المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني

المبحث الثالث

طبيعة التزام المحامي تجاه عميله

نبحث أولا طبيعة التزام المحامي في الوكالة بالخصومة، ثم نتبع ذلك ببيان طبيعة التزامه بالنسبة لكتابة العقود وتقديم الاستشارات القانونية.

المطلب الأول

طبيعة التزام المحامي في الوكالة بالخصومة

يتفق الفقه والقضاء على أن التزام المحامي في الوكالة بالخصومة هو التزام ببذل عناية، فهو ملزم بالسير في الدعوى وفي الدفاع عن موكله على النحو الذي يوجبه شرف وقواعد مهنته، وأن يبذل من العناية في هذا الشأن ما يبذله المحامي المعتاد، حتى لو لم يفلح في كسب الدعوى.

فالمحامي لا يلتزم بتحقيق نتيجة بكسب الدعوى لصالح موكله؛ بل يلتزم ببذل العناية الصادقة الواجبة الاتباع من خلال القوانين والأنظمة والأعراف المتبعة في المهنة، وقد نصت المادة 26 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه ….(3) أن يدافع عن موكله بكل أمانة وإخلاص وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون وتفرضها عليه أنظمة النقابة وتقاليدها .

فالحصول على حكم لصالح العميل هو أمر يقرره القضاء، فالعمل القانوني الذي يسعى المحامي إلى تحقيقه يرتبط بعنصر الاحتمال؛ وذلك لأن كسب الدعوى أمر منوط بالقضاء وحده وليس للمحامي أي دور فيه حتى وإن بذل العناية المطلوبة للوصول إلى ذلك. فإذا بذل المحامي العناية التي تتفق مع القانون والأنظمة والأصول فإنه يكون قد قام بالتزامه حتى ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة؛ ولا يترتب عليه مسئولية.

والعناية المطلوبة من المحامي هي عناية الرجل المتبصر المطلع على الملف ووثائقه؛ والملم بالقوانين المطبقة على النزاع؛ والحريص على القيام بأي إجراء شكلي في وقته. فالمحامي يختلف عن الرجل العادي في مجال مهنته؛ فالموكل يعتمد على خبرة المحامي العلمية والعملية ويوليه ثقته. والمعيار الذي تقاس به عناية المحامي هو معيار فني محض، أي معيار المحامي المعتاد أو أوسط المحامين خبرة وعناية، ومثل هذا المحامي لا يجوز له أن يخطئ فيما استقرت عليه أصول مهنة المحاماة.

وبالرغم من هذا الأصل العام؛ فإن المحامي يلتزم بتحقيق نتيجة في حالات محددة، إما بموجب شرط في العقد؛ أو بناء على طبيعة الخدمة؛ أو بالنظر إلى نص القانون، ولذلك فإن عدم تحقيق هذه النتيجة يعني أن المحامي لم يبذل العناية المطلوبة، ومن هذه الحالات ما يأتي:

  1. المحافظة على أموال وأوراق الموكل المتعلقة بالقضية وإعادتها للموكل عندما يطلب منه ذلك، لأن فقد أحد هذه المستندات قد يؤدي إلى عدم استطاعة موكله إثبات حقوقه بسبب ذلك، كما أن تصرف المحامي في أموال موكله يحط من قدر المحامي ومهنته.
  2. تقديم الدعوى وفق الشروط المتطلبة قانونا؛ ودفع الرسم المقرر ما لم تكن معفاة من الرسوم.
  3. تقديم لائحة الدعوى أو الطعن في الميعاد المحدد قانونا، لأن تقديم الدعوى أو الطعن بعد الميعاد يؤدي إلى رد الدعوى أو الطعن ويصبح الحكم قطعيا بحق موكله ويلحق به ضررا.
  4. حضور الجلسات أو إنابة محام مجاز لحضورها وعدم التغيب عن أي منها، لأن ذلك يؤدي إلى شطب الدعوى او محاكمة موكله حضوريا.
  5. الرد على المذكرات وتقديم أوجه الدفاع والدفوع وفق المطلوب.
  6. عدم تجاوز حدود وكالته، فإذا كانت الوكالة لا تمنحه صلاحية إحالة النزاع إلى التحكيم أو عمل مصالحة مثلا، فلا يجوز له ذلك وإلا من حق الموكل مساءلته بما تجاوز حدود وكالته.
  7. عدم مخالفة ما نصت عليه المادة 27/3 من قانون تنظيم مهنة المحاماة التي نصت على أنه (لا يجوز للمحامي أن يقبل الوكالة في الحالات التالية:
  1. عن طرفين متخاصمين في دعوى واحدة.
  2. ضد موكله بمقتضى وكالة عامة.
  3. ضد شخص كان وكيلا عنه في نفس الدعوى أو الدعاوى المتفرعة عنها ولو بعد انتهاء وكالته.
  4. ضد جهة سبق أن أطلعته على مستنداتها الثبوتية ووجهة دفاعها مقابل أتعاب استوفاها منها سلفا.
  1. أن يقوم بالتصديق على توقيع موكله بنفسه بعد التحقق من شخصيته.
  2. أن لا يصادق على أي مستند عادي دون التثبت من شخصية وصفات الموكلين، ومسئوليته عن صحة التوقيع الذي يصادق عليه هي مسئولية شخصية كمسئولية الموظف الرسمي.
  3. تقديم إذن للنقابة من أجل إجازة مخاصمة المحامي خصم موكله حتى يتمكن من رفع الدعوى. وفي ذلك نصت المادة 30 من لائحة آداب مهنة المحاماة على أنه ( يحظر على المحامي إقامة أو قبول الدعوى ضد زميل له، قبل الحصول على إذن المخاصمة المنصوص عليه في القانون).