحقوق التي تنظمها ، ومنها قواعد قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية.

ويعهد القانون بحماية الحقوق وحسم ما يقوم حولها من منازعات إلى سلطة تستقل به هي القضاء الذي يسهر على تطبيق القوانين وتحقيق العدالة بين المواطنين في الدولة، فالدولة في عصرنا الحاضر لا تبيح للأفراد أن يستوفوا حقوقهم بأيديهم بالقوة بعضهم من بعض ، وإنما يجب على من يدعي حقا قبل آخر أن يلجأ إلى الدولة لتمكينه من حقه أو لحمايته له .

ووسيلة الأفراد القانونية في استيفاء الحقوق أو حمايتها بوساطة السلطة العامة هي الدعوى ، فهي الطريق الذي يجب أن يسلكه المرء للحصول على حقه أو الدفاع عنه ، والوسيلة إلى تحقيق الحماية التي يقررها القانون للحق .

وحتى يقوم القضاء بتحقيق العدالة لابد أن يقوم على مبادئ تكفل ذلك ، وأن تتوفر في رجال القضاء القدرة على تحقيقها .

وبناء على ما تقدم تشمل دراسة أصول المحاكمات المدنية والتجارية ثلاثة موضوعات هي : التنظيم القضائي (المحاكم والاختصاص)، والتقاضي (الدعوى والخصومة)، والأحكام وطرق الطعن فيها .

وسوف نتناول كل موضوع من هذه الموضوعات في قسم على التوالي ، بعد أن نقدم لها بتمهيد يتضمن تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد من حيث الزمان لما لهذه المسألة من أهمية خاصة في مجال الخصومة القضائية التي تتميز بأنها تتكون من جملة أعمال متتابعة زمنيا ، تمتد لوقت طويل مما يستدعي بيان أثر هذا التشريع الجديد على الأعمال الإجرائية المكونة لتلك الخصومة القضائية .

وبذلك تكون دراستنا على النحو التالي :

تمهيد : تطبيق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية من حيث الزمان .

القسم الأول : التنظيم القضائي في فلسطين .

القسم الثاني : إجراءات التقاضي .

القسم الثالث : الأحكام وطرق الطعن فيها .

(1) انظر كتابنا ، المدخل لدراسة القانون ، بالاشتراك مع د. عوني بدر ، الطبعة الأولى ، 1994 ، صفحة 129 .