الفصل الأول – الودائع المصرفية

المطلب الثالث

آثار وديعة النقود

يتبين من نص المادة 115 من قانون التجارة أنه يترتب على الوديعة المصرفية آثار معينة بالنسبة لطرفيه، إذ أن هذه المادة تكسب المصرف حقوقا وتحمله التزامات. وعلى ذلك نبحث أولا حقوق المصرف، وثانيا التزاماته.

الفرع الأول
حقوق المصرف

يتملك المصرف الودائع النقدية بمجرد تسليمها إليه من قبل العميل المودع، ويكون من حقه التصرف فيها كما يشاء، لأن من حق المالك التصرف في ملكه. ويترتب هذا الحق بحكم القانون، أي دون حاجة للنص عليه في الاتفاق المبرم بين الطرفين، أما إذا وجد نص يمنع المصرف من ملكية النقود المودعة ففي هذه الحالة لا نكون بصدد وديعة نقود بل عقد آخر.

ولما كانت ملكية النقود تنتقل بالتسليم، فإن عقد الوديعة في حالة الإيداع غير النقدي كالشيك والحوالة النقدية أو الأمر بالنقل المصرفي، لا يتم إلا حين استيفاء المصرف قيمة هذه السندات، سواء استوفى القيمة فعلا أم قيدها في حساب الدائن لمصلحة المصرف. وبالتالي لا يمكن إلزام المصرف سوى برد السند غير المستوفى قيمته.

ولا يلتزم المصرف بالاحتفاظ بسيولة نقدية تعادل قيمة الودائع الموجودة لديه، إذ لا يهم المودع إلا أن يلتزم المصرف برد وديعته في الأجل المنصوص عليه في العقد. وتعرف المصارف بالتجربة القدر الذي ينبغي أن تحتفظ به من السيولة النقدية في خزانتها لمواجهة طلبات السحب اليومية من المودعين، وأما الباقي فتستثمره في عملياتها المصرفية المختلفة. وقد نصت المادة 41 من قانون المصارف لسنة 2010 على أن تصدر سلطة النقد التعليمات الخاصة بنسب السيولة والغرامات المرتبطة بها. وقد أصدر محافظ سلطة النقد تعليمات عدة وكان آخرها تعليمات السيولة رقم 8 لسنة 2013 وتعليمات رقم 4 لسنة 2018 بشأن تطبيق نسبة تغطية السيولة حيث نصت على أن الحد الأدنى لنسبة السيولة في المصرف 3%، والفرع 2% لكل عملة عدا الدولار الأمريكي، وأن نسبة السيولة على الدولار على مستوى المصرف 4.5% وعلى مستوى الفرع 3%.

ومن نتائج تملك المصرف للمبالغ المودعة لديه:

  1. أن المصرف لا يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة إذا استثمر الودائع الموجودة لديه في عملياته المختلفة.
  2. إن أصبح المصرف دائنا للمودع، جاز له التمسك في مواجهته بالمقاصة بين المبالغ المودعة لديه ودينه في ذمة العميل المودع.
  3. أن هلاك المبالغ المودعة بقوة قاهرة تقع تبعتها على المصرف، لأن القاعدة أن الشيء يهلك على مالكه. وفي ذلك قضت محكمة التمييز الأردنية المصرف مسئول عن النقود المودعة حتى في حالة هلاكها بسبب الحرب وبالتالي لا تبرأ ذمة المصرف من التزامه إلا برد النقود المودعة. (5) كما قضت بأن الوديعة المصرفية هي ملك المصرف وليس للعميل المودع، فإن اختلاسها أو سرقتها من المصرف هي سرقة واقعة على أموال البنك وليس على أموال المودع. (6)
  4. لا أجرة أو عمولة لقاء المحافظة على النقود المودعة، وإن كان للمصرف الحصول على العمولة عن الخدمات العرضية التي يؤديها للمودع بمناسبة الوديعة النقدية. (7)
  5. في حالة توقف المصرف عن دفع ديونه وصدور حكم بشهر إفلاسه، يعد المودع دائنا عاديا ويتقدم بدينه في تفليسة المصرف بهذا الوصف، إذ لا يجوز له استرداد وديعته لأن ملكيتها انتقلت إلى المصرف وأصبح المودع مجرد دائن عادي للمصرف بقيمتها. فالمبالغ التي استلمها المصرف من المودع تختلط بغيرها من المبالغ الموجودة لدى المصرف ويتعذر فرزها عند الإفلاس، والاسترداد لا يقع إلا على الأموال المفرزة.
الفرع الثاني
التزامات المصرف

تعد التزامات المصرف حقوقا للعميل وهي تتمثل فيما يأتي:

  1. رد مثل المبالغ المودعة لديه، سواء دفعة واحدة أو عدة دفعات وفق الشروط والمواعيد المتفق عليها بين الطرفين. فالوديعة تعد قرضا؛ لذلك يلتزم المصرف برد مثل ما قبض مقدارا ونوعا وصفة عند انتهاء مدة القرض، ولا عبرة لما يطرأ على قيمته من تغيير، وذلك في الزمان والمكان المتفق عليه.

وإذا كانت الوديعة بعملة أجنبية، يلتزم المصرف برد الوديعة بالعملة الأجنبية ذاتها، وإذا تأخر بردها عند طلبها في تاريخ الاستحقاق وتغير سعر صرفها؛ فإن المصرف يكون مسئولا عن تعويض المودع ما لحقه من ضرر بسبب اختلاف سعر الصرف. (8)

  1. دفع الفوائد، تقدم أن المشرع قد اعتبر الوديعة النقدية عقد قرض، والأصل أن القرض غير منتج لفوائد؛ لأنه من عقود التبرع. غير أن المادة 115/3 من قانون التجارة أجازت في الوديعة النقدية المصرفية أن يدفع المصرف عنها فائدة عند الاقتضاء، وهذا يعني أن الوديعة النقدية المصرفية لا تنتج فائدة حكما؛ بل لا بد من أن يتم الاتفاق عليها في العقد بين المصرف والعميل.

فإذا تم الاتفاق على ذلك التزم المصرف بدفع الفائدة بالسعر المتفق عليه، بشرط عدم تجاوز السعر القانوني المحدد بموجب أحكام القانون. وغالبا لا يمنح المصرف فائدة إلا للودائع المصحوبة بأجل، لأنه يستطيع استثمارها طوال فترة الأجل دون أن يفاجأ بطلب ردها.

وتحسب الفائدة وفق الفقرة الثالثة من المادة 115 من قانون التجارة؛ ابتداء من اليوم التالي للإيداع إن لم يكن عطلة رسمية، وإلى اليوم السابق على سحب الوديعة، ما لم يكن هناك اتفاق مخالف.

انتهاء الحساب:

عقد الإيداع هو عقد رضائي يتم تحديد شروطه بإرادة طرفيه المتعاقدين، فهما اللذان يضعان حدا له ويقرران إنهاءه؛ وقد يتضمن عقد الإيداع نصا بتحديد مدته، وفي هذه الحالة ينقضي الحساب بانقضاء هذه المدة.

كما توجد أسباب كثيرة لانتهاء العقد، كموت المودع؛ أو فقدانه أهليته، وانحلال الشركة المودعة وتصفيتها، وإفلاس المودع أو المودع لديه.

وقد يطلب المصرف إنهاء الحساب؛ وفي هذه الحالة قد يتعرض المصرف للمسئولية ويطالب بالعطل والضرر؛ إذا كان إنهاء الحساب بدون مبرر وسبب ضررا للعميل. ولكن المصارف تحتفظ عادة بحقها في إنهاء العقد في أي وقت، ومع ذلك ينبغي أن لا تتعسف في استعمال هذا الحق.

كما قد يعمد أحد دائني المودع إلى حجز ما له لدى المصرف – وفقا لقواعد حجز ما للمدين لدى الغير – وفي هذه الحالة يجب على المصرف إيقاف الحساب وإبقاءه معلقا إلى أن يبت القضاء بأمر الحجز، ويكون الحساب طوال هذه المدة مجمدا؛ أي أن صاحب الحساب لا يستطيع التصرف فيه.

ويؤدي إنهاء الحساب إلى تصفية العلاقة القائمة بين المودع والمصرف، ويصبح الرصيد النهائي دينا مستحقا لأحدهما على الآخر.

وإذا كان في الحساب شيء من الغلط؛ فإن بالإمكان تصحيحه وفقا لأحكام القانون المدني، وتتضمن البيانات المرسلة إلى العملاء إشارة إلى الأغلاط وإلى إمكان تصحيحها، ويعبر عن ذلك بقولهم ” ما عدا السهو أو الغلط “.

(5)(5) تمييز حقوق 6/1954 تاريخ 4،7،1954 مجلة نقابة المحامين لسنة 1954 صفحة 434.

(6)(6) تمييز حقوق 680/1990 مجلة نقابة المحامين لسنة 1993 صفحة 2405، وتمييز حقوق 881/97 تاريخ 4/1/1999.

(7)(7) سميحة القليوبي الأسس القانونية لعمليات البنوك، طبعة 2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، صفحة 307. علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، ط 1993، بند 43، صفحة 61.

(8)(8) إذا كان الإيداع بعملة أجنبية ولم يكن في خزانة البنك عملة مماثلة واتفق على دفعها بالعملة الوطنية أو اضطر لشرائها، فإنها تحسب حسب سعر الصرف يوم السحب الذي قد يختلف عن سعر صرف يوم الإيداع. فإذا كان هناك فرق في سعر الصرف فإن المصرف يتحمل فرق ارتفاع قيمة العملة الأجنبية. بينما يتحمل المودع كل انخفاض في قيمة النقود المودعة.