محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

المطلب الثاني

الدفع بالإحالــــة للارتباط.

الإحالة هي نقل الدعوى من المحكمة المرفوعة إليها ابتداء إلى محكمة أخرى. والحكم بعدم الاختصاص والإحالة تقيد كلا المحكمتين وفيها رعاية لمصلحة الخصوم حتى لا تتردد الدعوى بين المحكمة التي أحالتها وبين المحكمة المحال إليها مما يؤدي إلى حرمان صاحب الحق من الحصول على الحماية القضائية. وقد أخذ المشرع في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد بنظام الإحالة للاقتصاد في الوقت وفي الإجراءات والنفقات حتى لا يتحمل المدعي عبء رفع دعوى جديدة بعد أن كان القضاء في ظل قانون أصول المحاكمات الحقوقية الملغى يرد الدعوى لعدم الاختصاص.

وتتعدد حالات الدفع بالإحالة في القانون ، فقد تقرر المحكمة الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص ، وقد تتم الإحالة بالاتفاق أو لقيام ذات النزاع أمام محكمة أخرى ، أو للارتباط ، وأخيرا قد تتم الإحالة من محكمة الصلح إلى محكمة البداية عملا بالمادة (40) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الجديد . وما يعنينا هنا هو حالة الدفع بالإحالة للارتباط.

فإذا كانت الدعويان المرتبطتان مقامتان أمام محكمتين مختلفتين، فإن وسيلة الجمع بينهما تكون بقرار يصدر عن إحدى المحكمتين بإحالة الدعوى المنظورة أمامها إلى المحكمة المختصة بالدعوى الأخرى المرتبطة، ويصدر هذا القرار بناء على الدفع بالإحالة للارتباط.

ويتحقق الارتباط ولو لم يكن السبب والموضوع في الدعويين واحدا ، فيكفي الاشتراك الجزئي لعناصر الدعوى الموضوعية سواء بالمحل أو بالسبب الذي تنشأ عنه ، ولا يلزم أن يكون الخصوم في إحداهما هم الخصوم في الأخرى . ومن أمثلة الارتباط ، دعويا الفسخ اللتان يرفعهما كل من الطرفين على الآخر بسبب عدم الوفاء بالالتزامات ، والدعوى بصحة ونفاذ عقد ودعوى الطرف الآخر بفسخه أو ببطلانه ، ودعوى الدائن على المدين ودعواه على الكفيل ، ودعوى الموكل على الوكيل بتقديم حساب ودعوى الوكيل على الموكل بطلب أتعابه ومصاريفه ، وطلب التعويض في حادث تصادم مثلا الذي يوجهه كل منهما للآخر ، وطلب المشتري من البائع تسليم العين المباعة وطلب البائع من المشتري دفع الثمن ، والدعوى بطلب صحة رهن والدعوى بطلب شطبه ، ودعوى طلب تثبيت حجز والدعوى بطلب بطلانه أو استرداد الأشياء المحجوزة .

فإذا وجدت أمام محكمتين دعويان مختلفتان تتصلان بصلة الارتباط جاز الدفع في إحداهما بإحالتها إلى المحكمة القائمة أمامها الدعوى الأخرى ، لتقوم بنظرهما معا.

وتقتضي الإحالة للارتباط توافر شروط معينة تتحقق منها المحكمة المطلوب الإحالة منها قبل أن تصدر قرارها بالإحالة. كما يخضع الدفع بالإحالة لأحكام خاصة به من حيث: الوقت الذي يجوز فيه إثارة هذا الدفع، وصفة الشخص الذي يجوز له ذلك، والمحكمة التي يجوز إثارته أمامها، ومدى سلطتها إزاء هذا الدفع، ومدى جواز الطعن في الحكم الصادر فيه. ونبين ذلك في فروع ثلاثة.

الفرع الأول
شروط الإحالة للارتباط

يجب على المحكمة المطلوب منها الإحالة للارتباط؛ قبل أن تصدر حكمها؛ أن تتحقق من توافر عدة شروط هي:

  1. أن تكون هناك علاقة ارتباط بين الدعويين، كأن يكون محل الدعويين أو سببهما واحدا، أو أنه بالرغم من اختلاف المحل والسبب فيهما؛ فإن الفصل بينهما يؤثر في قدرة الخصوم على الإثبات؛ ويؤدي إلى صدور أحكام متعارضة. ويخضع كل ذلك – كما قلنا سابقا- لتقدير قاضي الموضوع بلا رقابة عليه من محكمة النقض؛ طالما أنه استند إلى أسباب تسوغ ما توصل إليه من نتيجة.
  2. أن تكون كل من المحكمتين مختصة بالدعوى المقامة أمامها وظيفيا ونوعيا وقيميا.

فيجب أن تكون المحكمة المقدم إليها الدفع بالإحالة مختصة بالدعوى المطلوب إحالتها؛ اختصاصا وظيفيا ونوعيا وقيميا؛ حتى تستطيع أن تحيلها إلى محكمة أخرى، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. أما الاختصاص المكاني فيمكن التغاضي عنه إذا لم يتمسك به الخصم المقرر لمصلحته في الوقت المناسب.

كما يجب أن تكون المحكمة المطلوب الإحالة إليها مختصة بالدعوى القائمة أمامها اختصاصا وظيفيا ونوعيا وقيميا، أما بالنسبة للاختصاص المحلي فلا يشترط استمراره؛ فيجوز الإحالة إليها ولو كانت غير مختصة محليا بالدعوى التي أمامها إذا سقط حق الخصم في الاعتراض على عدم اختصاصها المحلي. ولكن يشترط اختصاصها محليا بالدعوى التي ستحال إليها حتى لا تنزع الدعوى من محكمة مختصة وتحال إلى محكمة لا اختصاص لها.

وعلى المحكمة المقدم لها طلب الإحالة أن تتحقق من صحة هذا الاختصاص قبل أن تحكم بالإحالة، حتى لا ترتد إليها الدعوى مرة أخرى إذا كانت المحكمة الأخرى قد قضت بعدم اختصاصها قبل الحكم بالإحالة؛ وما يؤدي إليه من تأخير الفصل في الدعوى. كما أنه إذا ثار نزاع حول هذا الاختصاص؛ وجب على المحكمة المطلوب منها الإحالة أن توقف الفصل في الدفع؛ حتى يتم الفصل في اختصاص المحكمة المطلوب الإحالة إليها.

أما إذا كانت إحدى المحكمتين غير مختصة بالدعوى التي أمامها، فإن وسيلة تجنب صدور أحكام متناقضة؛ هي الدفع بعدم الاختصاص، فإذا حكمت المحكمة بعدم اختصاصها فإنه لا توجد بعد هذا الحكم سوى دعوى أمام محكمة مختصة واحدة ،أما إذا رفضت المحكمة الدفع؛ وسارت كل محكمة نحو الفصل في الدعوى، فإنه يمكن إثارة الدفع بالإحالة للارتباط لاحتمال صدور حكمين متناقضين في هذه الحالة.

  1. أن تكون المحكمة المطلوب الإحالة إليها مختصة بنظر الدعوى المطلوب إحالتها نوعيا ووظيفيا، أما الاختصاص المحلي فليس شرطا لأن دواعي الارتباط أكثر أهمية من الاعتبارات التي تقوم عليها قواعد الاختصاص المحلي .

ولكن فيما يتعلق بهذا الشرط؛ يجب أن نميز بين ما إذا كانت المحكمة المحال إليها هي محكمة البداية أو محكمة الصلح. فإذا كانت المحكمة المحال إليها محكمة البداية لا يلزم أن تكون مختصة نوعيا بالنسبة للدعوى المحالة إليها؛ لأنه سينعقد لها الاختصاص بها بالتبعية لاختصاصها بالدعوى المنظورة أمامها، لذلك يجوز الإحالة من محكمة الصلح لدعوى من اختصاصها إلى محكمة البداية.

أما إذا كانت المحكمة المطلوب الإحالة إليها هي محكمة صلح، فيلزم أن تكون مختصة نوعيا بالدعوى المحالة إليها، لأنه لا ينعقد لها أي اختصاص نوعي بالتبعية، فيجب أن تكون مختصة نوعيا بالنسبة لكافة الطلبات المقامة لديها سواء كانت طلبات أصلية أم فرعية أم محالة.

  1. أن تكون المحكمتان تابعتين لجهة القضاء العادي ، فلا تجوز الإحالة إلا داخل الجهات ذات الاختصاص الوظيفي الواحد، وهذا الشرط يزكيه استقلال كل جهة قضائية عن الأخرى، وعدم تدخل جهة قضائية في تحديد اختصاص الجهات القضائية الأخرى، فلا يجوز لمحكمة عادية أن تحيل للارتباط دعوى للقضاء الإداري ( محكمة العدل العليا).

ولكن يجوز لمحكمة الطلب الأصلي أن تؤجل الحكم في الدعوى الأصلية لحين الفصل في المسالة الأولية التي تدخل في اختصاص جهة قضائية أخرى، وذلك عن طريق تكليف الخصم الذي أثار المسألة الأولية؛ باستصدار حكم من المحكمة المختصة بها، حتى يمكنها الفصل في الدعوى الأصلية. وبذلك يمكن التوفيق بين مبدأ استقلال كل جهة قضائية عن الأخرى، وتجنب تناقض الأحكام المتعارضة.

ويلزم كذلك أن تكون المحكمتان من درجة واحدة ، وإلا ترتب على ذلك إخلال بدرجات التقاضي فلا تجوز الإحالة من محكمة أول درجة إلى محكمة ثاني درجة والعكس صحيح . ولكن إذا كانت إحدى الدعويين أمام محكمة الصلح والأخرى أمام محكمة البداية فإنه يجب أن يقدم الدفع بالإحالة للارتباط إلى محكمة الصلح لتحيل الدعوى المختصة بها إلى محكمة البداية لتنظرها بالتبعية باعتبارها صاحبة الولاية العامة .

  1. أن تكون الدعويان ما زالتا قائمتين بالفعل أمام المحكمتين ، فلا محل للإحالة إذا كانت إحدى الدعويين قد انقضت لأي سبب من أسباب الانقضاء ، بأن تكون قد حكم في موضوعها؛ أو انقضت بغير حكم في الموضوع لأي سبب إجرائي أو موضوعي.

أما إذا قضت المحكمة المطلوب الإحالة إليها في الدعوى القائمة أمامها بعد الحكم بالإحالة، فليس هناك ما يمنع هذه المحكمة من الحكم في الدعوى التي أحيلت إليها، على اعتبار أن الهدف من الإحالة هو الفصل في الدعويين المرتبطتين بمعرفة محكمة واحدة؛ لا الفصل فيهما معا بحكم واحد.

  1. أن يقيم المدعى عليه الدليل على أن الدعوى التي يدفع بإحالتها مرتبطة بدعوى أخرى منظورة أمام محكمة أخرى في ذات درجتها، ويتم ذلك بتقديم لائحة الدعوى الأخرى.
الفرع الثاني
أحكام الدفع بالإحالة للارتباط
  1. المحكمة التي يجوز إثارة الدفع أمامها.

يجوز إثارة الدفع بالإحالة للارتباط أمام أي من المحكمتين، إذ أن كل محكمة مختصة بالدعوى المقامة لديها على قدر متساو من اختصاص المحكمة الأخرى، دون أن يكون لأية محكمة أفضلية على المحكمة الأخرى في الفصل في الدعاوى المرتبطة؛ ولو كانت قد أقيمت لديها أولا.

ويرمي الخصم من إثارة الدفع بالإحالة للارتباط إلى نتيجتين :

الأولى: تنازل المحكمة عن نظر الدعوى المقامة لديها.

الثانية : إحالتها إلى المحكمة الأخرى.

ويقدم الخصم الدفع بالإحالة للارتباط عادة إلى المحكمة المطلوب الإحالة منها، ولا يجوز إثارة هذا الدفع إلا أمام إحدى المحكمتين، والعبرة بتاريخ إثارة هذا الدفع، فإذا دفع كل خصم بالإحالة أمام كل محكمة على حدة، يعتبر الدفع اللاحق في التاريخ كأن لم يكن.

  1. من يجوز له إثارة الدفع للارتباط:

الأصل أنه يجوز لكل خصم إثارة هذا الدفع دون تفرقة بين المدعي والمدعى عليه. أما بالنسبة للمحكمة، فإن الفقه في مجمله يرى أنه لا يجوز للقاضي إثارة الدفع بالارتباط من تلقاء نفسه؛ على أساس عدم تعلق هذا الدفع بالنظام العام، فالإحالة للارتباط يجب أن يطلبها الخصوم؛ أو على الأقل يجب أن يقترحونها.

ولكن يلاحظ أن غالبية الفقه عند تناولها هذا الموضوع، تذهب إلى التعميم والشمول دون تفرقة بين الارتباط وبين عدم القابلية للتجزئة، في حين أننا نرى ضرورة التفرقة بين النوعين.

فبالنسبة للارتباط، يمكن معالجة الأضرار المترتبة على قيام محكمتين مختلفتين بنظر دعويين مرتبطتين بالتوفيق بين الأحكام المتناقضة؛ بتنفيذ كل حكم في اتجاهه، لذلك فإن وجود الارتباط لا يخول القاضي أن يحل محل الخصوم ويثير الارتباط من تلقاء نفسه.

أما بالنسبة لعدم القابلية للتجزئة، فإن الأمر يختلف لوجود مخاطر جسيمة؛ وأضرار كثيرة من قيام محكمتين مختلفتين بالفصل في دعويين موضوعهما لا يقبل التجزئة، نظرا لاستحالة التنفيذ المتعاصر والمتزامن للحكمين الصادرين، لذلك وبالنظر لقيام عدم القابلية للتجزئة على اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، فإنه يجوز للقاضي أن يثير الدفع بالإحالة من تلقاء نفسه؛ لأنه مكلف بالحفاظ على النظام العام.

  1. وقت إثارة الدفع بالإحالة للارتباط:

في مصر وفلسطين اعتبر المشرع الدفع بالإحالة للارتباط دفعا شكليا يجب إبداءه في بداية الإجراءات وقبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيه (1)، ما لم ينشأ سببه بعد الكلام في الموضوع.

أما في فرنسا، فقد نص قانون المرافعات في المادة 103 منه على أن ” الدفع بالارتباط يجوز تقديمه في أية مرحلة تكون عليها الدعوى؛ إلا أنه يستبعد إذا كان الغرض من وراء إثارته متأخرا نية المماطلة”.

ولا شك أن موقف المشرع الفرنسي هو الأسلم والذي يتفق مع طبيعة الدفع بالإحالة، لأن الهدف من هذا الدفع هو الحيلولة دون صدور أحكام متعارضة في النزاع الواحد أو المنازعات المرتبطة. ولذلك يجب أن نمكن الخصوم والمحاكم من تحقيق هذا الهدف في أية حالة كانت عليها الدعوى، خاصة وأن علاقة الارتباط التي تبرر الإحالة ليس من السهل اكتشافها في أغلب الأحوال لأول وهلة، بل غالبا الذي يكشف عنها هو مجرى التحقيق وعرض الموضوع للمناقشة.

  1. سلطة المحكمة التي يطلب منها الإحالة في إجابة الطلب أو رفضه:

إذا تبين للمحكمة توافر شروط الإحالة للارتباط، هل المحكمة ملزمة بالإحالة؛ أم يجوز لها أن ترفض الطلب وتستمر في نظر الدعوى؟

نفرق في الإجابة على هذا السؤال بين الارتباط وبين عدم التجزئة.

فبالنسبة للارتباط، من المسلم به فقها وقضاء أن الإحالة اختيارية، ويملك القاضي سلطة تقديرية واسعة في قبول طلب الإحالة أو رفضه. فقد ترفض المحكمة طلب الإحالة ولو تحققت شروط الإحالة المذكورة سابقا إذا وجدت اعتبارات أخرى تعلو على الارتباط ، كما لو كانت الدعوى التي أمامها أكثر أهمية من الدعوى المقامة لدى المحكمة الأخرى ؛ أو أن الدعوى المقامة أمامها أو أمام المحكمة الأخرى قد صارت صالحة للحكم في موضوعها ، فلا ينتظر أن تؤخر المحكمة الفصل فيها ليصدر الحكم معا في الدعويين

أما بالنسبة لعدم التجزئة، فإن المحكمة تلزم بالإحالة؛ سواء طلبها أحد الخصوم أو من تلقاء ذاتها، ولكن بعد أن تجري تحقيقا تقف فيه على طبيعة الصلة بين الدعويين ومدى قوتها. فإذا رأت أن رفض الإحالة يمكن أن يؤدي إلى مخاطر صدور أحكام متعارضة يستحيل تنفيذها؛ فإنها تأمر بإحالة الدعوى التي أمامها إلى المحكمة الأخرى.

مثال ذلك: بائع طلب تنفيذ عقد بيع وإلزام المشتري بسداد باقي الثمن. وأمام المحكمة الأخرى دعوى مقامة من المشتري بفسخ العقد واسترداد مقدم الثمن. في هذه الحالة تلزم المحكمة بالإحالة لتعلق الأمر بالنظام العام.

الفرع الثالث
الطعن في الحكم الصادر في الدفع بالإحالة

قد تقبل المحكمة الدفع وتحيل الدعوى التي أمامها إلى المحكمة الأخرى، كما قد ترفض المحكمة الدفع وتستمر في نظر الدعوى. فهل يجوز الطعن في الحكم الصادر في الدفع؟

يقبل الحكم الصادر في الدفع بالإحالة الطعن؛ سواء كان بقبول الإحالة أم برفضها، ولكن يختلف الأمر من ناحية مدى القابلية للطعن المباشر.

فالحكم الصادر برفض الإحالة يكون في الغالب ضمنيا؛ يعرف من خلال استمرار المحكمة في نظر الدعوى، ويعتبر هذا الحكم قطعيا؛ لأنه يفصل في مسألة إجرائية متعلقة بالاختصاص. ولكنه لا يعتبر فاصلا في موضوع الدعوى؛ ولا منهيا للخصومة؛ وإنما يقتصر على الفصل في مسألة فرعية، لذلك يذهب الفقه والقضاء إلى أنه لا يقبل الطعن المباشر؛ وإنما يجوز الطعن فيه بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها.

أما الحكم الصادر بقبول الإحالة، فقد اختلف الفقه بشأنه:

فيذهب رأي إلى جواز الطعن في الحكم الصادر بالإحالة مباشرة دون الحاجة إلى انتظار الحكم المنهي للخصومة كلها، لأن المحكمة بصدور حكم الإحالة تكون قد أنهت الخصومة أمامها، مما يبرر جواز استئنافه على استقلال.

بينما يذهب رأي آخر في الفقه إلى أن الحكم بالإحالة يؤدي فقط إلى نقل الخصومة بحالتها إلى المحكمة الأخرى، ولا يعتبر منهيا للخصومة، ولذلك لا يجوز الطعن المباشر فيه.

ونحن نؤيد الرأي الثاني؛ لاتساقه مع الحكمة من تنظيم الارتباط التي تتمثل في الحفاظ على وحدة الخصومة المدنية بعدم تشتيتها، لذلك على الخصم المتضرر من الإحالة أن ينتظر صدور الحكم المنهي للخصومة كلها؛ حتى يستطيع الطعن في الحكم بالإحالة، وقد يغنيه عن ذلك الحكم الصادر في الموضوع إذا كان هذا الحكم لصالحه.

ولا يرد القول هنا بجواز الطعن المباشر في الحكم الصادر بالإحالة للارتباط عملا بالمادة 192/4 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية التي نصت على جواز الطعن المباشر في (الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة..) لأن هذا النص جاء استثناء على القاعدة العامة التي نصت على أنه لا يجوز الطعن في القرارات التمهيدية التي تصدر أثناء السير في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة، وهو قاصر على حالة الحكم بعدم الاختصاص ، وهناك فرق بين حالة الإحالة لعدم الاختصاص وبين حالة الإحالة للارتباط؛ رغم وجود الاختصاص، والاستثناء لا يقاس عليه.

(1)(1) المادة 108 مرافعات مصري، والمادة 91/1 أصول مدنية فلسطيني.