الفصل الرابع – التجارة الإلكترونية

الفصل الثاني

عقود التجارة الإلكترونية

تمهيد :

لا يخرج عقد التجارة الإلكتروني – في الواقع – في بنائه؛ وتركيبه؛ وأنواعه؛ ومضمونه عن العقد التقليدي ، ومن ثم فهو يخضع في تنظيمه للأحكام الواردة في النظرية العامة للعقد ، وهو من العقود غير المسماة ؛ حيث لم يضع المشرع له تنظيما خاصا .

ونتكلم في تعريف العقد الإلكتروني وخصائصه في مبحث أول ، ثم في تكوين العقد الإلكتروني في مبحث ثان .

المبحث الأول

تعريف العقد الإلكتروني وخصائصه

تعريف العقد الإلكتروني :

يمكن تعريف العقد الإلكتروني بأنه ” العقد الذي يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول

عبر شبكة اتصالات دولية باستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات وبقصد إنشاء التزامات تعاقدية “. (1)

فالعقد الإلكتروني يتطلب ما يتطلبه أي عقد آخر تقليدي من التراضي بتوافر الإيجاب والقبول ؛ والمحل؛ والسبب؛ ولكنه يختلف عن غيره من العقود حال كونه

ينعقد دون أن يكون لطرفيه حضور مادي في مجلس العقد وقت انعقاده ، حيث يكون كل طرف في مكان مختلف عن مكان الآخر ؛ ويفصل بينهما بعد جغرافي ، أي أنه في حالة التعاقد الإلكتروني لا يكون الطرفان حاضرين في مجلس العقد وإنما يجمعهما مجلس عقد حكمي .

كما يتميز كل من الإيجاب والقبول الإلكتروني عن التقليدي في أنهما يتما باستخدام وسيط إلكتروني من خلال شبكة الإنترنت ، فهو اتفاق يتم انعقاده بوسائل الكترونية كليا أو جزئيا.

فعقود التجارة الإلكترونية ترتبط ارتباطا كليا بالوسائل الإلكترونية ؛ سواء في مرحلة المفاوضات العقدية أم في مرحلة إبرام العقد ، والتي يتم تنفيذها بشكل كلي من خلال شبكة الإنترنت ؛ حيث تتم المفاوضات وارتباط الإيجاب مع القبول ؛ والوفاء بالثمن؛ والتسليم من خلال شبكة الإنترنت ، مثل تسليم برامج الحاسوب أو البيانات أو أي من المعلوماتية ؛ أو الكتب … الخ من السلع التي يمكن تداولها ونقلها من خلال شبكة الإنترنت .

وعلى ذلك فإن عقود التجارة الإلكترونية تستمد أحكامها في الأساس من قانون المعاملات الإلكترونية بشكل خاص ؛ ومن القواعد العامة لنظرية العقد بشكل عام ، ويتم إخضاع العقد للأحكام المغايرة التي تأخذ في الاعتبار الحضور الافتراضي وتعاصر الإيجاب والقبول من الناحية الزمنية لأن الطرفين يتبادلان البيانات مباشرة من خلال شاشات الحاسوب أو بواسطة شبكة الإنترنت ؛ بحيث يعتبر العقد المبرم بين حاضرين من حيث الزمان ، بينما يبقى البعد المكاني – حيث إن كلا منهما في مكان مختلف ويبتعد عن الآخر- مؤثرا فيكون التعاقد بين غائبين من حيث المكان .

خصائص العقد الإلكتروني :

  1. يخضع العقد التجاري الإلكتروني للخصائص ذاتها التي تخضع لها معظم العقود التجارية باعتباره عقدا رضائيا .
  2. وهو عقد ملزم للجانبين ؛ لأنه يرتب التزامات متبادلة .
  3. يتم إبرام العقد الإلكتروني عن بعد ؛ فهو من ما يسمى عقود المسافة ، لأنه يتم بين عاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي ؛ بل مجلس عقد حكمي أو افتراضي.
  4. يتم استخدام الوسائل الإلكترونية في إبرام العقد ، فهو يختلف عن العقود التقليدية فقط من حيث طريقة إبرامه ، حيث اختفت الكتابة التقليدية التي تقوم على دعائم ورقية ، لتحل محلها الكتابة الإلكترونية التي تقوم على دعائم إلكترونية .
  5. يتصف العقد الإلكتروني غالبا بالطابع التجاري والاستهلاكي ، لأنه يتم بين تاجر أو مهني ومستهلك ، لذلك يطلق عليه عقد التجارة الإلكترونية ؛ ويخضع عادة للقواعد الخاصة بحماية المستهلك .
  6. يتسم عادة بالطابع الدولي ، لأن الطابع العالمي لشبكة الإنترنت تسهل التعاقد بين طرف في دولة وطرف آخر في دولة أخرى ، مما يثير مسائل عديدة ؛ كأهلية المتعاقد للتعاقد ؛ وكيفية التحقق من شخصيته ومعرفة مركزه المالي ، وتحديد المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق على المنازعات الناجمة عن العقد الإلكتروني .
  7. من حيث الوفاء ، حلت وسائل الدفع الإلكترونية في التعاقد الإلكتروني محل النقود العادية ، مثل البطاقات البنكية Visa card , Master card وغيرها والنقود الإلكترونية Electronic Money وتتمثل في النقود الرقمية Digital Money والمحفظة الإلكترونية Electronic Wallet وغيرها .
  8. من حيث الإثبات ، فالعقد االتقليدي يتجسد في الدعامة الورقية الموقعة بالتوقيع اليدوي ، أما العقد الإلكتروني فيتم إثباته عبر المستندات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني .
  9. تنفيذ العقد الإلكتروني يمكن أن يتم عبر الإنترنت دون حاجة إلى الوجود المادي الخارجي، حيث يمكن تسليم بعض المنتجات إلكترونيا ؛ أي التسليم المعنوي للمنتجات ، مثل برامج الحاسب ؛ والكتب؛ والاستشارات الطبية والهندسية ، حيث يقوم العميل بنسخ البرنامج Software من شبكة الإنترنت عن طريق الإنزال Download .
  10. العقد الإلكتروني عقد مقترن بحق العدول ، لأن المستهلك في هذا العقد ليس لديه الإمكانية الفعلية لمعاينة السلعة والإلمام بخصائص الخدمة قبل إبرام العقد ؛ حيث يتم التعاقد عن بعد ، خلافا للقاعدة العامة في القوة الملزمة للعقد التقليدي .

مدى توافر الإذعان في العقد الإلكتروني :

اختلف الفقه في هذه المسألة ، فذهب رأي إلى اعتبار العقد الإلكتروني من عقود الإذعان بالنسبة للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف دائما، لأنه في الغالب عقد نمطي يعد مسبقا من البائع الذي يضع شروطا لا يستطيع المشتري إلا أن يوافق عليها أو يرفضها جملة واحدة. (1)

بينما ذهب رأي آخر إلى أن العقد الإلكتروني عقد رضائي ، فعملية المساومة ما زالت تسود العقود الإلكترونية على اختلاف أنواعها ؛ وأن المستهلك له مطلق الحرية في التعاقد مع أي منتج أو مورد آخر إذا لم تعجبه الشروط المعروضة على شاشة الإنترنت ، ويستطيع الانتقال من موقع إلى آخر واختيار ما يشاء وترك ما يشاء .

غير أن رأيا ثالثا ذهب إلى وجوب التمييز بين الوسيلة المستخدمة في إبرام العقد الإلكتروني ، فإذا تم التعاقد بواسطة البريد الإلكتروني؛ أو من خلال برنامج المحادثة ؛ أو باستخدام الوسائل السمعية البصرية ، يكون العقد الإلكتروني عقدا رضائيا ؛ حيث يتبادل الطرفان الآراء ووجهات النظر عبر الرسائل الإلكترونية ، ويستطيع الموجه إليه الإيجاب التفاوض بحرية حول شروط التعاقد والمفاضلة بين العروض المطروحة عليه حتى يحصل على أفضل الشروط التي تناسبه ، أي أن العقد يعد من عقود المساومة .

أما إذا تم التعاقد عبر مواقع الويب Web التي تستخدم غالبا عقودا نموذجية تكون شروطها معدة سلفا من قبل الموجب ؛ ولا يترك معها للموجب له – وهو المستهلك في الغالب – مجالا للمساومة والمناقشة في هذه الشروط ، فإن العقد الإلكتروني يكون عقد إذعان. (1)

(1)(1) د. خالد ممدوح إبراهيم ، إبرام العقد الإلكتروني ، الدار الجامعية ، الإسكندرية ، 2007 ، صفحة 74 .

(1)(1) د. حسن عبد الباسط جميعي ، إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنت ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2000 ، صفحة 102 وما بعدها .

(1)(1) د. خالد ممدوح إبراهيم ، لوجستيات التجارة الإلكترونية ، المرجع السابق ، صفحة 88 -90 . وهو يقول ، يبدو أن مشروع قانون التجارة الإلكترونية المصري قد تبنى هذا الرأي حيث نص في الفصل السابع الخاص بحماية المستهلك على اعتبار العقود النمطية الإلكترونية من عقود الإذعان من حيث تفسيرها لمصلحة الطرف المذعن وهو المستهلك ؛ وجواز إبطال ما يرد فيها من شروط تعسفية . ويعتبر كل شرط من شأنه الإخلال بالتوازن المالي للعقد من قبيل الشروط التعسفية ويجوز للمستهلك المطالبة بإبطاله .