المسئولية المدنية للمحامي عن الخطأ المهني

المطلب الثاني

حقوق المحامي

أولا: حقه في اختيار الأسلوب المناسب في عمله.

نصت المادة 20 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه ( 1) وفقا لأحكام القانون يتمتع المحامي بالحقوق والامتيازات التالية:-

  1. اختيار الأسلوب الذي يراه مناسبا في دفاعه عن موكله ولا يكون مسئولا عما يورده في استشاراته أو مرافعاته كتابة أو شفاهة مما يستلزمه حق الدفاع أو الاستشارة.

وهذا الحق يعد استثناء من القواعد العامة في الوكالة التي توجب على الوكيل الالتزام بتعليمات الموكل. فالمحامي مستقل بعمله؛ ولا سلطان عليه في مزاولته لمهنة المحاماة إلا ضميره وأحكام القانون؛ فلا يمكن للموكل أن يلزم المحامي بأن يسلك طريقا معينة يراها مجدية؛ بل للمحامي اختيار الأسلوب الذي يراه مناسبا في دفاعه عن موكله…. فالمحامي من حقه بل من واجبه وفق قواعد المهنة؛ أن يترافع في الدعوى الموكل فيها على الوجه الذي يراه هو بوصف كونه من رجال الفن والعلم والقانون. فالمحامي لا يلتزم خطة الدفاع التي يرسمها المتهم لنفسه، بل له أن يرتب الدفاع كما يراه هو في مصلحة المتهم؛ لأن المحامي لا يترافع باسم من يدافع عنه؛ بل من أجله، فهو لا يمثله قانونا بل يقوي وسائل دفاعه بالوقوف إلى جانبه.(1)

فمهمة المحامي مساعدة القضاء في تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة، لذلك في حالة اعتراف المتهم؛ قد يكون هذا الاعتراف غير مطابق للحقيقة ولكن بهدف حماية شخص آخر، لذلك على المحامي مساعدة النيابة والمحكمة في الكشف عن حقيقة شخصية المتهم الحقيقي والتثبت من صحة الاعتراف وإدانة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه.

ثانيا: حق المحامي في الأتعاب.

نصت المادة 21 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أن (للمحامي الحق في تقاضي بدل أتعاب عما يقوم به من أعمال ضمن نطاق مهنته، كما له الحق في استيفاء أية مصروفات قضائية تحملها في سبيل القضية التي كان وكيلا فيها شريطة أن تكون مؤيدة بالمستندات).

فالمحامي يكسب عيشه من مهنته عادة، ولذلك فإن الأصل أن تكون وكالته بأجر ولو لم يكن هناك اتفاق صريح على ذلك. وقد نصت المادة (46) من لائحة آداب مهنة المحاماة على أنه (يقدر المحامي أتعابه باعتدال بعيدا عن البخس والإسفاف، ويتقاضاها وفقا للاتفاق المبرم بينه وبين موكله، ويدخل في تقديرها نوعية الدعوى؛ وأهمية النزاع؛ والجهد المبذول، والحلول القانونية التي وجدها المحامي أو بحث عنها أو دل موكله عليها، ونتيجة النزاع، مع مراعاة القيود الواردة في القانون.

ويحظر على المحامي القبول بأتعاب متدنية قصد مزاحمة زملائه واستقطاب الموكلين، ما لم يتوفر سبب جدّي يبرر تدني الأتعاب كعلاقة قرابة حتى الدرجة الثانية، أو صداقة بينه وبين موكله اشتهرت بين الناس. وإذا أراد المحامي التوكل عن شخص معدم ماديا فلا يقبل الأتعاب المتدنية، وإنما يعمل بهذه الدعوى مجانا، على أن يبلغ مجلس النقابة بذلك ليصار إلى تسجيلها في سجل الأعمال التي يجوز للنقيب تكليفه بها، وإعفاءه من التكليف لاحقا.

وفي جميع الأحوال في القضايا المدنية لا تقل أتعاب المحاماة عن (5%) ولا تتجاوز (25%) من القيمة الحقيقية للمال المنقول أو غير المنقول المتنازع عليه، أو إذا كان بالإمكان تقدير قيمة النزاع نقدا.

ويلزم أن يكون الاتفاق على الأتعاب مكتوبا، وإذا تم الاتفاق على مقدار الأتعاب في الحدود السابقة، التزم الموكل بدفعها دون نظر إلى نتيجة الدعوى، كما يستحق المحامي كامل الأتعاب إذا عزله الموكل دون سبب مشروع. فإذا لم يدفعها؛ وجب على المحامي رفع دعوى أمام القضاء والحصول على حكم قابل للتنفيذ.

ومع ذلك يجوز الاتفاق على تعجيل جزء من الأتعاب؛ وأن لا يستحق الباقي إلا عند كسب الدعوى. كما يمكن الاتفاق على أن تكون الأتعاب في حالة كسب الدعوى أكثر منها في حالة خسارة الدعوى، أو أن تكون كلها مرهونة بكسب الدعوى. ويمكن أيضا أن تكون الأتعاب مبالغ دورية تدفع كل شهر أو كل سنة مثلا؛ وفي هذه الحالة لا يطالب المحامي بأية زيادة إلا إذا قام بأعمال لم يكن في الوسع توقعها عند الاتفاق. (2)

ويظل مقدار الأتعاب خاضعا لتقدير القاضي، فيجوز له تخفيضه إذا كان مبالغا فيه، أو زيادته إذا استلزمت الدعوى بذل جهد استثنائي من المحامي لم يكن يتوقعه. كأن تشعبت الدعوى واتسع نطاقها وأبديت فيها دفوع لم تكن منتظرة؛ ولم يكن المحامي ليقبل المقدار المتفق عليه لو أنه كان يعلم ذلك. (3)

وقد نصت المادة 22 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه (عند وجود اتفاق على الأتعاب بين المحامي والموكل يجوز للمحامي ما يلي:

  1. أن يستوفي ما يعادل ما يستحقه من المبالغ المحصلة لحساب موكله وذلك في حال تخلف الموكل عن تسديدها.
  2. حجز الأوراق والمستندات المتعلقة بموكله لحين استيفاء حقه في الأتعاب المتفق عليها شريطة ألا يؤثر ذلك على أي ميعاد محدد لاتخاذ إجراء قانوني يترتب على عدم مراعاته سقوط الحق فيه.

كما نصت المادة 23 منه على أنه (لأتعاب المحامي وما يلحق بها من مصروفات امتياز يلي مباشرة حق الخزانة العامة على ما آل إلى موكله نتيجة عمل المحامي أو الحكم في الدعوى موضوع الوكالة وعلى ضمانات الإفراج والكفالات أيا كان نوعها).

أما في حالة عدم وجود اتفاق على الأتعاب، فإن لمجلس النقابة تقدير هذه الأتعاب من خلال لجنة تقدير الأتعاب التي يعينها، ويتم تقديرها وفقا لأهمية الدعوى والجهد الذي بذله المحامي والنتيجة التي حققها؛ وفق النسب المقررة في لائحة آداب مهنة المحاماة. وفي هذه الحالة نصت المادة (47) من لائحة آداب مهنة المحاماة على أنه (يحظر على المحامي في حال عدم وجود اتفاق على الأتعاب:

  • أن يستوفي أتعابه وفقا لتقديره من المبالغ المحصلة لحساب موكله.
  • حجز الأوراق والمستندات المتعلقة بموكله لحين استيفاء حقه في الأتعاب.

ويتم تقدير الأتعاب من قبل اللجنة بناء على طلب المحامي أو طلب الموكل، ويمارس المجلس في تقديره الأتعاب ولاية قضائية، فإن قبل الطرفان قضاءه صراحة أو ضمنا بعدم الطعن فيه، كان قراره واجب التنفيذ. (4)

(1)(1) نقض مصري ، مجموعة القواعد القانونية، جزء 4 رقم 341، صفحة 446.

(2)(2) عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء 7/1 ، المقاولة والوكالة…، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964، صفحة 532- 534. بينما يمنع قانون بعض الدول أن تكون أتعاب المحامي حصة عينية في الحقوق المتنازع عليها أو نسبة معينة من المحكوم به. من ذلك المادة 34 من قانون 3/55/1841 في فرنسا التي نصت على أنه ( يبطل كل اتفاق بين الخصوم ووكلائهم يكون من شأنه دفع الأتعاب المستحقة لهم بنسبة من المحكوم به أيا كانت تلك النسبة). عبد الباقي محمود سوادي ؛مسئولية المحامي عن أخطائه المهنية، طبعة 2، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010، صفحة 186 و 190.

(3)(3) السنهوري، صفحة 536. عبد الباقي سوادي، صفحة 183.

(4)(4) السنهوري ، المرجع السابق صفحة 541 – 543.