الضفة الغربية و قانون الاحتلال الحربي

خاتمة

تبين لنا هذه الدراسة أن المجتمع الدولي وقد أنهكته الصراعات قد اتجه منذ الحرب العالمية الأولى إلى وضع القواعد والأسس التي تكفل لأفراده (أي الدول) الأمن والاستقرار، فكانت بداية ما يسمى بعصر التنظيم الدولي. وإذا كان هذا التنظيم لم يصل إلى حد وجود سلطة عليا تفرض تطبيق المبادئ والأهداف التي وردت في ميثاق الأمم المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لسلطة الدولة في المجتمع الداخلي – بحيث لا زال منطق القوة يحكم في كثير من الحالات العلاقة بين الدول. إلا أن الدول التي تلجأ إلى القوة لتحقيق أهدافها ومطامعها، تحاول أن تلبس تصرفاتها ثوب الشرعية وموافقة القانون.

وقد ظهر هذا واضحا من مسلك الجانب الإسرائيلي، حيث لم تستطيع المحكمة العليا في عام 1948 و1949، إلا ان تقرر اعتبار الأراضي التي احتلتها اسرائيل، زيادة على ما خصص للدولة اليهودية، أراض محتلة وفقا لأحكام القانون الدولي. وقد أبقت السلطة السياسية هذه المناطق كما كانت عليه حتى حرب حزيران 1967، حين انشغل العالم بمعالجة آثار تلك الحرب، وبهدوء ودون ضجة، قامت إسرائيل بتغيير معالم تلك المناطق وخلق أمر واقع جديد على أساس أن خصمها لضعفه سوف ينسى تلك الأرض وينصرف إلى المناطق المحتلة حديثا، أي الضفة الغربية وسيناء والجولان.

وحتى بالنسبة للضفة الغربية، فقد دفعت أطماع الصهيونية فيها، بالكتاب ورجال القانون إلى محاولة البحث والدراسة وتفسير الأحداث والوقائع بما يبرر بقاء السلطة الإسرائيلية فيها وضمها إليها. فظهرت فكرة فراغ السيادة، وإسباغ صفة الاحتلال على وجود الأردن، تمهيدا للقول بشرعية وقانونية وجود السلطة الاسرائيلية، في الوقت الذي لم تستطع السلطة والقضاء ورجال الفقه فيها إلا الاعتراف بأن هذه المنطقة محتلة وأنها تخضع لأحكام اتفاقية لاهاي 1907. ولكنها عند تحليلها لنصوص هذه الاتفاقية كانت المحكمة تحاول تبرير تصرفات الحكم العسكري لتسبغ عليها طابع الشرعية وموافقة القانون، ورغم ضعف هذه المبررات والحجج فإنها لم تلق الاهتمام والدراسة الجديرين ببيان عدم سلامتها والكشف عن الأهداف المتوخاة من ورائها، وهي أهداف سياسية بعيدة الاأثر.

وما دامت الضفة الغربية أرض محتلة، فإن سلطات الاحتلال فيها خاضعة – كما قلنا – لأحكام قانون الاحتلال الحربي المستقرة في القانون الدولي، والتي تتمثل في ثلاثة مبادئ رئيسية هي:

  1. عدم جواز تدخل سلطة الاحتلال في الحياة اليومية للمواطنين في المناطق المحتلة، وضرورة تمكينهم من تسير وادارة شؤونهم بأنفسهم.
  2. واجب سلطات الاحتلال في تأمين سير الحياة في المناطق المحتلة بشكل طبيعي والمحافظة على الأمن فيها.
  3. حق سلطات الاحتلال في المحافظة على أمن وسلامة قواتها.

وتأخذ هذه الأحكام في الاعتبار عدم انتقال السيادة من الدولة المهزومة إلى دولة الاحتلال، وفي ذات الوقت تراعي التوازن بين مصالح السكان المدنيين الجديرين بالحماية والرعاية، وبين حق دولة الاحتلال في حماية قواتها طوال فترة الاحتلال، فتنص على بقاء التشريعات التي كانت سارية لحظة الاحتلال، وتمنع الحكم العسكري من التشريع إلا في حالتي الضرورة ومصلحة السكان.

وقد وضع الفقه ضوابط وحدودا لما يجوز لسلطات الاحتلال القيام به وما لا يجوز، إلا أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي قد تجاوزت الصلاحيات التي منحها إياها قانون الاحتلال الحربي وتدخلت في جميع مناحي الحياة اليومية للمواطنين، وتصرفت وتتصرف وكأنها صاحبة السيادة في غياب وعي المواطنين في المناطق المحتلة للحدود التي يجب على سلطة الاحتلال عدم تجاوزها. ولذا فإن من الأمور الهامة، دراسة وتوضيح صلاحيات سلطات الاحتلال في مجال التشريع والقضاء والإدارة حتى يمكن الحكم على الأمور، ورسم السلوك المحلي السليم في ظل الأوضاع السائدة وهو ما سيكون موضع الأبحاث التالية، آملين في غياب القدرة على مواجهة منطق القوة، أن نستطيع استخدام قوة المنطق في بيان الحق ووسائل الدفاع عنه. كخطوة نحو رسم معالم واضحة لطريق النضال القانوني والسياسي.