الضفة الغربية و قانون الاحتلال الحربي

أما Josef Kunz فيرى أن مواثيق لاهاي ينقصها الترتيب المنهجي والمنطقي، كما وأنه أصابها الخلل وعدم الثبات، وأضعفت بالتحفظات الكثيرة والمختلفة وبعباراتها العامة والغامضة مثل «إذا سمحت الظروف العسكرية بذلك … الخ».

كما وأن تطور وسائل الحرب الحديثة نتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي كاستخدام الصواريخ والأقمار الصناعية والطائرات التي توجه من الأرض والقنابل الذرية، أضاف كثيرا إلى مظاهر قصور الميثاق1.

ومع تراجع فلسفة المذهب الفردي أمام ظهور الاشتراكية تغيرت الظروف التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، كما وأن ظهور الأنظمة الشمولية أدى إلى تغير ظروف الحرب، فبعد أن كانت تحدث بين الأمراء وجيوشهم، برز إلى حيز الوجود « الحرب الشاملة » التي قضت على التفرقة بين المحاربين وغير المحاربين من المدنيين، وبين الممتلكات التي تستعمل في الحرب وبين تلك التي تستعمل للأغراض السلمية، كما وأن بعض المسائل التي كانت تثير كثيرا من الجدل مثل الهَبّة الجماهيرية ضد الاحتلال، ومدى شرعيتها وعدم شرعيتها قد فقدت أهميتها أمام تقدم الوسائل الحربية الحديثة، حيث إن انهزام جيش الدولة المحاربة يجعل مقدرة السكان المدنيين على مواجهة وسائل الحرب الآلية الحديثة شبه معدومة، وبالتالي فقد حلت محل مسألة الهبّة الجماهيرية وأخذت أهميتها في الجدل مسألة حرب العصابات والمقاومة السرية المنظمة ووضعها القانوني2.

كل ما سبق كان مدعاة لدعوة كثير من الفقهاء إلى ضرورة عقد مؤتمر على غرار مؤتمر لاهاي لإعادة النظر في قوانين الحرب وجعلها تتلاءم مع التطورات الحديثة التي سبق بيانها3.

غير أن الرأي الذي ساد بعد الحرب العالمية الأولى والذي تمثل في إهمال المسألة وتجميد مراجعة قوانين الحرب، والنظرة العدائية للموضوع، وتجاهله عاد وساد بعد إنهاء العمليات العسكرية في الحرب العالمية الثانية.

ويمكن تلخيص وجهة نظر هذا الرأي في ما أوردته « لجنة القانون الدولي العام » المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول جلسة لها بتاريخ 12-6-1949 حيث قررت « بما أن الحرب أصبحت غير مشروعة، فإن تنظيمها أصبح غير مجد. إن معظم أعضاء اللجنة أوضحوا معارضتهم لدراسة المشكلة في المرحلة الراهنة. فقد أخذوا بعين الاعتبار، أن الرأي العام قد يفسر مثل هذا التنظيم على أنه عدم ثقة في نجاعة الوسائل التي وضعت تحت تصرف الأمم المتحدة للحفاظ على السلام».

ويثور التساؤل نتيجة لما قررته لجنة القانون الدولي العام في أول جلسة لها بأن الحرب أصبحت غير مشروعة وغير قانونية، فيما إذا كان إنشاء الأمم المتحدة قد جعل « الحرب » فعلا كذلك.

في البداية يجب تبیان أن ميثاق الأمم المتحدة لم يستعمل اصطلاح الحرب واستبدله باصطلاح أوسع معنى وأقل غموضا وهو « التهديد ب أو استعمال القوة » وهذا يمثل تقدما تقنيا نتيجة الاستفادة من تجربة ميثاق باريس وعصبة الأمم4.

أما بالنسبة للسؤال الأساسي، فإن المادة الثانية فقرة «4» حرمت التهديد ب، أو استعمال القوة للمساس بالسيادة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي لأي دولة – سواء كانت عضوا في الأمم المتحدة أو لم تكن – آو بأية طريقة لا تتفق مع أهداف الأمم المتحدة.

كما وأن الفقرة السادسة من المادة الثانية تنص على أن المنظمة سوف تعمل على أن تتصرف الدول التي ليست أعضاء في الأمم المتحدة بما يتفق مع هذه المبادئ، وذلك إلى المدى الذي يعتبر ضروريا للحفاظ على السلم والأمن الدولي.

قد يستدل مما تقدم أن ميثاق الأمم المتحدة حرم استعمال القوة، وبالتالي فإن الحرب تكون قد ألغيت ونسخت، إلا أن مواد ميثاق الأمم المتحدة تبين بوضوح أن استعمال القوة لا يزال واردا وذلك وفقا لنصوص الميثاق ذاته، وذلك في الحالات التالية:

  1. فنص المادة 42 يعطي الحق للأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن أن تتخذ أي إجراء بواسطة قوات برية أو جوية أو بحرية، وذلك إذا كان هذا الإجراء ضروريا لحفظ السلم والأمن الدولي»5.
  2. تطبيقا لنص المادة (51) التي تعطي الحق للعضو في خوض حرب دفاعا عن النفس، وهذا الحق محدود بالمدة اللازمة لتدخل الأمم المتحدة فإذا لم تتدخل، نكون بصدد حرب خارج نطاق المنظمة الدولية.
  3. – تطبيقا لنص المادة (۱۰۷) التي تعطي الدول الأعضاء الحق في شن حرب ضد الدول التي كانت عدوة خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك المادة (53) التي تعطي الحق في اتخاذ إجراء عسكري إقليمي تحت إشراف مجلس الأمن6.
  4. وقد تنشب حرب أهلية ويستطيع الثوار الوصول إلى الوضع القانوني للمحارب ومع ذلك تكون طبيعة هذا النزاع غير مبررة لتدخل الأمم المتحدة لكونها أساسا مسألة داخليه للدولة المعنية.
  5. وقد يؤدي استخدام حق الفيتو (Veto) في مجلس الأمن من قبل أحد الأعضاء الخمس الدائمين إلى منع الأمم المتحدة من اتخاذ إجراء عسكري، وبالنتيجة نكون بصدد حرب خارج نطاق صلاحية الأمم المتحدة، وتخضع بصفة مطلقة لقوانين الحرب، «ميثاق لاهاي» و«جنيف»7.

يتبين مما تقدم أن إنشاء الأمم المتحدة لم يؤد إلى إلغاء الحرب أو نسخها فهي موجودة، ومن ثم فإن القول بأن إعادة النظر في قوانين الحرب غير وارد لأن الحرب ألغيت هو قول غير صحيح فوضع قوانين الحرب غير الثابت وغير الملائم للتطورات الحديثة هو واقع لا جدال فيه، وبذلك فإن من الضروري مراجعتها وملاءمتها مع التطورات الحديثة من خلال مؤتمر يخصص لبحثها لتحل القواعد التي يقررها مثل هذا المؤتمر محل مواثيق لاهاي وحتى يمكن بالتالي خدمة المجتمع الدولي من خلال الوصول إلى نظام قانوني يمكن بواسطته استيعاب التطورات الحديثة والتلاؤم معها.

——————————

1 Josef Kunz: Supra Note (92) P. 38, 41.

2 Dorris A. Graber: Supra Note (22) P. 291.

3 من بين الفقهاء الذين دعوا إلى ذلك

Josef Kunz: Supra Note (93) P. 20.

Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 20, Fellchenfied: Supra Note (7) P. 28, 29.

Philip C. Jessup: (Modern Law of Nations). The Macmilian Co., NewYork 1950. P. 188 – 221 .

الذي اقترح تعديلا في قانون الحرب يفرضه وجود قوات مسلحة للأمم المتحدة.

أما Richard Baxter: (The role of Law in Modern War. (International Iaw in the Twentieth century. (The American Society of International Law 1969 P. 661, 662 Meredith Cor .

فمع إقراره بوجود بعض النواقص في قانون الحرب، وضرورة مراجعتها، إلا أنه يرى أن القول بأن قانون الحرب هو في حالة فوضى وعدم تنظيم هو قول فيه كثير من المبالغة. فقانون الحرب البرية مقنن على مستوى جيد، وفي السنوات الأخيرة فإن هذا القانون أحيط بكثير من أحكام المحاكم التي شكلت في مجموعها مادة غزيرة وكافية. ويرى بأن نقطة الضعف في قانون الحرب هي في مسألة الأسلحة المتطورة التي تظهر حديثا حيث إن القانون بالنسبة لهذه المسألة يدعو للإحباط، أما بالنسبة لحكم العلاقة التي تلي العمليات العسكرية فإن القانون مؤثر في معالجته لذلك ويدعو إلى التفاؤل.

4 Josef Kunz: Supra Note (93) P. 53.

5 وقد ذهب رأي إلى أن الإجراء العسكري الذي تتخذه الأمم المتحدة لا يخضع لقوانين الحرب وبالتالي لميثاق لاهاي ۱۹۰۷، ومعاهدات جنيف 1949، معللا ذلك بأن الأهداف التي وضعت من أجلها قوانين الحرب ليست هي ذات الأهداف التي يتم تنظيم استعمال القوة من قبل الأمم المتحدة لتحقيقها. فالأمم المتحدة لا يجوز أن تلتزم بجميع قوانين الحرب، بل يجب أن يكون بإمكانها اختيار أي من هذه القوانين، وذلك بما يتلاءم مع أهدافها، كما وأن لها أن تضيف غيرها وفقا للحاجة، ولها أيضا أن ترفض الالتزام بما لا يتلاءم أو يتماشى مع تلك الأهداف، فمما لا جدال فيه أن الأمم المتحدة بما أنها تمثل عمليا جميع الأمم على الأرض لها الحق في أن تتخذ مثل تلك القرارات. فقوانين الحرب لا تنطبق تلقائيا على الإجراء العسكري الذي تتخذه الأمم المتحدة. حيث إن الحرب هي نزاع بين دولتين بينما تمثل الأمم المتحدة مركزا أسمی قانونيا ومعنويا من الدول.

ويجيب Baxter على هذا الرأي بأن قوانين الحرب لم توضع لحكم حالة الحرب التي تنشب بين الدول بصفة رئيسية، بل نشأت من الحاجة الماسة إليها من الناحية الإنسانية، فقوانين الحرب تنطبق عند وجود عمليات عسكرية، وتطبيقها في الماضي لم يقتصر على الحرب التي تنشب بين الدول فقط، فمواثيق جنيف لعام 1949 تنطبق ليس فقط على حالات الحرب المعلنة بين الدول بل على جميع النزاعات العسكرية كذلك.

ويضيف بأن معنى الرأي السابق هو أن القوانين المتعلقة بأسرى الحرب وتلك المتعلقة بالمرضى والجرحى، والاحتلال الحربي لا تنطبق تلقائيا على قوات الأمم المتحدة وبالنتيجة فإن قوات الأمم المتحدة لا تتأثر بالاعتبارات الإنسانية في أثناء عملياتها العسكرية.

ويخلص Baxter إلى نتيجة تقضي بأن قوات الأمم المتحدة تخضع عند قيامها بعمليات عسكرية للقواعد التي تحكم هذه العمليات والتي تتعلق بأسرى الحرب، وغيرها من القواعد الواردة في ميثاق لاهاي. ففي خلال الحرب الكورية اعترف الطرفان المتنازعان عند عقد الهدنة 1953 وانتهاء العمليات العسكرية، بان الإجراء العسكري الذي تقوم به قوات الأمم المتحدة مثله مثل أي حرب أخرى ذات طبيعة دولية وتخضع لقوانين الحرب.

Bichard R. Baxter: Supra Note (105) P. 662 – 667.

وكذلك Philip C. Jessup: Supra Note (105) P. 213.

6 Josef Kunz: Supra Note (93) P. 54.

7 Morris Greenspan: Supra Note (36) P. 29.