الضفة الغربية و قانون الاحتلال الحربي

الباب الثاني

قانون الاحتلال الحربي والأراضي المحتلة

بعد التطور الذي طرأ على قانون الاحتلال الحربي بصدور مواثيق جنيف لعام 1949 وبالتخصيص الميثاق الرابع المتعلق بحماية السكان المدنيين وقت الحرب، فإن الوضع السائد في الأراضي المحتلة يمثل أهمية خاصة نظرا لأنها التجربة الأولى للاحتلال الحربي بعد هذا التطور1.

غير أن المواقف المتباينة للفقهاء نتيجة للتعقيد الذي يتصف به الوضع في فلسطين – حيث ظهر ذلك جليا في تأثر هذه المواقف بالعاطفة من ناحية وبالمواقف السياسية من ناحية أخرى سواء في نطاق الأمم المتحدة أو خارجها، وظهور آراء تدعو إلى القول بأن هناك فراغا في السيادة، أو امتلاكا لمركز قانوني أقوى من غيرها، وكذلك الحجج التي سيقت لتبرير مواقف هذا الطرف أو ذاك، يجعل من الضروري التعرض ونحن بصدد بحث تطبيق قانون الاحتلال الحربي على الوضع في فلسطين للموضوع المركزي الذي تعتمد عليه المواقف القانونية لجميع الأطراف وهو موضوع السيادة، ومن هو صاحب الحق فيها؟

فمن المعروف أن لقانون الاحتلال الحربي مهمتين رئيسيتين الأولى هي حماية حقوق السكان المدنيين في المناطق المحتلة، والثانية هي المحافظة على مركز ومصالح صاحب السيادة الشرعي الذي طردته سلطات الاحتلال2.

ومن هنا يكون من الضروري تتبع موضوع السيادة في فلسطين وفقا للقانون الدولي منذ انتهاء الحكم العثماني فيها سنة 1923 وهو تاريخ عقد معاهدة لوزان إلى الوقت الحالي، مع تبيان موقف الأردن القانوني، ثم وفقا لذلك يمكن تبين موقف “إسرائيل” التي تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الآن، وكذلك موقف الجانب الفلسطيني الذي سيقتصر لغايات هذا البحث على فترة زمنية معينة وهي فترة الانتداب، والفترة التي تلتها مباشرة. أما الموقف القانوني لمنظمة التحرير والعلاقة مع الأردن فهو يخرج عن نطاق هذا البحث.

ففي 24-7-1923 وقعت تركيا التي كانت تعتبر خليفة للإمبراطورية العثمانية اتفاقية لوزان والتي بموجب المادة 16 منها تنازلت عن جميع حقوقها في ملكية الأقاليم التي تقع خارج الحدود التي بينتها المعاهدة على أن يتحدد مصير هذه الأقاليم وفقا لاتفاق الأطراف المعنية. كما وأن مجلس عصبة الأمم صادق على قرار المجلس الأعلى للحلفاء الصادر في نيسان عام 1920، والقاضي بإعطاء حق الانتداب على فلسطين لبريطانيا العظمى، حيث قامت الأخيرة بفصل المنطقة الواقعة إلى شرق نهر الأردن، وأقامت عليها دولة «إمارة شرق الأردن» حيث اعترفت عصبة الأمم بها كدولة مستقلة ذات سيادة3.

إلا انه نظرا لعدم تعرض ميثاق عصبة الأمم ومن بعده ميثاق الأمم المتحدة لتحديد صاحب الحق في السيادة خلال فترة الانتداب، فقد اختلف الرأي في هذه المسألة وقدمت أربعة احتمالات في هذا الصدد.

  1. أن السيادة تكمن في مجلس عصبة الأمم.
  2. أن السيادة انتقلت إلى دولة الانتداب سواء من قبل مجلس العصبة أو من قبل الحلفاء.
  3. أن السيادة تكمن في السكان المحليين في الوقت الذي تنازلت فيه تركيا عن حقوقها في الأقاليم الواقعة خارج حدودها.
  4. أن السيادة خلال فترة الانتداب تبقى معلقة لا صاحب لها.
  5. ویضيف Gerson احتمالا خامسا وهو أن السيادة تكمن في مزيج من الافتراضات المتقدمة4.

وقد حسم هذا الموضوع بالرأي الذي أعطاه Lord McNair القاضي في محكمة العدل الدولية، في قضية المركز القانوني الدولي لجنوب غرب إفريقيا عام 1950 يقول (McNair) في القضية المذكورة.

«إن نظام الانتداب … هو نظام جديد – علاقة جديدة بين المناطق وسكانها من ناحية، والحكومة التي تمثلهم دوليا من ناحية أخرى – صنف جديد من الحكومات لا يتلاءم مع نظرية السيادة القديمة وغريب عنها، ففكرة السيادة لا تنطبق على هذا النظام الجديد.

وتابع يقول:

«عندما يحصل سكان المنطقة على الاعتراف بهم كدول مستقلة كما حصل مع بعض المناطق الخاضعة للانتداب، فإن السيادة التي كانت محفوظة خلال فترة الانتداب لمصلحة السكان تعود وتكمن في الدولة الجديدة5.

وبناء على ما تقدم فإن السيادة في فلسطين خلال فترة الانتداب كانت تكمن في السكان المحليين وذلك منذ تاريخ تنازل تركيا عن حقها في المنطقة وفقا لمعاهدة لوزان سنة 1923، ويتأكد ذلك بشكل قاطع إذا أخذنا في الاعتبار أن منطقة جنوب غرب إفريقيا التي صدر القرار بشأنها كانت من المناطق المصنفة بدرجة «ج» وفقا لتقسيمات المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بينما كانت فلسطين تدخل ضمن المناطق المصنفة بدرجة «أ» التي كانت تعتبر مناطق مؤهلة للاعتراف بها كدول كاملة السيادة تحت شرط تلقيها إرشادات إدارية من دولة الانتداب، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي تستطيع فيه الاستغناء عن ذلك والتصرف على استقلال6.

وإذا نظرنا إلى السكان المحليين في فلسطين وقت دخول الانتداب حيز التنفيذ نجد أن اليهود كانوا يشكلون نسبة لا تزيد على 12% سواء من كان منهم من اليهود العرب سكان فلسطين الأصليين، أو من المهاجرين إلى فلسطين من الأوروبيين الذين استوطنوا فيها، بينما يشكل المسلمون والمسيحيون النسبة الباقية وهي 88 بالمئة، وبذا فإن السيادة في فلسطين تكمن في هؤلاء السكان بتطورهم الطبيعي والعادي دون غيرهم حتى انتهاء فترة الانتداب.

ويفهم من ذلك أن المهاجرين إلى فلسطين من يهود أوروبا وغيرها بعد تاريخ نفاذ الانتداب لا يكون لهم الحق في الاشتراك بممارسة السيادة مع السكان الأصليين وهذا القول يتفق مع الهدف من الانتداب الذي حددته عصبة الأمم وهو المحافظة على سكان هذه المناطق وتطويرهم باعتباره يشكل وديعة مقدسة في ذمة الحضارة، كما يبقى صحيحا في ظل ميثاق الأمم المتحدة التي ورثت نظام الانتداب من عصبة الأمم حيث انتقل إليها الإشراف على المناطق الواقعة تحت الانتداب بموجب المادة «77» من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على أن يطبق نظام الوصاية على الأقاليم المشمولة حاليا بالانتداب حيث استمرت الدول المنتدبة في القيام بواجباتها تحت إشراف الجمعية العامة ومجلس الوصاية.

——————————

1Stephen M. Boyed: (The applicability of International Law to the Occupied territories): Israel Year book for human rights Vo. I 1971 P. 258.

2 Thomas S. Kuttner: (Israel and the West Bank) Israel Year book for human rights) Vol. 1977 P. 169.

3 Allen Levine: (The status of sovereignty in East Jerusalem and the West Bank.) New York University Journal of International Law and Politics Vol. 5 1972 P. 486.

4 Allen Gerson: (The legal Status of Israel Presence in the West Bank.) Harvard International Law Journal Vo. 14 1973 P. 24.

5 Allen Levine: Supra Note (112) P. 491.

6 قسمت المادة «22» من ميثاق عصبة الأمم المناطق الواقعة تحت الانتداب إلى ثلاث درجات هي «أ» و «ب»، «ج» وذلك وفقا لمدى استعداد المنطقة لأن تكون دولة كاملة السيادة فقد اعتبرت جميع المناطق التي كانت واقعة تحت الحكم العثماني وفصلت عنها ضمن درجة «أ» التي كانت تعتبر مناطق مؤهلة للاعتراف بها كدولة كاملة السيادة، وكانت تتبع إرشادات إدارية فقط من دولة الانتداب، أما المناطق (ب) فهي تضم المناطق الواقعة في وسط إفريقيا حيث كانت درجة حضارتها تجعل من الضروري أن تكون دولة الانتداب مسؤولة عن إدارتها وفقا لبعض الشروط. أما المناطق المصنفة بدرجة «ج» مثل جنوب غرب إفريقيا «ناميبيا» فقد كانت تدار وفقا لقانون دولة الانتداب خاضعة لضمانات معينة وذلك حماية لمصلحة السكان المحليين.