الفصل الأول – انعقاد العقد

المطلب الخامس

التعاقد بوساطة النائب

(النيابة في التعاقد)

تعريف النيابة :

النيابة هي حلول إرادة شخص (يسمى النائب) محل إرادة شخص آخر (يسمى الأصيل) في إبرام تصرف قانوني ، مع إضافة آثار هذا التصرف إلى شخص الأصيل كما لو كان هو الذي أبرم التصرف بنفسه ، فيكسب ما ينشأ عنه من حقوق ويكون مديناً بما ينشأ عنه من التزامات .

صور النيابة :

للنيابة صورتان :

الصورة الأولى : النيابة الاتفاقية أو الإرادية ، يستمد النائب فيها صفته من إرادة الأصيل ، ومثالها الوكالة على اختلاف صورها .

– البائع في المحل التجاري يعقد البيوع نيابة عن صاحب المحل .

الصورة الثانية : النيابة القانونية ، وتكون عندما يقيم القانون شخصا معينا نائبا عن شخص آخر في إبرام التصرفات القانونية ، كما هو الحال في الولي ، والوصي ، والقيم ، والسنديك (مأمور التفليسة) ، والحارس القضائي .

شروط النيابة :

يشترط لنفاذ تصرفات النائب في حق الأصيل ثلاثة شروط هي :

  1. حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل فيما ليس فيه تعليمات للأصيل . فالنائب في تعاقده يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل، وهو يتمتع بقسط من الحرية في اتخاذ القرار . وهو يختلف عن الرسول الذي يقتصر دوره على نقل عبارة المرسل إلى المرسل إليه دون أن يكون لرأيه أي دور .
  2. تعامل النائب باسم الأصيل ولحسابه. ويجب أن يعلم المتعاقد الآخر بوجود النيابة. سواء صرح له النائب بذلك ، أو علم من ظروف الحال ، مثال ذلك المستخدم في محل تجاري الذي يبيع بضاعة صاحب المحل فيفترض في المشتري العلم بأن المستخدم نائب عن صاحب المحل .

أما إذا تصرف النائب باسمه ولم يكن من تعاقد معه يعلم بوجود النيابة ، فإن النيابة تبقى مقصورة على علاقته بالأصيل ، وفي هذه الحالة تنصرف آثار العقد إلى النائب دائناً أو مديناً ، وبعد ذلك يرجع النائب على الأصيل بموجب العقد الذي ينظم العلاقة بينهما ، كالوكالة .

  1. التزام حدود النيابة، وحدود النيابة القانونية يبينها القانون. أما حدود النيابة الاتفاقية فيحددها الاتفاق أي عقد الوكالة أو عقد العمل مثلاً .

فإذا تجاوز النائب حدود النيابة فقد صفة النائب، ولا ينفذ تصرفه في حق الأصيل ، بل يكون موقوفاً على إجازته، فإن أجازه صراحة أو ضمنا تعد الإجازة اللاحقة كالإنابة السابقة .

مثال : شخص وكل شخصاً آخر بتأجير عقار مثلاً فقام ببيعه .

فيكون هذا البيع غير نافذ في حق الأصيل ولا يلزمه بنقل ملكية العقار إلى المشتري .

ولكن إذا أجاز الأصيل هذا البيع فإنه يلتزم به .

أما إذا رفض إجازته لا يكون أمام المشتري (الغير) إلا الرجوع على النائب (الوكيل) بالتعويض وفقاً لأحكام المسؤولية العقدية .

ولكن هناك استثناء من هذه القاعدة ، يقضي بنفاذ التصرف في حق الأصيل رغم انتفاء النيابة أو تجاوزها ، وذلك بشرطين :

  1. أن يكون المتعاقد مع النائب حسن النية لا يعلم أن النائب تجاوز حدود نيابته .
  2. وأن تكون لديه أسباب قوية تدعوه إلى الاعتقاد بأن النائب يتعاقد في حدود نيابته .

ومن تطبيقات هذا الاستثناء في القانون المدني :

  1. أن يجهل النائب ومن تعاقد معه معا انقضاء النيابة وقت إبرام العقد . مثل أن يجهلا موت الأصيل أو إلغاء التوكيل .
  2. أن يكون التصرف أكثر نفعا للموكل .

آثار النيابة :

  1. تنشأ علاقة بين الأصيل والغير الذي تعاقد مع النائب ، ويعتبر الأصيل طرفا في التعاقد ، وتنصرف إليه آثار العقد فيكسب الحقوق الناشئة عن هذا العقد ويطالب المتعاقد الآخر بها ، كما يقع على عاتقه كل ما يرتبه العقد من التزامات ويكون للمتعاقد الآخر أن يطالبه بها مباشرة .
  2. ينتهي دور النائب بمجرد إبرام العقد ، ويصبح أجنبيا عن العقد إلا إذا كانت النيابة تشمل تنفيذ العقد.

تعاقد النائب مع نفسه :

المبدأ العام هو عدم جواز تعاقد الشخص مع نفسه نيابة عن شخص آخر ، سواء أكان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر بحيث يكون نائباً لطرفي العقد.

وسبب هذا المنع التعارض بين مصالح طرفي العقد يخشى معه الإضرار بالأصيل.

فالنائب في هذه الحالة يتحكم بإرادته وحده في مصلحتين متعارضتين ، مصلحة الأصيل من جهة ومصلحة النائب نفسه أو مصلحة الشخص الآخر الذي تعاقد لحسابه من جهة أخرى .

ويعد تعاقد النائب مع نفسه تجاوزا لحدود النيابة ، لذلك فإن العقد الذي يبرمه النائب مع نفسه لا يلزم الأصيل ، إلا إذا أجازه .

واستثناء من هذا المبدأ العام يجوز للنائب أن يتعاقد مع نفسه في الحالات الآتية :

  1. إذا سمح الأصيل للنائب أن يتعاقد مع نفسه ، أو إذا أقر التعاقد بالفعل بعد تمامه لأن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق .
  2. إذا أجاز القانون تعاقد الشخص مع نفسه ، من ذلك أن للأب أو الجد أن يتعاقد مع نفسه باسم القاصر ، فله أن يبيع ماله من الصغير أو يبيع مال الصغير من نفسه ولو بغبن يسير إذا كان حسن التدبير أو مستور الحال . وإن كان سيئ التدبير فتشترط الخيرية ، بأن يبيع للقاصر بأقل من ثمن المثل أو أن يشتري منه بأكثر من ثمن المثل على وجه يكون للقاصر فيه مصلحة ظاهرة .
  3. إذا قضت قواعد التجارة بجواز تعاقد النائب مع نفسه، من ذلك مثلاً إباحة تعامل الوكيل بالعمولة باسم طرفي العقد وفقاً لقواعد القانون التجاري .