الفصل الثاني – الاستئناف

المبحث الخامس

إجراءات الخصومة أمام المحكمة الاستئنافية

      تنص المادة 216 على أنه “تعين المحكمة موعدا لنظر الاستئناف وتبلغ به الخصوم بعد استيفاء الشروط والأحكام المتعلقة بالاستئناف”.

          وتنص المادة 223/1 على أن ” تقرر المحكمة قبول الاستئناف شكلا إذا استوفى شروطه القانونية ، ثم تنظر في الموضوع …. “

      ويتبين من هذين النصين أن إجراءات الخصومة أمام المحكمة الاستئنافية تكون وفق المراحل الآتية:

المرحلة الأولى: تعين المحكمة موعدا لنظر الاستئناف وتبلغ به الخصوم وفق إجراءات التبليغ المنصوص عليها في القانون والسابق ذكرها، (1) وفي الجلسة الأولى تطبق المحكمة قواعد الحضور والغياب المقررة أمام محكمة الدرجة الأولى والسابق ذكرها. (2) وذلك عملا بالمادة 224 التي تنص على أنه ” تسري على الاستئناف القواعد المقررة أمام محاكم الدرجة الأولى سواء فيما يتعلق بحضور الخصوم وغيابهم أو الإجراءات والأحكام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.

المرحلة الثانية: قبول الاستئناف شكلا إذا استوفى الاستئناف شروطه القانونية، بأن كان قد قدم خلال المدة القانونية ودفع عنه الرسم كاملا. فإذا تبين للمحكمة أن رسم الاستئناف كان ناقصا، فإنها تكلف المستأنف بإتمام دفع الرسم خلال مدة تحددها، فإذا لم يقم المستأنف بذلك دون عذر يرد الاستئناف(م 215) ، ومنها أيضا المصلحة فهي شرط لقبول الطعن وهي تتعلق بالنظام العام وتملك المحكمة إثارتها من تلقاء نفسها.(1)

 وإذا قررت المحكمة قبول الاستئناف شكلا فإنها تكون قد استنفذت ولايتها بخصوص الشكل ولا تملك بعد ذلك أن تعود لتقرر بشأنه مرة أخرى،  ويمنع عليها أن تعود عن قرارها. (2) غير أن قبول الاستئناف شكلا لتقديمه ضمن المدة القانونية لا يمنع من الحكم بعدم قبوله إذا تبين للمحكمة ثبوت دفع من دفوع عدم القبول.

المرحلة الثالثة: النظر في موضوع الاستئناف، ولا تقتصر مهمة المحكمة في هذه المرحلة على مراقبة الحكم المستأنف من حيث تطبيق القانون، بل تتعداه إلى بحث النزاع في حدود طلبات المستأنف بإعادة طرحه عليها بكل ما اشتمل عليه من بينات ودفوع وأوجه دفاع جديدة ، وفي سبيل ذلك عليها أن تقول كلمتها بحكم مسبب تتصدى فيه إلى كل ما قدم وأثير وما يقدم ويثار أمامها من جديد، وأن تواجه عناصر النزاع الواقعية والقانونية ، وأن تنبري إلى إصدار حكمها وفق منهج سائغ سليم تبين فيه ماهية البينات المعالجة والواقعة المستخلصة منها وانسجام حكمها مع تلك البينات والوقائع بشكل يمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على ما توصلت إليه سيما وأن محكمة الاستئناف هي محكمة موضوع (3) ولا يجوز أن يكون حكمها بصورة عامة مبهمة تحول دون تمكين محكمة النقض من ممارسة رقابتها ، وفي ذلك تقول محكمة النقض ” ما سطرته محكمة الاستئناف من أن محكمة الموضوع عالجت ما يستحق للمدعي ( المستأنف ) من مبالغ معالجة قانونية تستند إلى البينات المقدمة يشكل ردا مستترا وقاصرا يشوبه الغموض ) . (1) ولا يجوز لمحكمة الاستئناف أن تقرر إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى إلا في إحدى الحالات الواردة في القانون على سبيل الحصر عملا بالمادتين 220 و223/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية .(2)

 وفي هذه المرحلة نكون أمام فروض عدة.

الفرض الأول: أن يقتصر كل من المستأنف والمستأنف عليه على البينات والدفوع التي تم تقديمها لمحكمة الدرجة الأولى، ويقتصر الطعن على الحكم المستأنف من حيث قصور المحكمة في استخلاص الوقائع أو تسبيب الحكم أو عدم صحة تطبيق القانون … الخ.

      وفي هذا الفرض تكلف المحكمة الاستئنافية المستأنف ثم المستأنف عليه على التوالي بتقديم مرافعته، ثم تعلن ختام المحاكمة وحجز القضية للحكم. وفي هذه الحالة تقول محكمة النقض ” إذا لم يبد المستأنف أي طلب بتقديم البينات والدفوع أمام محكمة الاستئناف التي نظرت استئنافه واكتفى في لائحته الاستئنافية ومرافعته في الاستئناف بطلب إلغاء الحكم المستأنف وإعادة الأوراق إلى محكمة الدرجة الأولى لسماع ما لديه من بينات ودفوع كي لا يحرم درجة من درجات التقاضي ، فإن الحكم برد الاستئناف يكون متفقا وأحكام المادتين 220 و223/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية . (1)

الفرض الثاني: أن يقتصر كل من المستأنف والمستأنف عليه على البينات والدفوع التي تم تقديمها لمحكمة أول درجة، ولكن تجد المحكمة الاستئنافية أن بعض المسائل بحاجة إلى استكمال البينة حولها، وفي هذا الفرض للمحكمة تكليف الخصم الذي تراه لتقديم البينات التي لديه أو تستدعي من ترى ضرورة سماعه من الشهود ، ولها أن تأمر من تلقاء نفسها – كقاعدة- بما تراه لازما من إجراءات الإثبات لتكوين قناعتها في الدعوى ، وذلك طالما أن القانون لا يتطلب صراحة عدم اتخاذه إلا بناء على طلب الخصم ، مثل توجيه اليمين الحاسمة  (2) ولا يجوز لها أن تقرر إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة إلا في إحدى الحالات الواردة في القانون على سبيل الحصر عملا بالمادتين 220 و223/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية.(3)

الفرض الثالث: أن يذكر المستأنف أو المستانف عليه في لائحته دفوعا أو بينات جديدة لم يكن قد قدمها لمحكمة الدرجة الأولى. ويشترط بالنسبة للبينات الجديدة أن يكون قد ذكرها في لائحته وأرفق صورا عنها حسب الأصول كما في لائحة الدعوى الأصلية.

وفي هذا الفرض تسير المحكمة بالنسبة لسماع الدفوع الجديدة والبينات وفق الأصول المتبعة أمام محكمة أول درجة، فتكلف مقدم الدفع الجديد بإثباته وتتيح لخصمه مناقشته وتقديم بيناته بخصوصه، ثم تعلن ختام المحاكمة حسب الأصول(1) ويشترط في الدفوع أن لا يكون قد سقط حق الخصم في إثارتها أمام محكمة الدرجة الأولى ، كأن تكون متعلقة بالنظام العام ، أو يكون الحكم قد صدر في غياب المدعى عليه المستأنف وبالتالي لم يفقد حقه في إثارة الدفوع التي لديه.

          ولما كانت العبرة بالطلبات الأخيرة ، فإن على محكمة الاستئناف أن تتصدى للدفوع التي يثيرها المستأنف في مرافعته الخطية متى كانت تتعلق ببطلان إجراءات المحاكمة التي لها صلة بالنظام العام ومعالجتها وبيان الرأي بخصوصها وإلا كان حكمها المطعون فيه معيبا وسابقا لأوانه ومستوجبا النقض ، ولا يغير من الأمر شيئا عدم الإشارة إليها في أسباب الطعن .(2)

ضم الطعون في الاستئناف:

      ذكرنا سابقا أنه يمكن لكل واحد من طرفي الخصومة أن يتقدم باستئناف أصلي، وفي هذه الحالة تتعدد الاستئنافات على الحكم أو القرار الواحد، ولذلك وتسهيلا للفصل في هذه الاستئنافات، نصت المادة 210 على أنه “يحق للمحكمة الاستئنافية إذا قدم لها أكثر من استئناف على الحكم أو القرار المستأنف أن تقرر ضمها لوحدة السبب والموضوع“. وهذا الأمر جوازي للمحكمة، فيجوز لها أن تقرر ضم الاستئنافات إذا وجدت ذلك مناسبا، كما لها أن تنظر كل استئناف على حدة، دون معقب عليها في هذا الشأن.


(1) يرجع إلى ما سبق ص 297 وما بعدها.

(2) يرجع إلى ما سبق ص 333 وما بعدها .

(1) نقض مدني 283/2005 تاريخ 9/4/2006 ج 3 ص 75.

(2) نقض مدني 170/2005 تاريخ 16/4/2006 ج 1 ص 350، نقض مدني 11/2006 تاريخ 7/9/2006 ج 1 ص 404، نقض مدني 62/2008 تاريخ 25/5/2008 ج 4 ص 101، نقض مدني 1/2008 تاريخ 16/10/2008 ج 4 ص 125.

(3) نقض مدني 104/2007 تاريخ 15/9/2008 ج 4 ص 180، نقض 120/2007 تاريخ 30/10/2008 ج 4 ص 200، نقض مدني 94/2008 تاريخ 30/12/2008 ج 4 ص 231

(1) نقض مدني 179/2007 تاريخ 2/9/2008 ج 4 ص 170.

(2) نقض مدني  119/2007 تاريخ 3/11/2008 ج 4 ص 203، نقض مدني 206/2008 تاريخ 16/11/2008 ج 4 ص 216، نقض مدني 269/2005 تاريخ 18/12/2008 ج 4 ص 224، نقض مدني 115/2007 تاريخ 30/12/2008 ج 4 ص 234.

(1) نقض مدني 224/2008 تاريخ 2/9/2008 ج 4 ص 175.

(2) نقض مدني 100/2006 تاريخ 20/6/2007 ج 3 ص 89.

(3) ) نقض مدني 119/2007 تاريخ 3/11/2008 ج 4 ص 203، نقض مدني 206/2008 تاريخ 16/11/2008 ج 4 ص 216، نقض مدني 269/2005 تاريخ 18/12/2008 ج 4 ص 224، نقض مدني 115/2007 تاريخ 30/12/2008 ج 4 ص 234.

(1) يرجع إلى ما سبق ص 370 وما بعدها.

(2) نقض مدني 213/2007 تاريخ 14/9/2008 ج 4 ص 182.