إدارة سير الدعوى المدنية – Case Management

ويتم السير في الدعوى وفق قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد وفق المراحل التالية:

أحصر نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف

نصت المادة (120/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” 1- تكلف المحكمة الخصوم في الجلسة الأولى لنظر الدعوى وبعد تكرار اللوائح تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف في المسائل المتعلقة بالدعوى ويدون ذلك في محضر الجلسة “. وقد هدف المشرع من ذلك اختصار إجراءات المحاكمة بحيث يتم تحديد النقاط التي ستخرج من الخصومة لأنها ليست محل نزاع وحصر الخصومة وعبء الإثبات في حدود النقاط المختلف عليها ، بحيث يقتصر البحث في المسائل المختلف عليها فقط . وللقاضي في هذه المرحلة أن يستجوب الخصوم (المدعي والمدعى عليه) ليستوضح بعض الأمور التي تهم الدعوى والنزاع من طرفي الدعوى مستخدما خبرته كقاض ، كما يستخدم خبرته كمدير في ضبط اجتماع الأطراف بحضوره ، ليتمكن من معرفة نقاط الاختلاف بينهم وحصرها .

وبعد حصر نقاط الخلاف ؛ على القاضي أن يدقق في هذه النقاط لتحديد ماهية هذا الخلاف.

  1. فإذا كانت نقطة الخلاف تتعلق بمسألة قانونية ، يكلف الطرفين بإعداد مرافعة حول هذه المسألة ؛ لأن المسائل القانونية لا تثبت بالبينة ، بل تكون مجال اجتهاد في التفسير القانوني الذي هو في النهاية من اختصاص المحكمة .
  2. وإذا كانت مسألة فنية ، يلجأ إلى المعاينة والخبرة .
  3. أما إذا كانت وقائع قانونية ففي هذه الحالة يكلف الخصوم بحصر بينتهم حولها .

ويلاحظ أنه عندما يكلف القاضي الطرفين بتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف ، غالبا ما يتمسك كل من الطرفين بلائحته . وهذا الموقف غير جائز ويؤدي إلى إطالة أمد الدعوى لذلك نصت المادة 13 من تعليمات مجلس القضاء الأعلى أن ” على المحكمة إعمال نص المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وذلك بتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف في المسائل المتعلقة بالدعوى وتدوين ذلك في محضر الجلسة “. ولذلك على القاضي في هذه الحالة أن يقوم بتحديد هذه النقاط بأن يقرر مثلا ( بالنظر فيما أبداه الطرفان ، وحيث إن الطرفين لم يتفقا على تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف ، وبالتدقيق في لائحة الدعوى واللائحة الجوابية تجد المحكمة أن الطرفين قد اتفقا على الأمور التالية ……. وأن الاختلاف بينهما كان على الأمور التالية …… لذلك يكلف الطرفان بحصر بينتهما حول هذه الأمور ) .

  1. حصر البينة :

تنص الفقرة الثانية من المادة (120) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه “مع مراعاة ما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة يتوجب على كل خصم حصر وتحديد بيناته التي يرغب في تقديمها حول المسائل المختلف عليها وتحدد المحكمة مواعيد الجلسات لسماع بينات كل منهما ” .

وتبين هذه الفقرة أن البينة المطلوب حصرها تتعلق بالمسائل المختلف عليها فقط، وأنه لا حاجة للبينة التي أرفقها الخصوم بلوائحهم لإثبات مسائل تم الاتفاق عليها. فحصر البينة يشمل البينة الخطية (الأدلة الكتابية) والشفوية (الشهود) .

ومبدأ حصر البينة هو مبدأ قانوني يوجب على أطراف النزاع لزوم تحديد ما سيتولون طرحه وتقديمه من بينة أثناء سير الدعوى ، الأمر الذي يضمن اطلاع أطراف الخصومة على جميع البينة التي ستقدم أثناء الدعوى لغايات تمكين الخصم من إعداد دفاعه بمواجهة الطرف الآخر ، وتمكين المحكمة من دراسة البينة التي ستقدم لتحديد ما إذا كانت الوقائع المطلوب تقديم البينة لإثباتها منتجة في الدعوى وعلى صلة بموضوعها أم لا وبالتالي قبول هذه البينة من عدمه ، وبالنتيجة تمكين المحكمة من السيطرة على الدعوى والفصل فيها .

وبالنسبة للأدلة الخطية فقد سبق أن رأينا أن المدعي ملزم بإرفاق صورة عن مستنداته الخطية مع لائحة الدعوى، وأن المدعى عليه ملزم بإرفاق صور عن مستنداته الخطية مع اللائحة الجوابية ، ومن البديهي أن هذه المستندات تتعلق بكل ما ورد في لائحة الدعوى واللائحة الجوابية من وقائع ، وحيث تم حصر نقاط الاختلاف بين الخصمين ، فإن على كل طرف أن يحدد ويحصر البينة الخطية المتعلقة بالمسائل المختلف عليها فقط . فلا يجوز تقديم بينة لأي طرف في الدعوى لإثبات عكس الوقائع المتفق عليها ، لأن الاتفاق بين الخصوم على أية مسألة مختلف عليها أصلا في الدعوى يعد بمثابة إقرار قضائي يؤثر في سير الخصومة ، كونه يمثل اعترافا من قبل الخصم بالحق المدعى به عليه أمام المحكمة أثناء نظر الدعوى الخاصة بذلك وبقصد إلزام نفسه بما أقر .

كما لا يجوز تقديم بينة لإثبات وقائع بعيدة عن الوقائع المختلف عليها لأنها تكون غير منتجة في الدعوى .

أما بالنسبة لإبراز هذه البينة الخطية ، فقدت جرت العادة أن يتم إبراز المستند العرفي كالتقارير الطبية من خلال منظميها ، وعادة ما يعترض الخصم أو وكيله على قبول المستند إذا قدم من خصمه مباشرة ، غير أن هذا الإجراء ليس لازما وليس في القانون ما يوجبه، بل يمكن إبراز هذه المستندات الخطية مباشرة من الخصم أو وكيله، وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن ” القانون لا ينص في أي مادة منه على عدم جواز إبراز ورقة دون دعوة منظمها ولا يوجد في القانون نص يلزم الخصم بإبراز أي مستند بواسطة من نظمه فالمستند هو نفسه الدليل ولا يقلل من قيمته القانونية إبرازه من الخصم وليس من نظمه”. (15)

ومن حق الخصم وقد حصل على صورة عن هذه المستندات أن يتحقق من صحتها ، وأن يبدي أي دفع بخصوصها وأن يقدم ما يدحض ما اشتملت عليه مما لديه من بينة خطية ، ويعود تقدير قيمة هذه البينة الخطية المقدمة من الطرفين إلى المحكمة .

وقد كان الخصم في السابق يبرز مستنداته الواحد تلو الآخر وتقوم المحكمة بتمييز وترقيم هذه المبرزات ، وهو ما كان يستغرق وقتا طويلا دون ضرورة ، لذلك فإن للمحكمة أن تكلف الخصم بإبراز بينته الخطية ضمن حافظة مستندات تشتمل على كشف بها ، وتميزها دفعة واحدة ، وذلك بما لها من صلاحية في إدارة الجلسة دون حاجة إلى وجود نص في القانون ، ومع ذلك نجد أن التعليمات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 1/9/2008 قد نصت في المادة الثانية منها على أنه ” على المدعي أن يقدم إلى قلم المحكمة لائحة دعواه من أصل وصور بعدد المدعى عليهم ومرفقا بها ما يلي:

  1. حافظة مستندات مؤيدة لدعواه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة .
  2. قائمة ببيناته الخطية الموجودة تحت يد الغير .
  3. قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في إثباتها بالبينة الشخصية لكل شاهد على حدة .
  4. يجب على المدعي أو وكيله أن يوقع على كل ورقة من الأوراق الموجودة ضمن حافظة المستندات وأن يقترن توقيعه بإقراره أن الورقة مطابقة للأصل إذا كانت صورة .”.

كما نصت المادة الخامسة من هذه التعليمات على أنه ” 1- على المدعى عليه أن يقدم إلى قلم المحكمة المختصة خلال خمسة عشر يوما من اليوم التالي لتاريخ تبلغه لائحة الدعوى جوابا كتابيا على هذه اللائحة من أصل وصور بعدد المدعين مرفقا به ما يلي :

  1. حافظة المستندات المؤيدة لجوابه مع قائمة بمفردات هذه الحافظة .
  2. قائمة ببيناته الخطية الموجودة تحت يد الغير .

ج- قائمة بأسماء شهوده وعناوينهم الكاملة والوقائع التي يرغب في إثباتها بالبينة الشخصية لكل شاهد على حدة .

أما البينة الشفوية فإن على كل طرف أن يحصر أسماء الشهود الذين يرغب في سماعهم بخصوص نقاط الاختلاف وبيان الوقائع التي سيشهد عليها كل شاهد . وقد نصت المادة ( 125) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد على أنه ” يسري قانون البينات في المواد المدنية والتجارية على إجراءات الإثبات في الدعوى “، وبالرجوع إلى قانون البينات الجديد رقم 4 لسنة 2001 نجد أنه منح المحكمة صلاحيات واسعة في عملية الإثبات ، وبالنسبة للشهود ، فإن حسن إدارة الدعوى يقتضي الالتزام بما نص عليه قانون البينات والمتمثل فيما يلي:

  1. تكليف الخصم الذي يرغب في الإثبات بشهادة الشهود على واقعة يجوز إثباتها بذلك ، أن يحصر شهوده ، مبينا الأسماء كاملة والعناوين ، والواقعة التي سيشهد عليها كل منهم .
  2. تحديد جلسة أو جلستين أو العدد اللازم لسماع الشهود وفقا لعددهم والوقت الذي تقدر المحكمة الحاجة إليه لسماع شهاداتهم .
  3. أن تتضمن ورقة دعوة الشهود البيانات التي نصت عليها المادة 81 من قانون البينات ، وبخاصة بيان مبلغ النفقات التي ستصرف للشاهد ، والتنبيه إلى العقوبة التي يتعرض لها في حال تخلفه عن الحضور ، لأن ذلك سيدفعه إلى الحرص على الحضور، إما رغبة في الحصول على النفقات ، أو تلافيا للتعرض للعقوبة .
  4. تطبيق المادة 84 من قانون البينات في حال عدم إحضار الخصم شهوده بنفسه في الجلسة التي كلف بإحضارهم فيها ، بأن تقرر المحكمة تكليف الشهود بالحضور وعدم منح الخصم مهلة أخرى لإحضارهم .

ويلزم أن تكون شهادة الشهود جائزا سماعها ، ولذلك يجيز القاضي سماع أقوال الشهود في الحالات التي نص عليها قانون البينات وهي :

  1. لإثبات وقائع مادية .
  2. لإثبات تصرفات تجارية .
  3. لإثبات تصرفات قيمتها أقل من 200 دينار .
  4. لإثبات الظروف التي أحاطت بتنظيم سند .
  5. إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة .
  6. إذا وجد مانع من الحصول على دليل كتابي .
  7. إذا فقد الدائن السند المكتوب لسبب لا يد له بفقدانه .
  8. عندما يطعن في العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب ، أو إذا ادعى أحد الأطراف بأنه أخذ عن طريق الغش أو الاحتيال أو الإكراه .

ولا يجيز القاضي سماع شهادة الشهود في الحالات الآتية :

  1. في ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي ،
  2. إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته بشهادة الشهود .
  3. إذا طالب أحد الخصوم بما تزيد قيمته عن 200 دينار ثم عدل طلبه إلى أقل من 200 دينار .
  4. لا تقبل البينة الشخصية (شهادة الشهود) لإثبات عكس ما ورد في السند المكتوب .

كما أن المشرع منع بعض الأشخاص من الإدلاء بأقوالهم كشهود تحت القسم ومنهم :

  1. من لم يكن سليم الإدراك لعاهة في عقله .
  2. من لم يبلغ سنه خمس عشرة سنة ، على أنه يجوز أن تسمع أقوال من لم يبلغ هذه السن بغير يمين على سبيل الاستدلال ( المادة 74 بينات) .
  3. من له مصلحة في الدعوى تحقق له مغنما أو تدفع عنه مغرما .
  4. الذين لديهم معلومات تتعلق بأمن الدولة ( المادة 75 بينات) .
  5. المحامون والوكلاء والأطباء ومن في حكمهم (المادة 76 بينات) .
  6. الزوج بغير رضا زوجه الآخر ( المادة 77 بينات) .

وبعد أن يفرغ المدعي (أو المدعى عليه بالنسبة للدفع) من تقديم بيناته ، يكلف المدعى عليه (أو المدعي بالنسبة للدفع) بتقديم بينته بالطريقة ذاتها ، ثم يكون للخصم الذي بدأ في الدعوى( أو أثار الدفع) أن يقدم بينة مفندة(16) . ثم يقدم المدعي ( أو المدعى عليه في الدفع) مرافعته النهائية ، وبعد ذلك يقدم المدعى عليه( أو المدعي في الدفع) مرافعته النهائية ، وتعلن المحكمة ختام المحاكمة .

ويقتضي مبدأ المواجهة إطلاع الخصم أو وكيله على كل مذكرة يقدمها الخصم الآخر سواء بتسليمه صورة عنها ، أو تمكينه من الاطلاع عليها في ملف الدعوى لذلك أوجبت المادة (53) كما رأينا أن يرفق المدعي بلائحة الدعوى صورا عن المستندات التي يستند إليها تأييدا لدعواه مصدقة منه بما يفيد مطابقتها للأصل . وكذلك الحال في المادة (62) بالنسبة للائحة الجوابية .

وقد كانت المادة 135/3 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى تنص على أن للفريق الذي بدأ في الدعوى أو يورد بينته لدحض بينة الخصم ثم يسرد الفريق الآخر أقواله ودفاعه الأخير وبعدها يدلي الذي بدأ في الدعوى بمرافعته الأخيرة، بمعنى أن من بدأ الخصومة هو آخر من يتكلم فيها. غير أن المشرع لم يأخذ بهذه القاعدة في نص المادة 119 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية بما يعني العدول عنها إلى قاعدة أن المدعى عليه هو آخر من يتكلم(17) ، وهذه القاعدة تنطبق أيضا على المذكرات ، وذلك لتمكينه دائما من إبداء دفاعه على أقوال المدعي ومذكراته . ولا يعني هذا أنه يشترط لصحة الحكم أن يكون المدعى عليه هو فعلا آخر من يتكلم أو آخر من يقدم مذكرة ، وإنما يكفي تمكينه من ذلك ولكن على الخصم في هذه الحالة أن لا يكرر ما سبق له قوله .

(15)(15) نقض مدني رقم 40/2009 تاريخ 18/5/2009 .

(16)(16) البينة المفندة هي ما كان يطلق عليه البينة الداحضة في المادة 135/3 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى، وسميت كذلك لأن المدعي يفند بها ما قدمه المدعى عليه من بينة أي يدحضها وفق القانون القديم ، لذلك فإنها تكون محصورة في حدود تفنيد بينة المدعى عليه ولا يجوز أن تشتمل على بينات جديدة لا صلة لها ببينة المدعى عليه.

(17)(17) نص على هذه القاعدة صراحة في المادة 76/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الأردني رقم 24 لسنة 1988 بقولها ( ….. ويكون المدعى عليه آخر من يتكلم إلا إذا أمرت المحكمة بخلاف ذلك.) .