الفصل الأول – إنشاء الشيك

المطلب الثاني

البيانات القانونية في الشيك

1) كلمة شيك :

يشترط المشرع كتابة كلمة (شيك) في متن السند وباللغة التي كتب بها . وقد أراد المشرع بذلك تمييز الشيك عن سند السحب الذي يحرر ليدفع لدى الاطلاع . وتتضمن الشيكات عادة عبارة ” ادفعوا بموجب هذا الشيك ” .

ولكن لا يترتب على عدم ذكر هذه الكلمة أن يفقد السند صفته ، بل إذا كان المعنى المستخلص من المتن يدل على أنه شيك فيعد كذلك .

2) أمر غير معلق على شرط بأداء قدر معين من النقود .

يجب أن يتضمن الشيك أمرا صريحا بالأداء موجها من الساحب إلى المسحوب عليه ، كأن يقول ” ادفعوا … ” أو ” أرجو أن تدفعوا… ” ، أو أية عبارة بهذا المعنى.

ويجب أن يكون هذا الأمر مطلقاً غير معلق على شرط مهما كان نوعه، فلا يجوز القول ” ادفعوا لأمر فلان مبلغ كذا إذا سلّمني البضاعة ” لأن ذلك يجعل الوفاء أمرا احتماليا ، وبالتالي يعيق تداول الشيك .

ويجب أن ينصبّ الأمر على أداء قدر معين من النقود، فمحل الشيك هو دائما مبلغ من النقود، والمقصود بالنقود العملة المتداولة قانونا، فلا يجوز أن يكون مقدارا من الذهب، بل يجب أن يكون مبلغاً من العملة الرسمية، ويلزم أن يعين هذا المبلغ بدقة منعا لأي التباس، فلا يجوز أن يذكر عبارة ” ادفعوا المبلغ الذي لي في الحساب ” .

ويجب أن يكون المبلغ واحدا ، ومستحق الأداء دفعة واحدة وهو ما يعرف بمبدأ وحدة الدين . ويجوز أن يكون المبلغ بالعملة المحلية أو بعملة أجنبية كالإسترليني أو الدولار مثلاً ، لذلك ينبغي بيان نوع النقود وجنسها التي يلزم الوفاء بها ، فإذا كانت هذه النقود متفقة في الاسم مع النقود المتداولة في بلدي السحب والوفاء ، كأن يسحب شيك في بغداد مستحق الوفاء في عمان ويذكر فيه ” ادفعوا مبلغ خمسمائة دينار ” دون أن يبين هل هي دنانير أردنية أم عراقية ، يكون الوفاء بعملة بلد الوفاء أي في مثالنا بالدنانير الأردنية .

ويجوز أن يذكر المبلغ إما بالحروف أو بالأرقام . ولكن جرت العادة على ذكره مرتين ، مرة بالحروف ومرة بالأرقام .

وإذا كتب مبلغ الشيك بالأحرف وبالأرقام معاً فالعبرة عند الاختلاف للمكتوب بالأحرف . أما إذا كتب عدة مرات بالأحرف أو بالأرقام فالعبرة عند الاختلاف لأقلها مبلغا .

3) اسم من يلزمه الأداء (المسحوب عليه)

تنص المادة (230) من قانون التجارة على أنه :

  1. لا يجوز سحب الشيكات إلا على مصارف .
  2. والصكوك الصادرة في المملكة الأردنية المستحقة الوفاء فيها والمسحوبة على غير المصارف في صورة شيكات لا تعتبر كشيكات صحيحة .

ولم يحدد قانون التجارة المقصود بالمصارف ، غير أن المشرع قصر تعاطي الأعمال المصرفية في المملكة على البنوك المرخصة وذلك بالمادة (3/أ) من قانون البنوك رقم 24 لسنة 1971، لذلك يجب أن يكون المسحوب عليه بنكاً مرخصاً . وقد نصت المادة (275/1) من قانون التجارة على أنه “يعاقب بغرامة لا تتجاوز خمسين ديناراً … كل من سحب شيكاً على غير مصرف ” .

والأصل أن يكون المسحوب عليه غير الساحب ، لأن الشيك يتضمن أمراً بالدفع فيلزم لذلك وجود شخصين منفصلين حتى يمكن أن يصدر الأمر من أحدهما ويتلقاه الآخر ، كما أن الشيك يفترض وجود رصيد دائن للساحب عند المسحوب عليه، ولا يتصور أن يكون الشخص دائناً لنفسه .

ولكن جرى العمل على أن يسحب البنك شيكاً على أحد فروعه ، أو من فرع على آخر ، ونظراً للفائدة الكبيرة والمزايا العملية التي تحققها هذه الشيكات ، فقد أجاز المشرع ذلك فنص في المادة (234/3) من قانون التجارة على أنه ” ولا يجوز سحبه – أي الشيك – على الساحب نفسه إلا عندما يكون مسحوباً من مؤسسة على مؤسسة أخرى كلتاهما للساحب نفسه وبشرط أن لا يكون مستحق الوفاء للحامل “. وسبب هذا الشرط أن سحب شيك بين مؤسستين مملوكتين لذات الساحب وإصداره للحامل يجعله شبيهاً بأوراق النقد، وبالتالي يعد إصداره اعتداء على الامتياز الممنوح للبنك المركزي.

4) مكان الأداء

يفيد تعيين مكان الأداء في تحديد الصلاحية المكانية للمحاكم ولاتخاذ الإجراءات القانونية ، كما يفيد في معرفة العملة التي يجب أن تدفع بها قيمة الشيك عند الالتباس .

وعدم ذكر مكان الأداء لا يفقد الشيك صفته ، فقد بينت المادة (229/أ و ب) من قانون التجارة أنه إذا لم يذكر مكان الأداء ، يعتبر المكان المذكور بجانب اسم المسحوب عليه مكاناً للدفع ، فإذا ذكرت عدة أماكن بجانب اسم المسحوب عليه يكون الشيك مستحق الأداء في أول محل مبين فيه . وأنه إذا خلا الشيك من هذا البيان كان واجب الأداء في المكان الذي يقع فيه المحل الرئيسي للمسحوب عليه.

كما نصت المادة (236) منه على أنه ” يجوز اشتراط وفاء الشيك في موطن أحد الأغيار سواء أكان في الجهة التي فيها موطن المسحوب عليه أم في أي جهة أخرى بشرط أن يكون هذا الغير مصرفاً “.

5) تاريخ إنشاء الشيك ومكان إنشائه

أ) تاريخ إنشاء الشيك:

يفيد تعيين تاريخ إنشاء الشيك في تحديد بدء سريان مهلة تقديم الشيك للوفاء ، كما يفيد في التأكد من أن مقابل الوفاء كان موجوداً لدى المسحوب عليه وقت إنشاء الشيك .

ويفترض أن تاريخ الإنشاء المبين في الشيك صحيح إلى أن يقوم الدليل على العكس . فإذا ذكر في الشيك تاريخ سابق أو لاحق ليوم إنشائه ، فإن هذه الصورية لا تعتبر بذاتها سبباً لبطلان الشيك إلا إذا قصد بها إخفاء تخلف شرط من شروط صحة التصرف القانوني ، كتقديم تاريخ الشيك لإبعاده عن فترة الريبة أو الإفلاس ، أو لجعله سابقاً على توقيع الحجز . أو تأخيره لجعله لاحقاً على بلوغ الساحب سن الرشد إذا كان وقت تحرير الشيك قاصراً .

فإذا ثبت أن هذه الصورية يقصد بها الغش والتحايل على أحكام القانون يحكم ببطلان الشيك وفقاً للقواعد العامة ، وفي غير هذه الحالات يبقى الشيك الذي يذكر فيه تاريخ سحب لاحق شيكاً صحيحاً ، ويقتصر الجزاء على ما نصت عليه المادة (275) من قانون التجارة بقولها :

  1. يعاقب بغرامة لا تتجاوز خمسين ديناراً كل من أثبت في الشيك تاريخاً غير صحيح … .
  2. ويحكم بالغرامة نفسها على المظهر الأول للشيك أو حامله إذا كتب في الشيك تاريخاً لاحقاً لتاريخ تظهيره أو تقديمه .
  3. وليس لأحد منهما حق الرجوع بهذه الغرامة على غيره .

ولكن ما الحكم إذا تقدم حامل الشيك المؤخر التاريخ إلى البنك طالباً الوفاء بقيمته قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره ؟

تختلف الإجابة عن هذا السؤال في قانون التجارة رقم 12 لسنة 1966 عنها في الأمر العسكري المعدل لهذا القانون رقم 889 لسنة 1981.

فبينما تنص المادة (245) من قانون التجارة على أنه :

  1. يكون الشيك واجب الوفاء لدى الاطلاع عليه وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن .
  2. والشيك المقدم للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره واجب الوفاء في يوم تقديمه .

نجد أن الأمر العسكري رقم 889 قد أضاف فقرة ثانية للمادة 228 من قانون التجارة لسنة 1966 تنص على أنه ” يمكن أن يكون التاريخ المبين في الشيك مؤخراً من تاريخ إصداره ولكن شيكاً كهذا (الشيك المؤخر) لا يكون قابلاً للدفع ولا يمكن القبول به إلا في التاريخ المبين عليه ” .

ولا يعني التعديل الوارد في الأمر العسكري أنه أجاز أن يحمل الشيك تاريخين ، تاريخ الإصدار وتاريخ الوفاء ، لأن الشيك لا يحمل وفق القانون سوى تاريخ واحد هو تاريخ الإصدار . ولكن التعديل أجاز للساحب أن يضع على الشيك تاريخاً للإصدار لاحقاً لتاريخ الإصدار الفعلي ، على أساس أن نية الساحب اتجهت إلى إصدار الشيك في هذا التاريخ وليس في تاريخ تحرير الشيك فعلاً، ويكون بذلك قد جعل من الشيك أداة ائتمان وليس أداة وفاء فقط .

وقد أتى هذا التعديل تلبية لحاجة عملية درج عليها المتعاملون بالشيكات وخاصة في المعاملات التجارية ، إذ أن الساحب عند تحرير الشيك لا يكون قد وفر مقابل الوفاء لدى البنك المسحوب عليه ، ولكنه يتوقع أن يكون هذا المقابل (الرصيد) موجوداً في تاريخ معين لاحق ، فيضع هذا التاريخ اللاحق على الشيك كتاريخ لإصداره ، ويوفر مقابل الوفاء لدى البنك المسحوب عليه قبل حلوله .

ولم تكن نصوص قانون التجارة لسنة 1966 تحمي الساحب من حامل سيئ النية يتقدم إلى البنك قبل التاريخ الموجود على الشيك ، فيحصل على مقابل وفاء كان الساحب قد وفره للوفاء بشيك آخر ، فيصبح هذا الشيك دون مقابل وفاء ، أو يتقدم بالشيك للوفاء وهو يعلم بعدم وجود مقابل وفاء له ، وفي كلتا الحالتين يعرض الساحب للعقاب بجريمة إصدار شيك دون مقابل وفاء كاف (رصيد) .

وما دام الأمر العسكري المذكور أجاز تأخير التاريخ المبين في الشيك كتاريخ لإصداره ، فإن هذا يعني إلغاء عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة (275/1) من قانون التجارة ، لأن إباحة الفعل تستلزم بالضرورة عدم معاقبة من يقوم به .

ويثور السؤال أيضاً : ما حكم الشيك الذي لم يبين فيه تاريخ إصداره ؟

تختلف الإجابة عن هذا السؤال في قانون التجارة عنها في الأمر العسكري رقم 890 لسنة 1981 المعدل للمادة (421) من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 .

فوفق المادة 229 من قانون التجارة لسنة 1966 إذا لم يبين في الشيك تاريخ إصداره ، يفقد صفته كشيك ويتحول إلى سند عادي تسري عليه القواعد العامة وليس أحكام الأوراق التجارية . كما نصت المادة (275/6) على أنه يعاقب بغرامة لا تتجاوز خمسة دنانير كل من أصدر شيكاً بدون تاريخ، وتسري هذه العقوبة نفسها على المظهر الأول للشيك أو حامله إذا خلا الشيك من بيان تاريخه وعلى كل من أوفى مثل هذا الشيك أو تسلمه على سبيل المقاصة .

بينما نص الأمر العسكري رقم (890) على أن ” الشيك الذي لم يبين التاريخ فيه يعتبر بمقتضى هذه المادة كأنما بين فيه التاريخ يوم إصداره “. وفي هذه الحالة للمستفيد أن يثبت هذا التاريخ بجميع الطرق القانونية ، لأن تحديد تاريخ تسليم الشيك واقعة مادية صرفة .

وعلى الرغم من أن الأمر العسكري خاص بتعديل المادة (421) من قانون العقوبات التي تعاقب على إصدار شيك دون مقابل وفاء كاف (رصيد)، فإنه يتضمن حكماً واضحاً باعتبار الشيك الذي لم يبين فيه التاريخ شيكاً صحيحاً ، فإذا تبين أن هذا الشيك ليس له مقابل وفاء كاف (رصيد) تعرض ساحبه للعقوبة المنصوص عليها في المادة (421) المعدلة من قانون العقوبات .

واعتبار الشيك صحيحاً وفق الأمر العسكري ، يقتضي بالضرورة أن يكون كذلك وفق أحكام قانون التجارة ، لأنه لا يعقل القول بأن الشيك الذي لا يبين فيه تاريخ إصداره يفقد صفته كشيك وفق قانون التجارة ، بينما يكون محتفظاً بصفته كشيك وفق المادة (421) من قانون العقوبات المعدلة بالأمر العسكري المذكور .

ب) مكان إنشاء الشيك

تفيد معرفة مكان إنشاء الشيك في تحديد مهلة تقديمه للوفاء، فإذا كان الشيك مسحوبا في المملكة وواجب الوفاء فيها يجب تقديمه للوفاء في خلال ثلاثين يوما، أما إذا كان مسحوباً خارج المملكة وواجب الوفاء في داخلها فيجب تقديمه في خلال ستين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في أوروبا أو في بلد آخر واقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، وفي خلال تسعين يوماً إذا كانت جهة إصداره واقعة في غير البلاد المتقدمة .

على أن عدم ذكر مكان إنشاء الشيك لا يفقد الشيك صفته ، فقد نصت المادة (229/جـ) من قانون التجارة على أنه ” إذا خلا – أي الشيك – من بيان محل الإنشاء يعد منشأ في المكان المبين بجانب اسم الساحب ، وإذا لم يذكر مكان الإنشاء فيعتبر مكان تسليمه للمستفيد هو مكان الإنشاء “.

وتنص المادة (275/6) من قانون التجارة على أنه ” يعاقب بغرامة لا تتجاوز خمسة دنانير كل من أصدر شيكاً لم يدون فيه مكان إنشائه … ” بينما تنص الفقرة (7) من هذه المادة على أنه ” ولا يعتبر الشيك خالياً من ذكر مكان الإنشاء إذا توفر فيه ما هو مبين في المادة (229) من هذا القانون ” أي قانون التجارة .

ويلاحظ أن نص المادة (275/7) الذي يحيل إلى المادة (229) يجعل من فرض الغرامة على الساحب الذي لا يدون في الشيك مكان إنشائه أمراً غير مجد ، لأنه في كل حال إذا لم يذكر مكان الإنشاء يعتبر مكان تسليم الشيك للمستفيد هو مكان الإنشاء، وهذا المكان موجود دائما، فلا يتصور تسليم الشيك للمستفيد في غير مكان. وللمستفيد أن يثبت هذا المكان بجميع الطرق القانونية ، لأن تحديد مكان التسليم واقعة مادية صرفة .