الفصل الرابع – الطلبات العارضة والدفوع

الفرع الثاني

إدخال الغير في الدعوى

( اختصام الغير )

      يعد إجبار الشخص على الدخول في خصومة قائمة اعتداء على حريته في اختيار الوقت الملائم الذي يلجأ فيه إلى القضاء حسبما تمليه عليه مصالحه . كما قد يؤدي إدخال الغير في الدعوى إلى مخالفة بعض قواعد الاختصاص لأنه قد يجلبه أمام محكمة غير محكمته .

      ومع ذلك فإن إدخال الغير في الدعوى قد يؤدي إلى تحقيق بعض المزايا والمصالح التي اعتبرها المشرع ورجحها على المصلحة الخاصة للمختصم لأنه :

  1. يحول دون كثرة الخصومات عندما يكون الهدف منه الحكم على المختصم بذات الطلبات المرفوعة بها الدعوى الأصلية.
  2. يمنع من تجدد الخصومات بامتداد حجية الأمر المقضي إلى المختصم مما يحول دون إنكاره للحكم أو التحلل من حجيته .
  3. قد يرمي إلى تحقيق بعض الاعتبارات المتعلقة بإدارة الخصومة المدنية عندما يكون الغرض منه إلزام المختصم بتقديم ورقة أو مستند لديه إلى المحكمة مما يمكنها من الفصل في الدعوى بالسرعة المطلوبة والعدالة المرغوبة وتفادي الأحكام أو تعارضها.

      لذلك أجازت كثير من التشريعات إدخال الغير في الدعوى، في حدود معينة ، استنادا إلى نظرية الارتباط بين الدعاوى ، وذلك لتلافي تجديد النزاع ، أو تناقض الأحكام في الدعوى الواحدة أو في الدعاوى المرتبطة برباط لا يقبل التجزئة ، وحماية الغير من غش الخصوم في الدعوى وتواطئهم، واستكمال عناصر الدعوى باستكمال أشخاصها مما يؤدي إلى فض النزاع بكامله وحسم جميع المسائل المرتبطة به لدى الحكم في الدعوى الأصلية،  واعتدادا بدور القاضي في توجيه وإدارة حركتها بما يحقق مصلحة العدالة وإظهار الحقيقة .

     والغير هو الشخص الذي لم يكن طرفا في الدعوى بشخصه ولم يكن ممثلا فيها. ويشترط لإدخال الغير ، وجود مصلحة من إدخاله في الدعوى ، وقيام ارتباط بين الطلب الموجه للغير والدعوى الأصلية ، وأن يكون إدخاله في الدعوى جائزا لا واجبا أما إذا تعلق الأمر بدعوى يوجب القانون رفعها من متعددين أو على متعددين، فإن رفعها من واحد أو على واحد فقط فإنها تكون واجبة الرد لعدم صحة الخصومة ، وتقديم الطلب قبل قفل باب المرافعة . وتقدير ذلك متروك لسلطة القاضي التقديرية .

وإدخال الغير في الدعوى معناه تكليف شخص خارج عن الخصومة بالدخول فيها إما بناء على طلب أحد طرفيها أو بناء على أمر المحكمة .

      ويقصد من إدخال خصم ثالث تحقيق أحد الأغراض التالية :

  1. الحكم عليه بذات الطلبات المرفوعة بها الدعوى الأصلية أو بطلب يوجه إليه خاصة .
  2. جعل الحكم في الدعوى الأصلية حجة عليه حتى لا ينكر حجيته باعتبار أنه لم يكن طرفا فيها .
  3. إلزامه بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى الأصلية تكون تحت يده(1).

      وإدخال الغير قد يكون بناء على طلب أحد أطراف الخصومة الأصلية، وقد يكون بناء على أمر من المحكمة.

1-   إدخال الغير بناء على طلب أحد الخصوم

      نصت المادة 96/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” يجوز للخصم أن يدخل في الدعوى من كان يصح اختصامه فيها عند إقامتها“.

      ويهدف الخصم من إدخال شخص من الغير في الخصومة القائمة إلى الحكم عليه بذات الطلبات الأصلية، أو جعل الحكم الصادر في الدعوى الأصلية حجة عليه. ويخضع هذا الطلب لمطلق تقدير المحكمة فلها أن تقبله ولها أن ترفضه إذا تبين لها أن الغرض من هذا الطلب عرقلة سير الخصومة، ويكون القرار الصادر بعدم قبول الطلب قابلا للاستئناف (م 96/3 )

      ويتضح من النص أن المقصود بالغير هو الشخص الذي كان يجوز اختصامه عند بدء الخصومة إلى جانب أطرافها،(1)  وليس من كان يجوز اختصامه بدل أحد أطرافها، فالاختصام يقتصر على حالة التعدد الاختياري دون الإجباري.

      ومن أمثلة اختصام الغير بناء على طلب أحد الخصوم، أن يطلب الدائن الذي رفع الدعوى على أحد مدينيه إدخال المدينين الآخرين ، ودعوى المطالبة بالملكية التي يرفعها أحد الشركاء على الشيوع في مواجهة أحد الشركاء ويطلب فيها إدخال الباقين من الشركاء ، ودعوى الضمان الفرعية مثل قيام المشتري الذي يرفع عليه دعوى استحقاق المبيع من الغير بطلب إدخال البائع – الذي يلتزم بالضمان- في هذه الدعوى، فإذا حكم على المشتري في دعوى الاستحقاق حصل المشتري في ذات الخصومة على حكم ضد البائع .

2-  إدخال الغير بأمر المحكمة

      تنص المادة 82/1 على أنه ” للمحكمة ولو من تلقاء نفسها ……أن تدخل في الدعوى من ترى إدخاله لإظهار الحقيقة أو لمصلحة العدالة “.

      وهذا النص من مظاهر رجحان المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية ، وتغير دور القاضي في الدعوى المدنية ومنحه دورا مؤثرا في توجيه الخصومة، وقد وضع قاعدة عامة لإدخال الغير ترك فيها للمحكمة سلطة إدخال من تراه تبعا لتقديرها  تحقيقا لأحد أمرين : إما مصلحة العدالة أو إظهارا للحقيقة.

      وفي إدخال الغير لمصلحة العدالة، يجوز للمحكمة أن تأمر بإدخال كل شخص من الغير يجوز اختصامه عند رفع الدعوى، أي في حالة التعدد الاختياري، من ذلك أن يتبين لها أثناء نظر الدعوى أن الحق المدعى به ملك لشخص من الغير ورفعت الدعوى في غفلة عنه ولم يبلغ بها ولم يتدخل اختصاميا في مواجهة الخصمين الأصليين، أو أن دعوى قسمة التركة قد شملت الذكور من الورثة دون الإناث.

      وإدخال الغير بناء على أمر المحكمة يعد إعمالا لسلطتها في التحقق من تلقاء نفسها من أن الدعوى قد رفعت من جميع أصحاب الشأن أو عليهم.

      أما إدخال الغير لإظهار الحقيقة فيقصد به أن تلزم المحكمة الغير بتقديم ورقة أو مستند تحت يده مفيد في حل القضية، أو لغرض مساعدة أحد الخصوم إذا تبين للقاضي حاجته إلى هذه المساعدة لاستجلاء الحقيقة، وقد يكون الغرض من إدخال الغير في البداية الاستعلام منه عن شيء بخصوص الدعوى، ثم ينتهي الأمر بتوجيه طلب منه أو إليه من الخصوم.

أثر إدخال الغير :

      يختلف أثر إدخال الغير باختلاف الغرض منه :

      فإذا كان إدخال الغير بهدف إظهار الحقيقة ، وذلك بقصد إلزامه بتقديم ورقة أو مستند تحت يده ، فلا يترتب على قرار المحكمة باختصامه في هذه الحالة أن يصبح الشخص المختصم طرفاً في الخصومة وبالتالي لا يكون الحكم الصادر فيها حجة له أو حجة عليه ، ويجوز إدخال الغير لهذا الغرض ولو في الاستئناف .

      أما إذا كان إدخال الغير بهدف تحقيق العدالة عندما ترى المحكمة أن الدعوى لا تستقيم إلا باختصام هذا الغير كما في حالة الرغبة في تفادي الغش والتواطؤ من أطراف الدعوى ، أو توحيد المنازعة حتى يكون الحكم الصادر فيها حجة على كل من تمسه الدعوى ، ومثال ذلك أن يرفع شخص دعوى على أحد الورثة ولا يخاصم الباقين فيكون من المصلحة اختصام جميع الورثة ليصبح الحكم فيها حجة عليهم ، وخشية أن يكون الاقتصار على أحد الورثة راجعاً إلى تواطؤ المدعي معه أو إلى استغلال عجز هذا الوارث عن الدفاع ، ففي هذه الحالة يلزم إدخال هؤلاء في الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولى حتى لا نفوت عليهم درجة من درجات التقاضي واحتراماً لمبدأ التقاضي على درجتين لتعلق هذا المبدأ بالنظام العام .

      ويصبح الغير في هذه الحالة طرفاً في الخصومة له كافة حقوق الخصم وتقع على عاتقه كافة أعبائه وواجباته . ويجوز له تقديم دفوع ، كما يكون الحكم الصادر في الدعوى حجة له أو عليه ، ويجوز له الطعن فيه . وتترتب هذه النتائج ولو وقف

المختصم من الخصومة موقفا سلبيا ولم يقدم فيها أية دفوع أو طلبات .


(1) أجازت المادة (34) من قانون البينات الجديد للمحكمة أثناء سير الدعوى أن تكلف الغير بتقديم ورقة أو سند تحت يده منتجة في الدعوى ، وبذلك لم يعد حاجة لإدخال الغير في الدعوى لهذا    السبب مع أن ذلك جائز قانونا ، وبخاصة إذا كان طالب الإدخال يرغب في إلزام المطلوب إدخاله بقرار المحكمة المتعلق بهذا السند .

(1) لذلك لا يقبل طلب الطاعن إدخال زوج المطعون ضدها شخصا ثالثا في دعوى الإخلاء طالما أن دعوى الإخلاء يحكمها عقد الإيجار ، ولا يبرر طلب الطاعن الإدخال أن المراد إدخاله كان يقبض الأجور عن زوجته ز نقض مدني 7/2003 تاريخ 19/12/2003 ج 2 ص 298 .