محاضرات في ارتباط الدعاوى وأثره على وحدة الخصومة المدنية

المطلب الثالث

خصائص الارتباط والمقارنة بينه وبين ما يشبهه

نبين خصائص الارتباط في فرع أول، ثم المقارنة بينه وبين ما يشبهه في فرع ثان.

الفرع الأول
خصائص الارتباط
  1. لا يتطلب الارتباط وحدة الخصوم في الدعويين، فقد رأينا أنه يوجد ارتباط بالرغم من اختلاف الخصوم. وبالعكس لا يوجد ارتباط بالرغم من وحدة الخصوم في الدعويين. ومن التطبيقات القضائية في هذا الموضوع؛ ما حكم به من عدم وجود ارتباط بين دعوى المستأجر ضد المالك برد ما دفعه إليه بغير حق؛ ودعواه الأخرى بالمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء طرده من العين المؤجرة قبل انتهاء مدة الإيجار.
  2. لا يشترط لوجود الارتباط اتحاد المحل أو السبب في الدعويين؛ أو مجرد اشتراكهما، لأن الارتباط يوجد – كما ذكرنا- بالرغم من اختلاف المحل والسبب في كل دعوى، إلا أن اشتراك دعويين أو أكثر في المحل أو السبب يمكن أن يكشف عن وجود ارتباط بينها.
  3. يختلف الارتباط عن تشابه الدعاوى، إذ لا يوجد الارتباط بمجرد إقامة عدة دعاوى بطلبات مختلفة على شخص واحد؛ ولو اتحد الدفاع في كل منها، فلا يوجد ارتباط بين الدعاوى المقامة من عدد من العمال ضد صاحب العمل بسبب الفصل التعسفي؛ إذا كان استخدامهم تم بناء على عقود عمل مستقلة.
  4. يختلف الارتباط عن تزاحم الدعاوى، فالتزاحم يعني وجود أكثر من دعوى ترمي جميعا إلى تحقيق هدف قانوني واحد؛ وتحقيق الهدف القانوني بواسطة دعوى واحدة يؤدي إلى انقضاء باقي الدعاوى الأخرى. وتزاحم الدعاوى قد يكون:
  1. تزاحما موضوعيا – عندما يتحد المحل والأشخاص في الدعاوى؛ ولكن يختلف السبب فيها، كما إذا طالب شخص بملكية شيء باعتباره مشتريا له أو باعتباره وارثا له.
  2. تزاحما شخصيا – عندما تتحد دعويان في كل من المحل والسبب مع اختلاف في الأشخاص، مثال ذلك دعوى الوارث بإبطال الوصية؛ ودعوى وارث آخر بإبطال ذات الوصية لذات السبب.
  3. والصورة الثالثة للتزاحم هي حالة وجود خيار شخصي بين دعويين ناشئتين عن سبب واحد، مثال ذلك ما للمتعاقد عند إخلال الطرف الآخر بالتزامه من الحق في دعوى التنفيذ العيني؛ أو دعوى التعويض. وفي هذه الحالة يوجد اتحاد في الأشخاص والسبب ولكن المحل مختلف.

ويجوز للمدعي أن ينتقل من دعوى التنفيذ العيني إلى دعوى التعويض؛ دون أن يعد ذلك تغييرا في الطلب، لأن الهدف الاقتصادي في الدعويين واحد.

كما يجوز للمدعي أن يقيم الدعويين في خصومة واحدة؛ إما في صورة طلبين، أو في صورة طلب أصلي وطلب احتياطي. وإذا حكم في إحدى الدعويين؛ سواء لمصلحته أو لمصلحة خصمه، فإن ذلك يؤدي إلى انقضاء حقه في الدعوى الأخرى.

ومن ذلك يتبين أن الاختلاف الأساسي بين الارتباط وتزاحم الدعاوى يكمن في اختلاف هدف كل منهما، فالدعاوى المتزاحمة ترمي إلى تحقيق هدف قانوني واحد، وتحقيق هذا الهدف بواسطة أي دعوى يؤدي إلى انقضاء باقي الدعاوى الأخرى. أما الارتباط فإن هدف كل دعوى يختلف عن هدف الدعوى الأخرى، بل قد يتعارض معها؛ نظرا لاختلاف مصالح الخصوم وتقابلها في الدعاوى المرتبطة. واختلاف هدف كل نظام عن الآخر يؤدي إلى اختلاف الإجراءات والأحكام بينهما.

  1. كما يختلف الارتباط عن جمع الدعاوى، ويقصد بجمع الدعاوى قيام المدعي بإقامة أكثر من دعوى في لائحة واحدة ، ويمكن أن تشكل كل دعوى خصومة مستقلة، ويقوم المدعي بذلك اختصارا للوقت واقتصادا في النفقات. مثال ذلك قيام المؤجر ( المدعي) بالجمع في لائحة واحدة بين دعويين ضد المستأجر ، الأولى طلب إخلاء المأجور؛ والثانية طلب الأجرة المستحقة.

ويشترط لقيام المدعي بالجمع بين عدة طلبات في لائحة واحدة:

  1. أن تكون الإجراءات بالنسبة لجميع الدعاوى واحدة، فلا يجوز الجمع إذا اختلفت إجراءات كل دعوى عن الأخرى.
  2. أن توجد رابطة قانونية بين جميع الخصوم في حالة تعددهم؛ سواء كان التعدد من جانب المدعي أو المدعى عليه، وتكون هناك رابطة قانونية إذا كان الإجراء الواقع في الدعوى له نتيجة بالنسبة لجميع الخصوم.
  3. أن تكون الدعاوى الواردة في لائحة واحدة من اختصاص محكمة واحدة.
الفرع الثاني
المقارنة بين الارتباط وما يشبهه

نقارن في هذا الفرع بين الارتباط وبين قيام ذات النزاع، ثم بينه وبين عدم القابلية للتجزئة.

مقارنة بين الارتباط وقيام ذات النزاع:

  1. أوجه التشابه:
  1. التشابه في الشكل، إذ ينظم المشرع الفلسطيني والمقارن الدفع بالإحالة للارتباط والدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع في مكان واحد وفي مادة واحدة أو مواد متتالية ( في فلسطين المواد 91 – 95 أصول مدنية، وفي مصر المادة 112 مرافعات، وفي فرنسا المواد 100 – 107 مرافعات).
  2. كل من الارتباط وقيام ذات النزاع يثيران تنازعا خفيا في الاختصاص بين محكمتين مختلفتين لنظر النزاع أو لنظر الدعويين المرتبطتين.
  3. يشترك كل من الدفع بالإحالة للارتباط والدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع في هدف مشترك هو تلافي نظر محكمتين مختلفتين ذات النزاع أو الدعويين المرتبطتين، وذلك للحيلولة دون صدور أحكام متعارضة أو متناقضة في القضية الواحدة أو القضايا المرتبطة؛ نزولا على مقتضيات حسن سير العدالة.
  4. الدفع بالإحالة للارتباط والدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع لا يتعلقان بالنظام العام؛ وإنما بالمصلحة الخاصة للخصوم، لذلك لا تقضي بهما المحكمة من تلقاء نفسها.
  5. كل من الدفع لقيام ذات النزاع والدفع للارتباط يجب إثارته قبل الكلام في الموضوع وقبل الدفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيه.(5)
  1. أوجه الاختلاف:
  1. أول مظهر للاختلاف بينهما يتعلق بطبيعتهما ومفهومهما، فقيام ذات النزاع يفترض عرض النزاع؛ باتحاد عناصره الثلاثة؛ على محكمتين. بينما الارتباط يفترض دعويين مختلفتين بينهما صلة تجعل من المناسب أن تنظرهما محكمة واحدة. والرأي الغالب في فقد المرافعات لا يشترط وحدة عناصر الدعويين؛ ولا حتى اشتراك الدعويين في العناصر الموضوعية.
  2. الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع يجب إثارته أمام المحكمة التي رفع إليها النزاع مؤخرا، بينما الدفع للارتباط يجوز إثارته أمام أي من المحكمتين. أما إذا كانت المحكمتان مختلفتين في الدرجة فلا تجوز إثارة الدفع إلا أمام المحكمة الأقل درجة.

مقارنة بين الارتباط وعدم القابلية للتجزئة:

يمكن التمييز بين الارتباط وعدم القابلية للتجزئة، سواء من حيث الطبيعة القانونية ؛ أم الآثار التي تترتب على كل منهما.

فمن حيث الطبيعة القانونية، الارتباط هو صلة بين دعويين، أي أنه يفترض وجود دعويين مختلفتين على الأقل في أحد عناصر الدعوى الثلاثة ؛ الخصوم أو المحل أو السبب. أما عدم التجزئة فهو صفة في موضوع الدعوى ذاته؛ تجعل الموضوع غير قابل للانقسام؛ لذلك فعدم قابلية الموضوع للانقسام قد تكون أسبق في الوجود من الدعوى ذاتها.

أما من حيث آثار الارتباط وعدم القابلية للتجزئة، فإن الارتباط يؤثر في قواعد الاختصاص؛ حيث يصبح بموجبه لمحكمة البداية اختصاصا تبعيا للفصل في الطلبات المرتبطة والعارضة؛ حتى ولو لم تكن من اختصاصها النوعي أو المحلي. ويتم بموجبه إحالة الطلب من المحكمة المختصة به أصلا إلى محكمة أخرى لارتباطه بالطلب المنظور أمام المحكمة الأخيرة ( المحال إليها).

أما عدم القابلية للتجزئة فله أثر مختلف؛ سواء من حيث الدرجة أو النطاق، فيترتب على طرح موضوع غير قابل للتجزئة على المحاكم حتمية نظر هذا الموضوع بمعرفة محكمة واحدة؛ وفي مواجهة جميع أطرافه؛ بحيث يصدر حكم واحد يحوز الحجية في مواجهة الجميع – لأن طبيعة الموضوع غير القابل للتجزئة تقتضي أن يكون الحل واحدا بالنسبة لجميع الأطراف.

كما أن تأثير الموضوع غير القابل للتجزئة يتجاوز الاختصاص ليشمل الخصومة برمتها؛ بدءا من إقامة الدعوى حتى صدور الحكم البات فيها.

(5)(5) بينما يجيز قانون المرافعات الفرنسي في المادة 103 منه إثارة الدفع بالارتباط في أي حالة تكون عليها الدعوى.